اقتباس:إذا كانوا يعنون بالليبرالي بأنه ذلك الذي ينظر للأمام و ليس للخلف ، ذلك الذي يرحب بالأفكار الجديدة بدون تحجر ، ذلك الذي يهتم برفاهية الناس ، ذلك الذي يعتقد أنه من الممكن أن نخترق حاجز الجمود و الشك في علاقاتنا الخارجية ، إذا كانوا يعنون بكل ذلك الليبرالي فانا فخور كوني ليبراليا .
الزملاء .
سوف أستكمل طرح مجموعة من الأسئلة و أحاول الإجابة عليها ، محذرا أن هذه الإجابات تحمل من الاجتهاد أكثر مما تحمل من التأصيل ، فكثير من مشاكلنا توقفت المجتمعات المتحضرة عن طرحها ، لأنها أضحت شيئا من الماضي ، حيث أصبح كثير من قيم الليبرالية قاسما مشتركا بين مختلف الاتجاهات السياسية و الفكرية بما في ذلك الفكر الماركسي الحديث .
ما هو موقف الليبراليين من حقوق الأقليات و المرأة ؟
يؤمن الليبراليون – عن يقين - أن الناس جميعا متساوون أمام القانون ،و لهم نفس الحقوق في فرص متكافئة داخل المجتمع ، بصرف النظر عن الدين و الجنس و العرق و المعتقدات و المكانة الاجتماعية و الشريحة الاقتصادية . إن التمييز المنهجي هو خطيئة ترفضها الليبرالية لأنه يحرم الأفراد من حقوقهم المتكافئة ،ولا مجال للقول أن على المتضررين أن يذهبوا حيث شاءوا طالما لا يوجد هذا المكان الذي يمكن أن يذهبوا إليه !. نقر جميعا أنه لا يمكن تقنين المعتقدات حتى لو كانت سامية مثل المساواة و عدم التمييز ،و لكن يمكن لنا سن القوانين التي تجرم التصرفات التي تنطوي على التمييز ، نعم هذا الحل يمكنه أن يقضي فقط على الأعراض و ليس المرض ، أما القضاء على المرض فيناط بالتعليم الذي يستلهم القيم الإنسانية لليبرالية . لو طبقنا هذه القواعد على مجتمع مثل المجتمع المصري فنجد أن الليبرالي لن يوافق على القوانين التفضيلية لصالح المسلم خصما من المسيحي أو الرجل خصما من المرأة كما هو قائم حاليا ، لن يوافق الليبرالي مثلا على النص أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي أو أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ، إن الليبرالي لن يوافق مثلا على مبدأ تعدد الزوجات أو تفاضل الرجل عن المرأة في الشهادة و الميراث .
ما هو موقف الليبرالية من الأديان ؟
في البداية كانت الليبرالية القديمة معادية للمسيحية هازئة بالكنيسة و كل مقدساتها ، و لكن هذا الوضع تغير الآن ، فإن الليبرالية الحديثة السائدة في المجتمعات الديمقراطية بما في ذلك المجتمعات الكاثوليكية -حيث نفوذ الكنيسة التقليدي - هي تلك النظم التي يمكنها أن تنظم العلاقة بين الدين و الدولة و المجتمع وفقا لمبادئ الليبرالية كما شرحها المفكر البارز بنيامين كونستانت ، وهناك أيضا نماذج ليبرالية أكثر التصاقا بالدين تستمد جذورها من اليانسينية و الجوزيفنيزم ،وتهدف إلى إحداث إصلاحات في العقيدة الدينية وفي نفس الوقت مزيدا من الانضباط في النظرية الليبرالية البروتستانتية المعادية للاهوت ، كذلك في العلوم و عملية التنوير ذات الطبيعة الإلحادية .
إن الجدال الدائر حول العلاقة بين الإسلام والديمقراطية الليبرالية غير مجدي. فليس الدين هو الذي لا يتوافق مع الليبرالية و الحداثة ، بل ممارسوه هم الذين يعادون التغيير و الحرية التي تمثلهما الليبرالية ، رغم ذلك فلا ينبغي أن تحاول الليبرالية أن تتجمل بما ليس فيها وتقدم نفسها على أنها تتوافق مع الأديان و خاصة الإسلام. بدلاً من ذلك، ينبغي أن يوجد العرب مجتمعات متسامحة وليبرالية منفتحة على التعبير الديني الحر. إن الليبرالية لا يمكن أن تكون إسلامية و لكن الإسلام يمكن أن يكون ليبراليا .
موقف الليبرالية من الأخلاق .
يركز أعداء الليبرالية اعتراضاتهم على أسس أخلاقية في المحل الأول، فالليبرالية كما يرون تعتنق مفهوما خاصا عن الأخلاق والأخلاقية يتعارض مع القيم والتقاليد الدينية الموروثة, كما أنها تقف موقفا محايدا إن لم يكن سلبيا أو حتى رافضا للدين في كثير من تجلياته . هذه الاعتراضات لها وجاهتها فالليبراليون يذهبون إلى أن الذي يجب أن يحكم العلاقات بين الناس هو الأخلاق المدنية Civic Morals, ولذا يجب أن يسود المجتمع نظام مدني محايد يقوم على الاعتراف بالحقوق المدنية لأعضائه بصرف النظر عن وجود أو عدم وجود معتقدات دينية مشتركة بينهم،إذ ليس من الضروري أن تتفق هذه الأخلاق المدنية مع الدين, بل إنها تسمح بوجود التنوع والتعدد في المبادئ والسلوك والقيم الفردية. فالمجتمع (الصالح) لا يفرض على أعضائه أية التزامات أخلاقية غير تلك التي يفرضها الشخص ذاته على نفسه. والالتزامات الوحيدة التي تصدر عن المجتمع هي الالتزامات القانونية فحسب.
الموقف من الأمن القومي .
يمكن تصنيف الليبراليين بأنهم من الحمائم الذين يدعمون السلام العالمي و يدعون إلى عدم استخدام القوة في حل المنازعات الدولية ، كما يعارضون انتشار السلاح النووي . إن أفضل إنفاق دفاعي هو تلك المساعدات الخارجية المخصصة لنشر الديمقراطية و حقوق الإنسان في المجتمعات السلطوية ، فالطغاة يميلون إلى المغامرات الخارجية و الاعتداء على الآخرين ، على النقيض من ذلك فمن النادر أن تتقاتل الديمقراطيات الليبرالية أو تهدد جيرانها .
ولنا تكملة .