فيصل الشيخ محمد




نقل جهاد الخازن في عموده اليومي في الحياة " عيون وآذان " عن بشّار الأسد يوم 6/10/2005 ، نقل عن بشّار الأسد قوله له دفعاً للاتهام الموجّه للزمرة الحاكمة في سورية باغتيال الرئيس الحريري : ( إنّ النظام السوري قويٌّ من ناحيةٍ هرميةٍ ولا أحد يشتغل على حسابه ، ولا ضابط يتصرف وحده، إذا فعل ، هذا يرقى إلى مرتبة الخيانة وعقوبتها الإعدام ) .

وتعليقي على هذا القول من بشار : إنه لأول مرة أجد نفسي أمام واحدٍ من زمرة الحكم في سورية يقول قولاً مقارباً للحقيقة ، منذ أن تسلّقت حفنة من الضباط في ليل الثامن من آذار 1963 جدران الحكم في دمشق وأطاحت بحكومة الإدارة الشعبية المنتخبة وفق المعايير الديمقراطية بعد غيابها لسنوات في سورية .

نعم إنني أقدّر هذه المقاربة من بشار في قوله إنّ النظام السوري قوي من ناحية هرميّة ، ولا أحد يشتغل على حسابه . نعم هذه حقيقة يؤكدها رأس هرم الزمرة الحاكمة في دمشق – كما يقول المثل الشعبي – ( بعظمة لسانه ) .

الحكم في دمشق هرمي ولهذا الهرم رأس إنه قبل التوريث حافظ الأسد ، وبعد التوريث بشار الأسد ، وكل أحجار هذا الهرم التحتية هم حقيقة الأمر أحجارٌ ليس لهم من الأمر شيء إلا الصمود لحمل رأس الهرم ، وتنفيذ أوامره ، وتكييف البلد حسب مشيئته وإرادته وتوجيهاته .

من هنا نؤكّد على مقاربة بشار للحقيقة فيما يقول ، وبالتالي فإنّ كل ما حدث في سورية منذ اغتصاب والده حافظ الأسد السلطة في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970 تجاه الناس وتجاه رفاقه وهو ما يفسر كل الممارسات والإقصاءات لبعض الرفاق عن الأهرامات الصغيرة التي كانوا يبنونها أو يسعون لبنائها ، لينفرد هو ببناء الهرم الوحيد الذي يراه مناسبا ومتناغماُ مع تطلّعاته المستقبلية لسورية المزرعة العائلية الفئوية الطاغية ، وهذا ما حصل بالفعل؛ فقد أسّس حافظ الأسد هرماً وحيداً لا يتسع لشريكٍ آخرٍ معه ، وراح يبنيه على جماجم المواطنين لا فرق عنده إلى أي دين ينتمون أو إلى أي طائفة ينتسبون ، وجعل من دماء المواطنين وجهدهم وعرقهم إسمنتاً مسلحاً يربط بنيان هذا الهرم حتى لا يتفكّك ، وعاشت سورية ( المواطن والوطن ) في ظلّه ثلاثة عقودٍ عجاف ، لم يمرَّ مثلها على بلد ٍغيرها ولا حتى في مجاهل إفريقيا أو غابات جنوب شرق آسيا .

وجاء الوريث بشار مسلّحاً بكل إرث أبيه من مظالم ومغانم ومفاسد ، وسار على نفس المنوال ، متتبّعاً خطاه مع بعض شكليات اقتضتها الظروف ليس إلا ، فبدأ كما بدأ أبوه ، تحلّل من كلِّ الوجوه القديمة التي رافقت مورثه تدريجياً ، بعد أن تسابقوا في إيصال بشار إلى مقاليد الحكم بمراسيم وقراراتٍ مزيفةٍ ومزورةٍ ومستهجنةٍ ، وذلك كي يرضى المعلّم الجديد بإبقائهم على ما كانوا عليه ، تابعين وخدم وإمّعات ، ولكن ظنّهم خاب ، فما لبث القادم الجديد أن تخلّص من تلك الوجوه الكالحة ، وراح يقرّب وجوهاً جديدة بعملية مكياج وتجميل أغضبت القاصي والداني ، ولم تفرح لا قريب ولا بعيد ولم تسر لا عدو ولا صديق .

نعود إلى قول بشّار في مقابلته مع جهاد الخازن : إنّ هناك في سورية هرم لا يمكن لأي ضابط أن يتصرف وحده .... نعم لا يمكن لأي ضابط أن يقدم على أيّ عملٍ في سورية في ظل النظام الذي أسّسه المورث حافظ الأسد دون أوامر ، فكل ما جرى في سورية من مجازر و مفاسد هي بأوامر من المورث حافظ الأسد ، واليوم هو كالأمس بأوامر الوريث بشار الأسد ، وبالتالي فإن كل ما حدث في سورية بعد وفاة المورث وتسنّم الوريث مقاليد الحكم هو نتاج أوامر شخصية منه لا يمكن أن يقوم أحد بأي عمل أو فعل دون أوامر شخصية من بشار . وبشار بهذا القول الذي أراد منه تبرئة نفسه ، أوقع نفسه في شراك الاتهام بغباء عجيب .

فالمورث حافظ الأسد أصدر أوامره باغتيال رئيس وزراء سورية الأسبق السيد صلاح البيطار رحمه الله ، وأصدر أوامره باغتيال رئيس وزراء الأردن السيد مضر بدران الذي نجّاه الله منها ، كما أصدر أوامره باغتيال الزعماء اللبنانيين كمال جنبلاط ومعروف سعد ونفّذ فيهم الأمر, والآن ليس مستغرباً أن يكون الوريث بشّار قد أصدر أوامره باغتيال رئيس لبنان السابق رفيق الحريري ، ومحاولة اغتيال نائب رئيس الوزراء مروان حمادة , ورئيس الحزب الشيوعي جورج حاوي والصحفي سمير قصير ، وأخيراً محاولة اغتيال المذيعة مي شدياق , أليس المثل العربي يقول: ( فرخ البط عوام ) ، خاصّة وأنّ كل خطا الوارث بشار هي صورة مستنسخة عن خطا المورث حافظ .

من هنا لا بدَّ لي من تصديق بشار الأسد بادّعائه أنَّ النظام في سورية قوي من ناحية هرمية ولا أحد يشتغل على حسابه، ولا ضابط يتصرف وحده , وذلك على ضوء المثل " صدقك وهو الكذوب " .

نعم إنّ بشاراً لم يكذب فيما ادّعى ، وأؤكد على صدقه ، فكل الأحداث والشواهد تؤكد على صدقه فيما قال لجهاد الخازن رئيس تحرير جريدة الحياة ، ولذلك فإني أشير إليه بالاتهام بجريمة اغتيال الرئيس الحريري رحمه الله .... ما دام أنّ ضبّاطه لا يتصرفون إلا من خلال أوامره .