إضاءات .
قبل المضي في الشريط أريد أن أوضح بعض النقاط التي كثيرا ما تكون مستغلقة خاصة على الزملاء المتعجلين ،و أقصد تحديدا غير المدربين على الموضوعات النظرية التي تعالج المفاهيم الأساسية و التي تستخدم لغة اصطلاحية .
1- يعتقد البعض أن استخدام اللغة الاصطلاحية يعني مباشرة الأكاديمية و أنها كلها نفس الشيء ، فهو لا يتبين الفروق الدقيقة -و لكنها مفصلية - بين طرح و آخر ، وهو ينطلق من مفهوم شعبي بين العامة من أنصاف المثقفين بأن كله عند العرب صابون و كلها منظرة جوفاء ( من الجوافة ) مكتوبة باللاوندي .
2- إن البحث غير الإنشاء المرسل ، فالباحث يقيد نفسه بأهداف و بمنهج و بمراجع ، لهذا فمن الطبيعي أن نعتقد أن ما نقرأه سبق أن قرأناه نتيجة أننا عير مدربين عادة على هذا الأسلوب من الطرح الموضوعي ،و بالتالي تتساوى في أعيننا كل النصوص .ولو تناولنا المقالة الافتتاحية فسنجد أنها نتيجة قراءة بل وحوار صامت عميق خلال فترة زمنية طويلة مع عدد من المراجع الليبرالية الأساسية مثل أعمال جون ستيوارت مل John Stuart Mill خاصة مبحثه الصغير التأسيسي في الفكر الليبرالي ( عن الحرية On Liberty)، و كتاب ( تأملات في الحكومة النيابية ) ، و كتابه الشهير ( النفعية Utilitarianism) . و أرشح كتاب مل ( عن الحرية ) لكل مهتم بالفكر الليبرالي وهو متاح على الشبكة بالإنجليزية ، كذلك هو متاح في ترجمة عربية من إصدارات مكتبة الأسرة المصرية عام 2000 ( أمهات الكتب ) مع مقدمة ضافية للدكتور حسين فوزي النجار . من أهم مراجعي في هذه المقالة مسودة الإعلان العالمي للحقوق الثقافية ،وهي وثيقة تعكس مدى التطور الروحي و التنويري الذي تبشر به أفضل العقول خلال الأمم المتحدة ، هذه الوثيقة متاحة أيضا على الشبكة ،وهناك ترجمة جيدة جدا لها في صحيفة أخبار الأدب المصرية ،مثل كل المهتمين بجذور الفكر الليبرالي و الذي هو بالأساس جوهر الفكر التنويري ، لابد من قراءة متمعنة لأفكار و كتابات (لوك ) السياسية وهي متاحة على الشبكة أيضا و مجانية . هناك أيضا عدد من المراجع الموسوعية التي أجدها مراجعا محايدة ظواهرية ( فينومونولوجية ) مثل الموسوعة البريطانية و انكارتا و اكسفورد و غيرها . هناك أيضا كثير من الكتب التي تتناول الليبرالية في التطبيق ربما أهمها تأثيرا في هذه المقالة الإفتتاحية كتاب الديمقراطية الأمريكية .. التاريخ و المرتكزات ، و صدر الكتاب عام 2005 عن ترجمة جيدة للدكتور حسن عبد ربه المصري ضمن المشروع القومي للترجمة ،وقد علمت من صديق أن وزارة الخارجية الأمريكية قامت بنشر الكتاب على موقعها ،و لكني لم أطلع عليه بعد في ذلك الموقع . هناك نشرة في غاية الأهمية أصدرها معهد لوكرسميث من تحرير إيمي ستورجيس بعنوان ( قيم و تدهور ثم بزوغ الليبرالية الكلاسيكية من جديد ) وهذه النشرة الهامة تعرفت عليها خلال مقال د/ أحمد أبو زيد في مجلة العربي الكويتية عدد أغسطس 2005 ، لن يمكنني الان كتابة كل المراجع التي ارتكزت عليها في هذا الشريط و لكن سيكون هناك وقت لكتابة مراجع كل جزء على حده ، لو كان هناك من يهتم بها .
3- خلال هذا الشريط سوف نتبين أننا نتحدث عن أشياء مختلفة قد تبدوا حتى متناقضة و لكن كلها تطرح تحت مسمى الليبرالية ، فالمفاهيم مثل الأشخاص تماما تولد و تنمو و تتغير و تتبدل و يعاد تخليقها من جديد ، و ليست الليبرالية استثناء .
4- من مقاله بعنوان ((Dreams and delusions يكتب إدوارد سعيد : ".إن الخطر الأكبر هو أن التفكير السحري الأمريكي على نمط ولفوتز و تشيني و بوش يطرح بمثابة المقياس الأسمى اللغوي و الشخصي الذي يجب اتباعه .و في رأي إدوارد سعيد أنه فيما يخص الشرق الأوسط فيجب أن يكون هناك حوار واسع يشمل ذلك الحوار العرب و المسلمين و المسيحيين و الإسرائيليين كمشاركين متساويين . و لا يجب أن يتخلى أحد عن مناقشة الأفكار و المصطلحات و ألا يترك ذلك لصناع السياسة في واشنطن أو للحكام في منطقة الشرق الوسط ،ولا يجب أن نترك الأهداف الإمبريالية تغلف كل ذلك .هذا هو الدرس الهام الذي يجب أن نتعلمه من إدوارد سعيد .
5- سوف أتفق مع أي مشارك جاد يرى أني في هذا العرض التزمت أو بالأصح عدت مرة أخرى إلى ما يعرف بالليبرالية الكلاسيكية ،وهذه العودة ليست فقط تأثرا بأفكار في غاية العمق طرحها ستورجيس في نشرته السابق الإشارة إليها ،و لكن لسبب أكثر منطقية ووضوحا ، وهو أن هذه الليبرالية الكلاسيكية بزغت كحل للإشكاليات في الفلسفة السياسية في أوروبا القرن السابع و الثامن عشر ، والتي حكمتها نفس الهزات الفكرية الانتقالية التي ما زالت تتعثر فيها العقلية العربية المعاصرة في القرن 21 .
ولي عودة .