بسم الله الرحمن الرحيم
﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة/183).
فلسفة الصوم
*
لباس التقوى :
نتحدَّث عن فلسفة الصوم من خلال القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته الكرام عليهم السلام.
لا ننكر تأثير العبادات في عالم المادة والجسم إلا أنّه ليس من الصحيح أن نربط العبادات بأمور الدنيا ونبحث عن آثارها في عالم الملك والجسمانيات بل ينبغي لنا أن نرتقي إلى مستوى أكبر من المادة ونعرج في عالم الملكوت وذلك من خلال القرآن الكريم والأحاديث الشريفة التي وردت عنهم عليهم السلام .
فعندما ننظر إلى الآية المباركة نشاهد أنّ الله تعالى بكلِّ صراحة يحدِّد أثر الصوم في أمر واحدٍ وهو "
حصول التقوى" فيقول:
﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة/183).
الخطاب للمؤمنين خاصة حيث أنّهم أهلٌ للخطاب و يتقبلون أوامر الله سبحانه، وفي الحديث عن ابى عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل، (
يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام"
فالهدف كلّ الهدف من الصوم هو
تحصيل التقوى ).
فكما أن الإنسان إذا أراد أن يخلص نفسه من الابتلاء بالأمراض الخطيرة يتوسل إلى التطعيم ، والغواص إذا أراد أن يغوص في البحر يلبس الملابس التي تحافظه من البلل ومن الهلاك و رجل الفضاء يلبس ما يتمكن فيه من التنفس ، كذلك التقوى فهو صون وحفظ النفس من مكائد الشيطان وشرور الدنيا المحيطة بالإنسان ، فالذي عليه لباس التقوى كمن هو في حفاظ قد زُرِّق فيه بإبر مختلفة كالصبر والصلاة والجهاد والإنفاق والعدالة وغيره لتصونه من أمراض مخطيرة و معدية . قال تعالى : (
يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ )(الأعراف/27). ولسائل أن يسأل عن درجات التقوى ومواطنها المختلفة التي تتحصَّل نلخّصها في أمرين:
**الأول: الرؤية والبصير: (
تجلي الصمد)
يقول السيد الإمام الخميني قدس سره: كان شيخنا العارف الكامل شاه آبادي روحي فداه يقول: " فالصوم ثناء ذات الحق تعالى بالصمدية، وظهور ثنائه بالقدوسيّة والسبوحية، كما أن الصلاة ..ثناء على الذات المقدسة بجميع الأسماء والصفات " انتهى
في مجمع البيان: قال الباقر (عليه السلام) حدثني أبي زين العابدين (عليه السلام) عن أبيه الحسين بن علي (عليهما السلام) أنه قال
الصمد الذي قد انتهى سؤدده و الصمد الدائم الذي لم يزل و لا يزال و الصمد الذي لا جوف له و الصمد الذي لا يأكل و لا يشرب و الصمد الذي لا ينام أقول: الجدير بالذكر أن أحد كبار العرفاء يذكر لهذا الاسم أعني الصمد خواصاً وآثاراً عظيمة ومن جملة آثاره هو أن تكراره يرفع الجوع والعطش .
و عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن أبيه الباقر (عليه السلام) إن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي (عليهما السلام) يسألونه عن الصمد فكتب إليهم
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فلا تخوضوا في القرآن و لا تجادلوا فيه و لا تكلموا فيه بغير علم فقد سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار و إن الله قد فسر سبحانه الصمد فقال «لم يلد و لم يولد و لم يكن كفوا أحد» قال الإمام الخميني قدس سره في بيان مقام الصمدية إنّها إشارة إلى أنّه تعالى ليس له حدود فليس فيه نقص كما في الموجودات الممكنة الوجود فإنّ جميع الممكنات مجوفة وخالية والله هو صرف الوجود. وصرف الوجود منزه ومبرّأ عن الحد والتعيّن.
فعلاقة الصوم بالصمد باعتبار أنه ترك لا فعل فيه وهو الذي يبعد الإنسان عن عالم الكثرات التي هي حدودات ونواقص ويربط الإنسان بعالم الوحدة والألوهية.
**الثاني:- الجزاء والغاية: (
الصوم لي)
عن أبي عبد الله (ع):
(أن الله تعالى يقول: الصوم لي وأنا أجزي عليه) وعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم : (للصائم فرحتان، حين يفطر، وحين يلقى ربه، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك).
وقد قرأت كلمة "أجزى" على نحوين :
1- بكسر الزاء (أي بصيغة المعلوم): أي أنا بنفسي سوف أعطى جزاء الصائم
2- بفتح الزء (أي بصيغة المجهول): أي أنا جزاء الصائم
وعلى القراءتين المعنى جميل فعلى الأولى يعني أنّ الصوم له خصوصية غير متوفرة في غيره من العبادات وهي أنّ الله بنفسه سوف يجازي الصائم من غير الوسائط من الملائكة وغيرهم .
فعلى الأولى : يعني أنّ الصوم له خصوصية غير متوفرة في غيره من العبادات وهي أنّ الله بنفسه سوف يجازي الصائم من غير الوسائط الصورية المجازية من الملائكة وغيرهم من جنود الله.
وعلى الثاني : يعني أنّ الجنة مع كثرة دراجاتها لا تتناسب مع درجة الصائم سوى جنّة اللقاء والقرب الإلهي ومن هنا نعرف أنّ الوصول إلى الله تعالى والفناء فيه لا يتيسَّر من دون الصيام ولذلك قد ركّز علماء معرفة النفس على الجوع والعطش كركن من أركان السير والسلوك إلى الله تعالى.
في بيان معني الحديث قال الغزالي في إحياء علوم الدين:
* أحدهما : أن الصوم كف وترك وهو في نفسه سر ليس فيه عمل يشاهد ، وجميع أعمال الطاعات بمشهد من الخلق ومرأى ، والصوم لا يراه إلا الله عز وجل فإنه عمل في الباطن بالصبر المجرد .
* والثاني : أنه قهر لعدو الله عز وجل فإن وسيلة الشيطان لعنه الله الشهوات ، وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشرب ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : ((
إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع)) فمن هذا الوجه صار الصوم باب العبادة وصار جنة .
** ولا بأس أن نشير في الخاتمة إلى حديث في كتاب الخصال للشيخ الصدوق رضوان الله عليه عن على عليه السلام قال:
جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأله أن قال، لاى شئ فرض الله الصوم على أمتك بالنهار ثلثين يوما وفرض على الأمم أكثر من ذلك ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله ان آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة بقى في بطنه ثلثين يوما، ففرض الله على ذريته ثلثين يوما الجوع والعطش، والذي يأكلونه تفضل من الله تعالى عليهم، وكذلك كان على آدم، ففرض الله تعالى ذلك على امتى، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الآية، (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات) قال اليهودي، صدقت يا محمد.
نقلا عن الموقع المبارك : الكوثر
http://www.al-kawthar.com/read.php?id=10&ct=17
اللهم صل على محمد و ال محمد
لا فتى الا على و لا سيف الا ذو الفقار