{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
المسـرح العـالمي
oskar غير متصل
عضو فعّال
***

المشاركات: 183
الانضمام: Jun 2002
مشاركة: #8
المسـرح العـالمي
إبراهيم جلال وغربة المسرح العراقي


كان فضل المخرج العراقي إبراهيم جلال على المسرح العراقي والعربي هو فرض ملكة الجدل ، بمعنى التحاور والجدل مع النص والممثل والجمهور والواقع ، لأنه يفهم التاريخ الإنساني على أنه حلقات مترابطة لا يمكن الفصل بينهما، فيعطي أهمية ومكانة للفلسفة في العرض المسرحي . ولقد ساعده فهمه لنظرية برخت على التوصل إلى أسلوب شعبي في المسرح ، فتخلص من ذلك المفهوم الذي لم يكن مستنداً على تبرير درامي ـ فلسفي كما في مسرحياته الأولى .

وقد كان يؤكد دائما على ضرورة إبراز التناقضات الاجتماعية والفهم الصائب للعلاقة الجدلية بين القديم والجديد ، اعتماداً على إستلهام ودراسة واعية للجذور الأصيلة للقديم من أجل أن يكون الجديد منسجماً مع تطور العصر . و هذا هو منطق الحياة القائم دائماً على التناقض والصراع ، فكل يحمل نقيضه وعليك أن تبحث عنه من خلال رؤيتك الخاصة للكشف عن الجوهر .

وتأكيد المخرج ابراهيم جلال دائماً على هذه المفاهيم يوضح فهمه للجدلية في الإبداع الفني ، ويدفعه إلى أن ينظر للقضية الاجتماعية من منظور مناقشتها ضمن المفهوم المعاصر للصراع والتناقض والتجديد ، فالواقع يحمل في داخله تناقضه الحاد . ومن هنا جاء حرص إبراهيم جلال على طرح السؤال الصعب في الفن : ما هو الفن ؟ وما هي المشكلة ؟ ومن هو المتلقي ؟

إن مواجهة إبراهيم جلال لهذه الأسئلة دفعته إلى عدم الفصل بين مفهومه للفن ومعايشته للواقع والحياة وفهم متناقضاتها.فالمسرح بالنسبة إليه لا يقدم أجوبة جاهزة بل أسئلة متواصلة تثير القلق لكنها تمنح سعادة الاكتشاف.

لأن وعي المخرج هو حصيلة للوعي الاجتماعي والفكري ،لذا فأنه حسب رأي برخت يأخذ مهمة الراوي لحادثة تاريخية أو واقعة معاصرة لها خلفياتها الاجتماعية ولا يمكن للمخرج أن يحقق هذا ـ حسب منطق برخت ـ ما لم يعمد إلى مخاطبة فكر وعقل الإنسان ، إضافة إلى احترام عواطفه النبيلة .واعتماد المخرج المسرحي البرشتي على هذا المبدأ يمنحه القدرة على أن يكون مفكراً في داخل عمله .

ولهذا كان إبراهيم جلال يحاول الوصول وامتلاك هذا الأسلوب المتميز في المسرح من خلال المزاوجة بين نظرية برشت الملحمية وبين واقعية ستانسلافسكي العاطفية . وقد أخذ إبراهيم جلال من برشت الجدل العقلي وأسلوب الإخراج الملحمي ومن ستانسلافسكي الأسلوب الواقعي والحس الشعبي . وهو لم يفهم برشت على أنه قاموس لمقولات فلسفية وعقلية جامدة ، وإنما استوعبه أيضاً من حيث أن هذه المقولات لا يمكن أن تصل إلى الجمهور كعاطفة ثرثارة ، حتى لا يكون المسرح متحفاً للشمع وألا يكون الممثل مهرجاً فكهاٌ ، لهذا فأن المخرج يؤكد دائماً على المزاوجة بين الفكر ، والعقل وجذوة الروح .

لقد كان إبراهيم جلال في بداية عمله الفني مولعاً بضخامة الديكورات مما يساعده على تشكيل حركي (ميزانتسين) خارجي للممثل . ولكن في عروضه المسرحية الأخيرة وخاصة مسرحيات برشت استغنى عن كل شيء تقريباً معتمداً على الفضاء كخلفية للحدث والممثل ومستغلاَ أجساد الممثلين كجزء من سينوغرافيا العرض المسرحي . وأصبح واضحاً بأن إبراهيم يتعامل مع الجوقة والمجموعات وكأنها شخص واحد يحركها بما يتناسب مع منطق العمل المسرحي . وبالرغم من أنه كان يسمع موسيقى جسد الممثل ويحاول أن يعبر عنها بصورة فنية متكاملة إلا أنه حاول دائما وبعناد إلغاء عناصر الايهام في عروضه المسرحية لأنها لا تتناسب مع عقله المسرحي الجدلي .

لقد أخرج إبراهيم جلال مسرحية البيك والسايق من إعداد الشاعر صادق الصائغ عن مسرحية برشت (السيد بونتلا وتابعه ماتي) ، فتحولت لديه إلى عرض شعبي عراقي فيه الكثير من الشاعرية ، خاضعاً النص للبيئة العراقية أو العربية والراوية أو الجوقة البرشتية تحولت إلى قصخون عراقي يروي لمستمعيه غناءً وشعراً ما حدث من غرائب في قلعة ( البيك )بونتلا الذي تحول لدى عرض إخراج إبراهيم جلال وفي نص المعد الصائغ ، إلى شبيه بإقطاعي عراقي ، كذلك فأن مشكلة ماتي أصبحت مشكلة أي عامل عراقي فقير . وحاول المخرج إستغلال الأغنية الشعبية العراقية للربط بين المشاهد والتعليق على الاحداث . إن مهمة إبراهيم جلال المخرج قريبة من مفهوم المسرح الملحمي حيث يطالب برشت المخرج بأن يكيف النص إلى احتياجات مجتمعه وأن يخضعه إلى الأساليب الفنية والتراثية لذلك المجتمع . ومن أجل هذا يعمد إبراهيم جلال إلى الحذف والتغير في النص العالمي. ومن أجل تحقيق رؤياه الإخراجية لا يمنع نفسه من أخذ بعض المشاهد الإخراجية من الإخراج العالمي ـ وخاصة في مسرحيات برشت ـ لمعالجة ذات المشهد .فمثلاً مشهد خطبة بونتلا ولقائه بصاحبة الصيدلية وبائعة اللبن … إلخ ، إن هذا المشهد معروف ومكرر على خشبة المسرح العالمي وجلال يعتمده حرفياً في إخراجه .

وكذلك المشهد الأخير عندما يدعو ( بونتلا) سائقه (ماتـي) لصعود الجبال ، فأن تركيبة المشهد والديكور المكون من منضدة وعليها كراسٍ وحركة الممثل والميزانتسين معروفة في الاخراج الألماني أو العالمي ، وعندما يلتزم به جلال في إخراجه للمسرحية فأنه لا يعد هذا سطواً على أفكار مخرج آخر ، ولا يعني أيضاً بأن فناننا ناضب الخيال في تحقيق المشهد ذاته برؤية جديدة ، وإنما يعني تكاملاً للعقل والخيال الفني باختلاف المكان والزمان .

إن المنهج الذي أتبعه جلال في تقريب مسرح برخت من وعي وتقاليد الإنسان والبيئة العراقية إعتمده عند إخراجه لمسرحية دائرة الطباشير القوقازية أيضا والتي أعدها للمسرح الكاتب عادل كاظم بإسم دائرة الفحم البغدادية .إن هذه المسرحية كانت متفردة من خلال اعتماد مخرجها على تطبيق منهج برشت في مجادلة عقل وعواطف الجمهور ، اعتماداً على الحس الشعبي للإنسان العراقي وكذلك استخدام الأجواء والأساليب الفنية في التراث الشعبي وادخاله واستخدامه للأغنية الشعبية كوسيلة فنية من وسائل الإخراج .

كان يمكن لهذه المسرحية أن تشكل علامة بارزة في تطوير المسرح العراقي أو العربي لو قدر للجمهور مشاهدتها حيث عرضت يوماً واحداً فقط وبعدها منعت بقرار من وزير الثقافة العراقي آنذاك طارق عزيز بحجج غير مقنعة حتى للممثلين أنفسهم . غير أن السبب الحقيقي هو الخوف من عرض سلوك بطل المسرحية (أزدك )( مثله الفنان منذر حلمي ) الصعلوك والسكير والمبتذل والسطحي والمستغل و نتيجة لظروف إستثنائية يصبح حاكماً وقاضياً على المدينة . وبالتأكيد كان سبب المنع هو الخوف من أن يربط الجمهور بين وصول أزدك لمنصبه مع الكيفية التي استلم بها حزب البعث السلطة في العراق كنتيجة لظروف إستثنائية واضطرابات مشابهة لكنهم نسوا بأن أزدك هذا حكم بالعدل وهو على الكرسي حيث كان ضميره مرشده . إن منع هذا العرض أثبت خوف السلطة من تأثير أفكار برشت على وعي الجمهور المعاصر .

كان إبراهيم جلال مخرجاً دائم القلق ، وهذا ما كان يدفعه إلى التأكيد بأن العرض المسرحي يبدأ من البروفة الأولى ويستمر تأثيره على الممثلين ، ومن ثم تأثير العرض والأسئلة الصعبة التي يطرحها على الجمهور حتى بعد خروجه من المسرح لمواجهة حياته من جديد . إذن أين هو ذلك الشهاب الناري ؟ وماهي الكلمة الأخيرة التي نطق بها ؟ألا تكون هي صرختنا جميعاً لأننا لم نستطع تحقيق مسرحنا الذي نبغي عندما سرق زماننا الإبداعي عندما بدأ التخطيط للويلات والحروب اللامجدية ؟أو قد تكون هي كلمته الأخيرة يشكر فيها أحد تلامذته لانه دفع فاتورة الحساب المكلفة عندما رقد الفنان قبل موته في أحد مستشفيات الكويت ، وكأن مأساة السياب تتكرر كتعويذة في رقبة العراقيين من جديد ، فالنظام مشغول بحروبه عن آلام الفنان . مات إبراهيم جلال منفياً في وطنه غير أنه بالتأكيد لعن كما هي عادته تلك الهوة بين طموح الفنان وفقر عصره . لقد غبن الفنان لأنه عاش في زمن الجهالة كما غبن المسرح العراقي أيضا . حقاً لقد غادر إبراهيم جلال خشبة المسرح لكنه نسي معطفه الموشى بالحرير متعمداً في ظلمة المسرح العراقي كقدر سيلاحقنا جميعاً .





د. فاضل سوداني/ كوبنهاكن

10-06-2004, 12:43 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
المسـرح العـالمي - بواسطة oskar - 09-04-2004, 02:43 AM,
المسـرح العـالمي - بواسطة oskar - 09-06-2004, 02:41 PM,
المسـرح العـالمي - بواسطة oskar - 09-10-2004, 01:16 PM,
المسـرح العـالمي - بواسطة oskar - 09-19-2004, 12:10 AM,
المسـرح العـالمي - بواسطة oskar - 09-23-2004, 12:39 AM,
المسـرح العـالمي - بواسطة oskar - 10-01-2004, 01:47 AM,
المسـرح العـالمي - بواسطة oskar - 10-06-2004, 12:41 AM,
المسـرح العـالمي - بواسطة oskar - 10-06-2004, 12:43 AM
المسـرح العـالمي - بواسطة oskar - 10-06-2004, 01:00 AM,
المسـرح العـالمي - بواسطة oskar - 10-06-2004, 01:02 AM,
المسـرح العـالمي - بواسطة oskar - 03-11-2005, 02:24 AM,
المسـرح العـالمي - بواسطة نزار عثمان - 03-14-2005, 10:57 PM,
المسـرح العـالمي - بواسطة oskar - 03-15-2005, 11:39 PM,
المسـرح العـالمي - بواسطة oskar - 03-18-2005, 03:39 PM,
المسـرح العـالمي - بواسطة oskar - 03-18-2005, 03:43 PM,
المسـرح العـالمي - بواسطة oskar - 03-18-2005, 03:50 PM,

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS