ثابتة بالقرآن والسنة ونصوص التوراة
خدعوك فقالوا: رسول الله «ص» لم يكن أميا

* لم يشذ عن جمهور العلماء الذين أجمعوا علي أن النبي صلي الله عليه وسلم كان أميا إلا قلة من العلماء بناء علي رواية ملتبسة وردت في البخاري * لو كان الرسول «ص» قارئا وكاتبا لتواتر ذلك عنه ولما اتخذ كتبة للوحي.. ولأحتفظ لنا المسلمون بنماذج من خطه
نشرت جريدة القاهرة مقالين أولهما للواء محمد شبل بتاريخ 4/10/2005 وثانيهما للطبيب أحمد راسم النفيس بتاريخ 15/10/2005 ينفيان فيهما أمية الرسول (ص).وقد اعتمد الأول علي العقل في نفي الأمية كما دعا إلي أن تبقي المسألة خلافية وكأن الاختلاف غاية في حد ذاته وليس عرضا يعرض في حالة استشكال النصوص وتطرق التأويل والاحتمال اليها أما الثاني فقد نفي أن يكون هناك إجماع علي أميته (ص).
والحقيقة أنه إن لم يكن في المسألة إجماع مطلق فثمة شبه إجماع بين أهل السنة علي أميته(ص) ولكن قبل أن نوضح ذلك نحب أن نشير إلي أن أي خلاف يتعلق بالنبي (ص)في معظمه لا يكون الداعي إليه اختلاف العقول في تفهم نصوص محتملة الدلالة أو مشكلة المعني وإنما هوي قلب، نابع من محبته (ص) فالكل محب له علي اختلاف درجاتهم في المحبة وقد قال عليه الصلاة والسلام ( حبك الشيء يعمي ويصم) فمن أسرته العاطفة عمي عن رؤية الدليل وصم عن صوت الحق وظن أن الفضيلة في حقه (ص) رذيلة والرذيلة في حقه فضيلة ومن ثم فلا شأن لنا بمن سماهم الدكتور أحمد بمدرسة آل البيت الذين أجمعوا علي نفي أمية النبي (ص) لأنهم قد غالوا في محبتهم لآل البيت فعموا وصموا والدليل علي ذلك الرواية المتهافتة التي ذكرها الدكتور والمنسوبة إلي محمد بن علي الرضا ونصها بتصرف (والله لقد كان رسول الله يقرأ ويكتب باثنين وسبعين لسانا!!)
لقد اتفق جمهور العلماء علي أميه النبي ولم يشذ عنهم إلا قلة من العلماء منهم أبو الوليد الباجي وشيخه أبو ذر الهروي بناء علي رواية ذكرها البخاري سيأتي ذكرها عما قريب وحتي هؤلاء لم ينفوا الأمية نفيا مطلقا بل أقر الباجي بأميته (ص) قبل بعثته أما بعدها فقد قرأ وكتب من غير تعليم من باب الإعجاز. إذا فالنفي المطلق للأمية النبوية بدعا من القول لم يقل به السلف.
الأدلة المثبتة
ولنشرع الآن في سرد الأدلة المثبتة للأمية
أولا القرآن. تنقسم آيات القرآن في هذا الشأن إلي نوعين النوع الأول فيه إثارة وتلميح إلي الأمية مثل قوله تعالي (لا تحرك به لسانك لتعجل به üإن علينا جمعه وقرآنه) (القيامة16-17) فكان (ص) يتعجل قراءة القرآن قبل فراغ جبريل منها مخافة أن ينسي لأميته إذ لو كان كاتبا لسجله في صحيفة يعود إليها إذا دهمه النسيان.
أما النوع الثاني فقد صرح بالأمية فقال تعالي (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون) (العنكبوت 48) ولاحظ عدم تعريف كتاب ليفيد عموم الكتب السماوية أو الوضعية.
ثانيا السنة: لم يرد في السنة نص صريح صحيح ينفي أمية النبي (ص) بل تظاهرت النصوص علي اثباتها فلو كان (ص) قارئا وكاتبا لتواتر ذلك عنه ولما اتخذ كتبة للوحي ولوصلتنا رسائل بخطة لحرص المسلمين علي التبرك بآثاره إذ لا يستقيم في الفهم أن يحتفظوا بشعرات من رأسه ويهملوا نصا خطه بيراعه.
وروي البخاري عن عائشة أن النبي عندما سأله جبريل أن يقرأ في الغار قال (ما أنا بقاريء) ثلاثا وما هنا نافيه إذ لو كانت استفهامية لم يصلح دخول الباء.
ولا يفت في عضد هذا الرأي ما رواه البخاري في باب عمرة القضاء أن المشركين لم يقروا قوله (ص) (هذا ما قاضي عليه محمد رسول الله) فأمر النبي بمحوها وكتابة عبد الله بدلا من رسول الله فلم يرض علي ـرضي الله عنه ـ بذلك غيرة وحميه فأخذ النبي الكتاب ـ وليس يحسن الكتابة كما في الرواية ـ وكتب (هذا ما قاضي عليه محمد بن عبد الله...). وذلك لأنها رواية واحدة من جملة روايات ومن قواعد فقه الحديث جمع الروايات الواردة في الحديث الواحد وطبقا لهذه القاعدة نجد في روايات أخري أن عليا هو الذي كتب وأن النبي اقتصر علي المحو فقط فتحمل هذه الرواية علي تلك لوجود القرائن الصريحة علي أميته (ص). ثم إن هذه الرواية أقرت بأنه (ص) لا يحسن الكتابة فإذا ما كتب اسمه لا يكتبه إلا رسما كشأن كثير من الأميين هذا إذا أخذنا بظاهر هذه الرواية.
دليل من التوراة
(3) يقول تعالي: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل...) ( الأعراف 157) فالنبي بنص القرآن موصوف عند أهل الكتاب بالأمي وبالرجوع إلي التوراة ـ وهذا ما أغفله المنكرون للأمية ـ نجدها اشتملت علي نبوءات عن الرسول (ص) تتضمن أوصافا له منها (أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك ـ مثل موسي ـ وأجعل كلامي في فمه) (تثنيه18:18) والمقصود بأجعل كلامي في فمه التلقين إشارة إلي الجهل بالقرأة والكتابة. نبؤة أخري في سفر أشعياء (29:12) (نصها أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال له اقرأ هذا فيقول لا أعرف الكتابة) فلو لم يكن النبي أميا إذا لارتاب المبطلون ـ أي اليهود ـ لأنه عندهم أمي وكفي بهذا من دليل يقطع دابر أي خلاف.
طاهر محمد الأقرع