و الله لا أنكر إعجابي و دهشتي لقدرة الزميل الصفي على الإتيان دائماص بالجديد فيما يتعلق بتفسير الآيات .

فمرّة جعل الطوفان محدوداً غير عالمي مخالفاً بذلك جميع المفسرين الذين فسروا القرآن و غيرهم .

و الآن يأتي إلينا بتفسير جديد يخالف ما عليه جمهور المفسرين إن لم نقل أجمعهم ، فيجعل خروج إبليس الأول ليس من الجنة بل من الملأ الأعلى .

و حتى نرد عليه نسأله "الملأ الأعلى" مذكر أم مؤنث ؟

إن كان مذكراً فلا بد أن يكون الخروج في الآية بقوله "فاخرج منه" و ليس منها .

و يتضح هذا من الآيات التي اقتبسها لنا الزميل الصفي حيث كتب :

اقتباس:} لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ {الصافات/8}
مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى

و يجعل "منها" رغم أن الأولى تعود على مؤنث و ليس مذكر .

و هذا يدل على أنه استنتاج خاطيء لا تدعمه أبسط قواعد اللغة .

ثانياً : عندما يستخدم القرآن الهاء في "منها" و هي إسم إشارة فلا بد أن يعود على معلوم لا مجهول .

فما الذي تعود عليه الهاء في قوله في الأعراف :
قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)
قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ (18)

فهذه الهاءات جميعها تدل على شيء معلوم ، فما هو ؟؟؟

إنه الجنة بلا خلاف .

و نستدل عنه من متابعة السياق حين يقول الله لآدم "وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ " الأعراف 19

ثالثاً : ذكر الكمبيوترجي وجود خلاف حول الجنة هل هي جنة الخلد أم جنة في الأرض ، نعم هذا الخلاف مذكور و إن كان الجمهور على أنه حنة السماء ، لكن أحداً لم يختلف أنها الجنة و ليس الملأ الأعلى كما يقول زميلنا الصفي .

و قد رُدّ على هذا الكلام بأنه استخدم "أل التعريف" و التي يجب أن تعود على معهود ذهني ، فحين نقول "مأواهم النار" فهذا يعني جهنم و ليس ناراً كالنار التي أوقدت للنبي إبراهيم .

و حين يُقال العرش فمعروف أنه العرش الذي استوى عليه الرحمن و ليس عرشاً آخر .

و دليل آخر أن الجنة لم تكن في الأرض هو قوله "قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ " البقرة (24)

أي اهبطوا من مكانكم هذا إلى الأرض حيث يكون لكم مستقر و متاع إلى حين .

و هذا يدل على أنهم لم يكونوا في الأرض . لأنهم هبطوا إليها ، فكيف يصح بعد ذلك قول من تمسك بالخلاف الذي ذكره كمبيوترجي و زياد جلال بأن الجنة كانت حديقة في الأرض !!!

هذا رأي يبعث على الابتسام إن لم نقل الضحك و الله .



و في تفسير القرطبي نجد تلخيصاً للمسألة حيث يقول :

الْجَنَّة : الْبُسْتَان , وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهَا . وَلَا اِلْتِفَات لِمَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ الْمُعْتَزِلَة وَالْقَدَرِيَّة مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي جَنَّة الْخُلْد وَإِنَّمَا كَانَ فِي جَنَّة بِأَرْضِ عَدْن . وَاسْتَدَلُّوا عَلَى بِدْعَتهمْ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ جَنَّة الْخُلْد لَمَا وَصَلَ إِلَيْهِ إِبْلِيس , فَإِنَّ اللَّه يَقُول : " لَا لَغْو فِيهَا وَلَا تَأْثِيم " [ الطُّور : 23 ] وَقَالَ " لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا " [ النَّبَأ : 35 ] وَقَالَ : " لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا . إِلَّا قِيلَا سَلَامًا " [ الْوَاقِعَة : 25 - 26 ] . وَأَنَّهُ لَا يَخْرُج مِنْهَا أَهْلهَا لِقَوْلِهِ : " وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ " [ الْحِجْر : 48 ] . وَأَيْضًا فَإِنَّ جَنَّة الْخُلْد هِيَ دَار الْقُدْس , قُدِّسَتْ عَنْ الْخَطَايَا وَالْمَعَاصِي تَطْهِيرًا لَهَا . وَقَدْ لَغَا فِيهَا إِبْلِيس وَكَذَبَ , وَأُخْرِجَ مِنْهَا آدَم وَحَوَّاء بِمَعْصِيَتِهِمَا . قَالُوا : وَكَيْف يَجُوز عَلَى آدَم مَعَ مَكَانه مِنْ اللَّه وَكَمَال عَقْله أَنْ يَطْلُب شَجَرَة الْخُلْد وَهُوَ فِي دَار الْخُلْد وَالْمُلْك الَّذِي لَا يَبْلَى ؟ فَالْجَوَاب : [COLOR=Red]أَنَّ اللَّه تَعَالَى عَرَّفَ الْجَنَّة بِالْأَلِفِ وَاللَّام , وَمَنْ قَالَ : أَسْأَل اللَّه الْجَنَّة , لَمْ يُفْهَم مِنْهُ فِي تَعَارُف الْخَلْق إِلَّا طَلَب جَنَّة الْخُلْد

و لم أجد لأي من المفسرين الكِبار و لا غيرهم من لم يقل بأن إبليس كان في الجنة ، جنة الخلد التي وُعِد المتقون . و يكفينا هؤلاء ليخبرونا كيف فهم العالم الإسلامي هذه الآيات إلى أن أتانا الصفي بتفسيره الجديد ، و هذا إن سلّمنا به فيدل على أن الناس قبل الزميل الصفي كانت لا تفهم القرآن إلا على الوجه الخاطيء ، المفسرين و العلماء و الصحابة و على رأسهم ترجمان القرآن ، و هو أمر عظيم لا أخال أحداً من المسلمين يرضيه القول به .


و للاختصار سأورد مقتبسات من كتب أشهر المفسرين رداً على ما ذهب إليه الزملاء الصفي و كمبيوترجي و زياد جلال من أن ابليس لم يُطرد من الجنة أول مرة ، أو أن جنة آدم و زوجه ليست جنة الخلد التي وُعِد المتقون
. و يمكن أن تجدوا النصوص كاملة في تلك الكتب .
و يمكن من خلال هذه الوصلة
تفسير الطبري للآية و غيره


الطبري :
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقُلْنَا يَا آدَم اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجك الْجَنَّة } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَفِي هَذِهِ الْآيَة دَلَالَة وَاضِحَة عَلَى صِحَّة قَوْل مَنْ قَالَ : إنَّ إبْلِيس أُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّة بَعْد الِاسْتِكْبَار عَنْ السُّجُود لِآدَم , وَأَسْكَنَهَا آدَم قَبْل أَنْ يَهْبِط إبْلِيس إلَى الْأَرْض

القرطبي :

وَقُلْنَا يَا آدَمُ

لَا خِلَاف أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْرَجَ إِبْلِيس عِنْد كُفْره وَأَبْعَدَهُ عَنْ الْجَنَّة , وَبَعْد إِخْرَاجه قَالَ لِآدَم : اُسْكُنْ , أَيْ لَازِم الْإِقَامَة وَاِتَّخِذْهَا مَسْكَنًا , وَهُوَ مَحَلّ السُّكُون .

ابن كثير :

وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ

يَقُول اللَّه تَعَالَى إِخْبَارًا عَمَّا أَكْرَمَ بِهِ آدَم : أَنَّهُ أَمَرَ الْمَلَائِكَة بِالسُّجُودِ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيس وَأَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ الْجَنَّة يَسْكُن مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء وَيَأْكُل مِنْهَا مَا شَاءَ رَغَدًا أَيْ هَنِيئًا وَاسِعًا طَيِّبًا


و بعد هذا يقول الصفي أنني من قال بهبوط إبليس من الجنة .

[QUOTE]لم انف الجنة بمزاجي و لكن لا لا ذكر لها من اساسه . و انت من قال ان المقصود باهبط منها الجنة بدون دليل.

كذلك يمكننا أن نتذكر بعض الزملاء الذين ردوا على هذه الخواطر فكانت أولى حججهم أننا نفسر القرآن على هوانا . (و لا تعليق)

تحياتي للجميع