انقاذ سوريا كما يراه رياض الترك

واقعية شجاعة لتغيير يبدأ في القمة

بشير هلال



كنا جميعا ولا نزال ننتظر اخبار دمشق. كنا جميعا ولا نزال نعتقد ان الشعب السوري سيصل ورغم كل شيء الى فرض حياة سياسية طبيعية وديموقراطية يستحقها بامتياز. وانه حان الوقت لإنهاء الديكتاتورية ونظام الحزب الواحد والعائلة الواحدة وكل ما هو واحدي وحصري وتسلطي في ارض هي مهد الحضارات والتنوع والتعدد. وكنا ولا نزال ننتظر ان يفل القلم والرأي الحر نصال السيوف الدامية المسلطة على رقاب السوريين منذ عقود طويلة. وكنا ولا نزال نعتقد ان انهار الدماء التي جرت، وقضبان السجون التي انغلقت على عشرات الوف السوريين وانهت او شوهت حيواتهم، لن تستطيع ان تدفع الشعب الى خوف وعجز دائمين يمنعانه في ساعة لا بد قادمة من مباغتة الظالمين بما لا يحسبون ولا ينتظرون.



وكنا ولا نزال نفكر ان شعب الثورة السورية الكبرى لا بد ان يستولد من قلب مناضليه القادة الشديدي الشجاعة والكثيري التواضع على غرار سلطان باشا الاطرش ورفاقه. يبرزون في اشد الاوقات حرجا وحلكة ليقولوا ان لا مكان للرضوخ ولا مكان لليأس ولا مكان للصمت عن قول الحق.



وها هو رياض الترك المناضل الذي يعتبر انه عاش من العمر اكثر مما كان مقدرا له- لو نجحوا في اغتياله ايام عبد الحميد السراج ثم بعد سنوات السجن الطويلة ايام حافظ الاسد ثم ايام وريثه في جمهورية الترهيب- يأتي ليقول السياسة كما تستحق ان تقال وكما اعتاد ان يباشرها. اتى ليقول ان هذا النظام قد شاخ وولى زمانه وليقدم مقترحات بالغة الشجاعة للمرور منه وعليه. ليس فقط في دعوة رأس هذا النظام الى الاستقالة مع حكومته والى تسليم المطلوبين والمشبوهين باغتيال الرئيس الحريري والى تجميد اجهزة القمع ووضع قادتها بتصرف اركان الجيش، بل ايضا وخصوصا باقتراح انتقال السلطة عبر الية مؤسساتية دستورية- رغم كل اساءة النظام الى الدستور والمؤسسات- تؤدي الى تعيين حكومة مؤقتة تسير الاعمال وتجري انتخابات لجمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا للبلاد ينقلها من حال التسلط الى حال الحرية والديموقراطية.



كل ذلك على قاعدة فكرة اخرى كثيرة الشجاعة في الاوقات الحاضرة هي عدم الغاء اي طرف غير ملوث- بالدم وبالمال الحرام- بما في ذلك اكثر طرفين استند اليهما الحكم التسلطي الدامي، وهما حزب البعث ومؤسسة الجيش. الشجاعة المستنيرة في مواجهة الوهم بغياب البديل الذي ينشره النظام والقوى المتوجسة من التغيير في الداخل والخارج. الوهم الذي تغذيه الإبتزازات الدائمة الموجهة الى الشعب السوري والى العرب والى العالم: "نحن او الفوضى"، "نحن او الاصولية الاسلامية". "الإستقرار التسلطي او الاضطراب في كل المنطقة"، "احترام بقائنا فوق كل قانون او الانتقال الى قانون الحروب الاهلية"، "استقلالنا في قمع الشعبين السوري واللبناني او تضييع كل استقلال على طريقة "الرفيق" صدام".



انها شجاعة استنباط المؤدى العملي لمفهوم المصالحة الوطنية القائم على خيار الحرية والديموقراطية. وهو المفهوم الذي اقترحته المعارضة السورية طويلا ورفضه النظام وحاول ان يحيله مع ربيع دمشق الى شظايا ترتد على مطلقيه.



انها شجاعة القائد اليساري الديموقراطي الذي غادر منذ زمن طويل مقدسات ومحنطات الشيوعيات الرسمية وتحالفاتها البائسة مع ما كان يسمى بحكومات |حركات التحرر والجيوش الوطنية" ليؤسس لخط حقيقي للتغيير الفعلي والاستقلال في عالم سريع التغير في كل المجالات وعلى كافة المستويات.



ومقابل الإعتذار الذي يقترحه رياض الترك من الشعب اللبناني عما فعله به النظام السوري- وهو الذي كان منذ البدء ضد التدخل العسكري في لبنان- لا بد لنا كيساريين لبنانيين من ان نعتذر بدورنا لتخلفنا عن دعم الديموقراطيين السوريين منذ عام 1976 وحتى ما قبله. وأعني بالضبط سياسات الحزب الشيوعي– وايضا منظمة العمل الشيوعي التي كانت ذات يوم حركة مؤثرة- الذي لا زال يدعم مواربة حينا وعلنا احيانا النظام السوري بحجة انه نظام ممانعة. نعتذر، كون من قدم الدعم لربيع دمشق ولكتابه ومفكريه ومناضليه ليسوا من اولئك الذين يقدمون انفسهم كطليعة الطليعة بل هذه الديموقراطية اللبنانية "الشوهاء" و"الصحافة البرجوازية". ولكن لنا بعض العزاء في اعتذارنا. اذ وسط الكثير من الصعوبات والمعوقات التي شهدتها اعمال التأسيس ليسار ديموقراطي جديد، هناك من قاموا –ضمن امكانياتهم-بما كان على اليسار "التاريخي" القيام به. فتضامنوا وفتحوا صدورهم وقلوبهم وعقولهم للبراعم المتفتحة في دمشق. وليقولوا مع سمير قصير، ابرز واشجع المؤسسين- والذي اغتاله النظام الامني السوري اللبناني لهذا السبب بالذات- ان ربيع بيروت هو ربيع دمشق وربيع كل العرب.



من هذه الزوايا المتعددة ترتدي مقترحات رياض الترك اهمية استثنائية. انها وبعد "اعلان دمشق"، ترمي صخرا في بحيرة يظنونها ويتمنونها راكدة. وهو ظن مغاير للتاريخ. وكما قال رياض الترك نفسه في المقابلة مع راديو "مونتي كارلو" الذي عمم مقترحاته، من كان يظن ان مليونا ونصف مليون من اللبنانيين سينزلون الى الشارع ويصنعون انتفاضة الاستقلال بعد واحتجاجا على اغتيال الحريري؟



وذلك بكلام اخر معناه ان الشعب السوري ايضا وبدون شك يختزن قدرة غير مرتقبة على الإنتفاض. وقد بدأ الكيل يطفح من مغامرات النظام خارجيا بعد كل القمع والافقار. والدور الان لدمشق.



تحية ابا هشام.