قرأت- كعادتي- كل التعليقات التي نُشرت، على مقالي الأخير "عقيدة التوحيد قد أضرت بالبشر" لأن تعليقات القراء تعكس وقع كتاباتي على نفوسهم. ولم أقف طويلاً عند التعليقات التي اعتدنا عليها من أمثال زرقاء اليمامة لأن تعليقاته تعكس عدم مقدرته على النقاش العلمي. وعلمت من التعليقات أن بعض القراء لم يفهموا قصدي عندما تحدثت عن الحروب في زمن التعددية، إذ أني لم أضع النقاط على جميع الحروف وأقل أن الحروب والسبي كانا معروفين عند القدماء لكنهما كانا بدافع سياسي بحت، أما لتوسيع رقعة الإمبراطوريات وإما لحيازة المال والعبيد. وكل هذا كان يحدث باسم الإمبراطور أو الملك، ولم يحدث أبداً أن حاربوا باسم الإله "أبولو" أو الإلهة "تيمات". ولكن مع بدء عقيدة التوحيد أصبحت كل الحروب دينية وباسم الإله الذي في السماء، وكما قال أحد الإسلامويين في المغرب عندما قتل مغربياً آخر: "وكان هذا أول شخص أتقرب به لله عز وجل". وكما يقول أبو مصعب الزرقاوي إن قطع رؤوس المخطوفين تقرب إلى الله. فأصبح سفك الدماء قرابين تُقدم للإله.
واستوقفني ردان، أحدهما من د. عبد الله بن محمد، من السعودية، والآخر من أحمد سمير، الذي قال إنه مراسل صحفي. فعندما رأيت الألقاب قلت لنفسي لا بد أن تكون تعليقاتهما في مستوى ألقابهما. وبدأت برد د. عبد الله بن محمد، الذي وسمه بـ"رد على الزنديق غير الكامل" والذي قال فيه: "هذا المجدف الملحد القزم يتطاول على الاسلام العظيم الذى استعصى على الطغاة والمجرمين عبر التاريخ والذين كانوا يفوقونه مكرا وخبثا يريد ان يسيء للمسلمين من خلال ترهات لاتصمد امام الدليل العلمي". ووقتها شمرت عن ساعدي وأحضرت أوراقي لأكتب دليله العلمي حتى أستطيع أن أرد عليه، فكان دليله العلمي: "قال تعالى (أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون. لوكان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون. لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم.) وماقدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) ". وأود أن أوضح للدكتور المحترم أن الدليل العلمي لا يأتي من القرآن لأن القرآن ليس كتاباً علمياً، إنما هو كتاب ديني يهدي الله به من يشاء. وكان حرياً بالدكتور أن يقدم لنا أدلة عقليه ولا يعتمد على الأدلة النقلية التي اعتمد عليها فقهاء القرن التاسع الميلادي عندما ناظروا المعتزلة ورموهم بالزندقة، كما رماني هو في عنوان رده. يرد الكاتب بالآية " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " ونقول له منذ بداية الأديان عند الإنسان البدائي اعتقد الناس أن الآلهة تسكن السماء، وأن الآلهة رجالاً ونساء يقتسمون تصريف شؤون الدنيا بينهم، واستمر هذا الاعتقاد سائداً حتى ظهور اليهودية قبل حوالي أربعة آلاف من السنين، أي استمر اعتقاد الإنسان بتعدد آلهة السماء أكثر من ثمانية آلاف من السنين ولم تفسد السماء ولا الأرض. فقول القرآن: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدنا "ليس دليلاً علمياً. وقول القرآن كذلك" "لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون" قد يكون كافياً للدكتور ليؤمن به، لكنه غير كافئ لغيره، فكان الأجدر بالدكتور أن يقدم الأدلة المقنعة بدل الاقتباس من القرآن. والقرآن نفسه يقول "قل هاتوا برهانكم". وكذلك اقتباس الدكتور: "والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون" قد تزيد من شكوك غير المؤمن لأنها تصور الله في هيئة إنسان مستبد، له يدان، يمسك في إحداهما الأرض وفي الأخرى السماوات المطوية، والله يجب أن يكون غير ذلك، إلا إذا أراد الدكتور أن يوافق القائلين إن الإنسان خلق ربه في صورته.
ثم استمر الدكتور، بدون أي احترام للعلم أو للعقل، فدعا الله أن يعاقب الكاتب، فقال: "اللهم ياسامع الصوت وياسابق الفوت ياقوي ياعزيز ياذا البطش الشديد اللهم عليك بهذا الملحد المأفون ومن أيده ومن سمح له بالتطاول على ديننا حتى يكون الموت أحلى أمانيهم وأرنا فيه ربنا عجائب قدرتك اللهم آمين".
والدكتور هنا، دون أن يقصد، جعل الله عاجزاً أن يفعل شيئاً إذا لم يسأله أحد عباده أن يفعله. كأنما الله جالس فوق عرشه في انتظار الدعوات لكي يعاقب من يستحق العقاب. فالله قد علم بما كتب الكاتب في مقاله، فلو كان ذلك المقال قد أساء إلى الله، لماذا لم يعاقب الله الكاتب ويرسل عليه شواظاً من نار؟ وإذا كان المقال لم يُغضب الله، هل من العدل أن يعاقب الله الكاتب لأنه أغضب أحد المؤمنين، ولم يُغضب الله؟
ثم اختتم الدكتور تعليقه بأن شتم كل الليبراليين الذين يكتبون في إيلاف أو يقرؤونها، فقال: " "أيها الأقزام الملحدة الفاشلة يا من تعيشون على هامش التاريخ موتوا بغيظكم ألا لعنة الله عليكم أجمعين ". وينطبق المثل "رمتني بدائها وانسلت" على الدكتور إذ أنه هو المغيظ والذي سوف يموت بغيظه، فنحن لسنا مغتاظين حتى يقول لنا "موتوا بغيظكم".
ولو كان الدكتور فعلاً حائزاً على درجة الدكتوراه، كان عليه أن يلتزم السبل العلمية في المناقشة ويقارع الحجة بالحجة بدل أن يشتم من يناظره، فدرجة الدكتوراه لا تُنال بالشتائم. ولو كان الدكتور مؤمناً حقاً كان عليه الالتزام بأخلاق الإسلام الذي يدافع عنه: "وجادلهم بالتي هي أحسن"، إذا كانت فعلاً هذه هي أخلاق الإسلام. وإذا شعر الدكتور أن ما كتبناه كان لغواً، فكان عليه كذلك أن يقرأ الآية التي تقول: "وإذا سمعوا اللغو اعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين". غير أن الدكتور لم يفعل ولا هذه ولا تلك، وبذلك أساء لنفسه وللدرجة العلمية التي يحملها ولم يستفد منها شيئاً، وللجامعة التي منحته درجة الدكتوراه، وللإسلام الذي يدافع عنه بغير ما أوصى به القرآن من أخلاق المجادلة والمناظرة.
أما الرد الآخر من السيد أحمد سمير، المراسل الصحفي، فقد أساء للصحافة والصحفيين الذين كنت اعتقد، قبل أن أقرأ رد السيد أحمد سمير، أنهم رجال ونساء مطلعون على ما يكتبون عنه ويفكرون ملياً قبل أن يكتبوا، إلا أن السيد أحمد سمير، بعد أن قال لأم كامل أن تزغرد لابنها الذي أعلن إلحاده، قال: "إستهلال غريب أليس كذلك؟! لم أجد بدا أولا من استخدام اللهجة العامية للتعبير عن أول رد فعل جال في فكري عندما قرأت هذا المقال المضحك ". فالسيد أحمد سمير عطل عقله الصحفي وكتب رده كردة فعل على ما قرأ، دون أن يفكر فيه أو يمحصه. ومن شدة انفعاله العاطفي لم يجد بداً من استخدام اللهجة العامية. وهذا أن دل على شئ إنما يدل على أن السيد أحمد سمير يعاني من الانفصام اللغوي إذا انفعل وغضب مما يقرأ فلا يستطيع الكتابة باللغة الفصحي التي يراسل بها صحيفته في الأحوال العادية. وهذا أحد عواقب التفكير بالعاطفة.
استمر السيد أحمد سمير فقال: "ولكن لنتوقف عند هذه الفكرة ( كيف يمكن أن يوفق الرب - الله - الإله من لايؤمن به أصلا؟" وقد غاب عن السيد أحمد سمير أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، "ومن يضلل الله فلن تجد له هادياً". فليس هناك من حاجة للسيد أحمد سمير أن يسأل كيف يوفق الله من لا يؤمن به، فالله الذي يؤمن به السيد أحمد سمير يفعل ما يريد. وقال السيد أحمد "؟!!! هذا درب من الخبال بالطبع" وأظنه قصد "ضرب" من الخبال، أي نوع من الخبال، وليس "درب" إذ أن الدرب هو الشارع. واستمر السيد الكاتب فقال: " إله خلق الكون وخلق البشر وأنت لاتؤمن به وتحارب دياناته أو بمعنى أصح دينه الواحد الذي أرسله لجميع الرسل ليفهم البشر الذين حادوا بتفكيرهم المعوج مثل هذا الكاتب أن للكون إلها واحدا،، فلماذا يطعمك ويسقيك ولماذا يفتح لك سبل الرزق ولماذا يرزقك البنين والبنات ولماذا أصلا سواك بشرا،، ولماذا لم يفقدك نعمة من نعمه كآخرين (مبتلين) بفقد نعمة البصر أو السمع وغيرها من النعم.. عجبا،، كم أعجب فعلا من صبر هذا الإله " وكان الأجدر بالسيد أحمد سمير الصحفي أن يوجه هذه الأسئلة لله، فأنا لم أطلب منه أن يطعمني أو يسقيني، فإن هو اختار أن يفعل ذلك فيجب أن توجه الأسئلة إليه. وليعلم السيد أحمد أن أم الرسول محمد وأباه وعمه الذي رباه كانوا يعبدون الأصنام ومع ذلك كانوا يطعمون ويشربون ورزقوا بمحمد.
ويقول السيد أحمد سمير: "تخيل نفسك ترفض أباك ولا تعترف به ولاترى له فضلا عليك أو أنه الذي أنجبك وأنك جئت هكذا أو قذف بك من مكان مجهول، ماذا سيكون رد فعله؟ سيمنع عنك المصروف، سيطردك من المنزل، لن يسامحك ! تخيل أنت إلها (الإله الواحد) لهذا الكون تقول عنه كل هذا ويتركك تنعم بحياتك بل وتزداد نعيما،، هل لأنه غير موجود وبالتالي ليس له فضل عليك أو ليس له دخل فيما يحدث لك في الكون؟!! عجيب هذا الكون إذن،، الذي يأتي فيه البشر على هذه الدرجة من الإبداع في الخلق،، والتشابه حتى في التفكير ". أولاً: الآلهة، سواء أكان واحداً أو أكثر، وكانوا فعلاً موجودين، لا نقارنهم بالبشر. ومعصية الإله ليست جديدة في هذا الكون، فقد عصى إبليس ربه ورفض أن يسجد لآدم وقال لله إنه سوف يضل عباده إلى يوم القيامة، ولم يفعل الله شيئاً ليعاقبه به. وثانياً: الناس ليسوا متساوين في التفكير، فتفكيري وعقلي حتماً يختلفان عن تفكير وعقل السيد أحمد سمير. ويستمر السيد الصحفي في تساؤلاته: "ومع ذلك فلا خالق لهم،، لامنظم للكون،، يأتي بالشمس نهارا وبالقمر ليلا !! يأتي بالشمس من المشرق إلى المغرب كل يوم !! لماذا؟ لماذا لا تأتي يوما بالعكس؟ ولماذا يأتي جميع البشر بعينين إثنين وأنف واحد وفم واحد؟ لماذا؟ لماذا تنبت أرض بماء المطر ولاتنبت أخرى؟ حقائق علمية هي التي فعلت كل هذا أليس كذلك". أسئلة في منتهى السذاجة ولا تثبت أن الله موجود. الله لا يأتي بالشمس من المشرق كل يوم، دوران الأرض يفعل ذلك. والناس قد يولدون بعين واحدة أو أذن واحدة أو عميان بالمرة، وكل ذلك يمكن تفسيره بأن الطبيعة ليست محكمة، فقد تتلف بعض الجينات وقت الانقسام فينتج عنها التشوه الخلقي. لو كان الله أو ملائكته مشرفون على هذا الانقسام لما حدث به خلل. وأنا أعلم أن السيد أحمد سمير سوف يقول: ومن خلق الجينات؟ ونحن نقول: من أتى أولاً، البيضة أم الدجاجة؟
ثم اتحفنا السيد أحمد سمير بقوله: "فقط أريد أن أخبرك شيئا أخيرا،، لم أستخدم أي من الآيات في الرد عليك مع أن هذا حق طبيعي طالما أنك إستعنت بكتابات بشرية لملاحدة أو عبدة أوثان فما المانع أن أستعين بكلام الله حتى لو إعتقدت أنت أنه كلام لبشر!! فهذا أمام هذا ولكن الفطرة السليمة وحدها والعقل الواعي وليس التائه مثل عقلك هو الذي يستطيع الإدراك أن للكون إلها واحدا " وعقبي التائه يخبرني أن الإنسان إذا بدأ مناقشة علمية مع إنسان آخر، فلا بد أن يقدم له الدليل العقلي ولا يعتمد على آيات القرآن التي هي أصلاً سبب النقاش. فإذا كان عقل السيد أحمد سمير قد اقتنع أن للعالم إلهاً واحداً، فهنيئاً للسيد أحمد عقله، ونسامحه على امتهان عقولنا. ولا يسعنا إلا أن نقول كما قال كُثير عزة:

هنيئاً مريئاً غير دارٍ مخامر لعزة من أعراضنا ما استحلت

وكما يقول القرآن "وختامه مسك" فقد اختتم السيد أحمد سمير المراسل الصحفي، رده بالآتي: "فلا الكون بدون إله ولا به عدة آلهة،، هذا نتاج الفكر العقلي المستنير،، وتعلم،، سأقول لك شيئا آخر،، لكم فرحت عندما قرأت مقالك لأنه زادني إيمانا وأقنعني بضحالة تفكيرك، أنت بلا عقل وأيضا بلا قلب،، تعرف لماذا لأنها لاتعمى الأبصار وإنما تعمى القلوب التي في الصدور، وصدق الله العظيم ". وأنا يسعدني أني زدت من إيمان السيد أحمد، وهذه حسنه سوف يضاعفها الله لي لأني ساعدت مسلماً أن يصبح مؤمناً. وأنا لست متأكداً إذا كان لي قلب أم لا، لأني لا أبصر بقلبي ولا أفكر بقلبي الذي في صدري. ولكن يبدو أن بعض المراسلين الصحفيين يفعلون ذلك، وهذا هو سبب تميز صحافتنا في الشرق عن صحافة الغرب.