صليت الجمعة قبل الماضية في مسجد الحمراني بجدة، وكان خطيبنا يتكلم عن التوبة استعدادا لاستقبال رمضان، وكان إلى يميني شخص لم أجهد كثيرا في معرفته بملامحه وزيه الباكستاني الأرستقراطي، فنواز شريف أشهر من علم وكنت أتوقع تواجده في هذا المكان، فهو قليلا ما يصلي في غيره منذ غدا لاجئا سياسيا ومستثمرا من كبار المستثمرين هنا!

الذي لم أكن أستوعبه سريعا يخص شخصا آخر كان بقربي وشعرت نحوه بشعور لم أستوعبه حتى فارقني!!

كان رجلا ملتحيا يلبس بدلة فارهة، ترافقه حماية متواضعة، وما هو إلا أن جلس بالقرب مني لا يباعد بيني وبينه غير أربع أو خمسة من المصلين!

الرجل جلس متربعا وأخذ يدور بسبحته أثناء خطبة الجمعة! نظرت جانبيا إلى الرجل ولم أتبينه، غير أنني قدرت أنه شخص مهم جدا، دون أن أعرف أنه أعدا أعدائي وأعداء السوريين قاطبة!! ووالله لو أنني علمت لضحيت بصلاة الجمعة على أن أصليها بالقرب من نتن يديه ملطختين بدماء الأبرياء مثله!

لم يكن هذا النتن غير رفعت الأسد، ولم أتبينه إلا حين خاطبني أحد إخواني متهكما: شو هالحظوة هاي يا شيخ إسماعيل! شو ناوي تنضم للتجمع القومي الموحد؟!!

فيما بعد علمت أن النتن جاء بدعوة رسمية من الملك عبد الله هو و100 من عائلته ومرافقيه لمناقشة الوضع السوري!

ومع أنني أقدر للنظام السعودي مساعيه الحميدة في جمع كلمة العرب في أوقات متفرقة، غير أنني حتى الساعة لم أفهم دعوة شخص مثل رفعت وفي مثل هذا التوقيت بالذات، وبعد قرابة الشهرين من حملة استدعاءات أمنية شملتني وعدد من السوريين المحسوبين على الإخوان المقيمين في السعودية!

لماذا يفتح ملف الإخوان تحديدا في مثل هذا التوقيت، ولماذا يستقبل في مثل ذلك النتن الذي كان ولا يزال غريم الإخوان والشعب السوري الأول؟!!
هل ثمة صفقة أمريكية جديدة تطبخها أمريكا للشعب السوري، تضمن للنظام صلاحية أطول، في مقابل تنازلات قومية أكبر، بحيث نصبح الحالة القذافية ظاهرة عربية عامة مثلا؟

وما دور رفعت في هذه الصفقة؟

وما ارتباط ذلك مع تقرير ميلس وغياب كنعان الأخير بالأسلوب البعثي المفضوح؟!

هذا ما يحيرني في التصرف السعودي الأخير؟ ولا أدري إن كان ثمة محاولة مصرية سعودية لإنقاذ النظام السوري مما أقحم نفسه ووطنه وشعبه فيه من بلاء وطيش وتخلف!

الموضوع الآخر يتعلق بالمعارضة السورية والتي شهدت في الأسابيع الأخيرة محاولات جادة وناضجة في سبيل توحيد المواقف سعيا نحو التغيير الداخلي دون الاستقواء على الوطن بالخارج، ومن هذا المنبر أبشر بأن الأيام القادمة، وقد يكون في فترة تقل عن أسبوع، سيتبلور من داخل سورية مشروع نهضوي وطني للتغيير، وسنسعى نحن وقوى المعارضة في الخارج لدعمه ما وسعنا الأمر في الخارج، وتكامل جهدي المعارضة في الداخل والخارج، تتفتح أمامه أبواب الرضا والتوفيق، بما يند عن نظام الأقلية المستبدة من تصرفات طائشة، وسياسات غبية، ستعجل ولاريب في طي كثير من المراحل التي أعطيناها وقتا إضافيا لصناعة التغيير المنتظر بإذن الله...

وحتى يرتاح قلب أخينا العلماني، فالبديل السوري لن يكون إخوانيا مستفردا، كما لن يكون ليبراليا ولا يساريا محضا، ولكنه سيكون تغييرا وطنيا توافقيا، وأتمنى أن تكون وثيقته التي ستعلن قريبا محل التفاف الشعب السوري بنخبه وعامته في الداخل والخارج...


إن أعظم المبشرات التي أعتز بها كثيرا أن المعارضة السورية تفوقت على مثيلاتها العراقية والسودانية، فلم تراهن على الخارج في إيقاد شرارة البدء في مشروعها، كما أنها لم تأخذ طابعا طائفيا أو قوميا، فهي تضم أطيافا من القوميات والطوائف والأحزاب والشخصيات المستقلة، وحدها جميعا حب الوطن، وكراهية الطاغوت المتربع على عرشه، وكلي ثقة بأن عاصفة التغيير هب هبوبها، وإنها لمسيرة ماضية نحو غايتها، ولا سلوان لنظام بنى مفاصله على أمثال كنعان ودوبا وخليل وشوكت وبختيار إلا بأن ينتحروا واحدا في إثر رفيقه قبل أن ينحرهم الشعب بعد إذ نفض عنه غبار الاستخفاف والاستلاب..

وكفانا خنوعا
(f)