شكرا للأخ المتنبي على الرد , والفت نظركم الى ان المفكرين الاسلاميين قد قتلوا موضوع الاقتصاد الاسلامي وغيره من أنظمة الحضارة الاسلامية بحثا , والمكتبة الاسلامية غنية وعامرة بتشريح وشرح النظام الاسلامي ولله الحمد والمنة , ولكني أؤيدك في نقطة عدم الاستفادة من جهود هؤلاء .

وأود أن أثلج صدر الزميل العلماني برد مسبوك ومطبوخ طبخة جيدة ( على كيفه ) :

الزميل العلماني كتب :

عال ... ولكن، أين هي هذه "النظرية الأصيلة" (فأنت لا تريد أن تكون نظرية الله جل جلاله ثوباً مرقعاً)؟

كيف يبني الإسلام الدولة بشكل "مغاير" للنظم التي عرفناها منذ اليونان القدماء (الديمقراطية، الارستقراطية، التيموقراطية، الثيوقراطية، الأوليغارخية، الديكتاتورية)؟ وما هو هذا "الحل السحري" الذي جاء به ولكننا "لجهلنا وعمى قلوبنا" لم نطبقه؟
....................
هل ترى انت ان التشريع المعصوم او ذو الصلاحية للبقاء مع تغير المجتمعات والحضارات يجب أن يكون نسخة مكرورة من الحضارات البائدة ؟
الحضارة الاوروبية نسخة قبيحة من الحضارة الرومانية نعم , ولكن هل يشترط في أنظمة الحكم وأنظمة الحياة عامة أن تكون على وتيرة اليونان ؟
لاأدري وجه نظرتك تلك .
ان كل حجم الصراع الدائر الان بين الاسلاميين والعلمانيين منبعه من هذه النقطة :
أننا يجب أن نقلد أوروبا في نبذها للدين لكي ننهض . فقد نبذت دينها في الثورة الفرنسية وبدأت نهضتها الصناعية من تلك اللحظة , لحظة الكفر بالله .
وحين تبين لهم أن لكل مجتمع طبيعته وظروفه الخاصة به , وأن هؤلاء القوم كانوا خاضعين لحكام إقطاعيين ظلمة , يتحكمون في رقاب ومصائر الناس تحت سمع وبصر - بل بتعاون وتشجيع وتضليل من الكنيسة , وأن هذا هو سبب عبارة الثورة الفرنسية وشعارها الشهير : اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس , وأن دين هؤلاء كان ( النصرانية ) اي : النوم والاحلام بملاحم الفداء والصراعات الغيبية , وليس بدين يحض على العلم والمعرفة ويقرر : قل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون ,,,,
ولذلك فإن تقليد هؤلاء وترسم خطاهم لتحقيق النهضة هو ضرب من السفه والتبعية الذليلة المشوبة بجهل بحقائق الامور واختلاف احوال الشعوب والحضارات والمعتقدات .
وان اي قياس لنهضة العالم الاسلامي والعربي على نهضة الحضارة الاوروبية فهو قياس فاسد . ( وللأستاذ فؤاد زكريا العلماني الكبير الشهير كتاب بعنوان : العرب والنموذج الامريكي . فحوى وملخص هذا الكتاب يقوم على نفي امكان اعادة التجربة الامريكية في قيام مجتمع مشابه لمجتمع الولايات المتحدة في العالم العربي . والسبب هو نفس السبب الذي ذكرته : اختلاف ظروف النشأة والنهضة - والكتاب حجمه ضغير جدا ومطبوع ومتداول - طبع مكتبة مصر للسحار ) .
فهل لازلت مصرا ان النهضة تكون بالعلمانية ؟ اذا كان نبذ النصرانية فربما ! أما الاسلام دين العلم فلا ثم الف لا .
_______________________
هل يبنيها من خلال "واجعلوا الأمر شورى بينكم"؟ هل هذه الجملة الواحدة العامة كافية؟ ألا تستطيع جميع النظم التي نعرفها أن تقول بأنها تطبقها؟
.......................
أولا الاية هكذا ( وأمرهم شورى بينهم ) .
ثانيا : طبعا ليست هذه القاعدة الجليلة والعظيمة فقط التي تجعل الاسلام هو الاصلح وهو الحل . هذه قاعدة من القواعد الكلية الكثيرة......ولكن هذه القاعدة بالذات هي الاشهر في نظام الحكم الاسلامي , وهي تختلف اختلافا جذريا عن الديمقراطية , حيث ان للشورى في الاسلام إطارا لاتتعداه , وهو إطار الشريعة الاسلامية والنصوص من الكتاب والسنة , لأهناك قاعدة أخرى من قواعد نظام الحكم الاسلامي هي ( أن الحاكم هو الله ) ونستفيد من هذه القاعدة الاخيرة أمران :
1- أن الدولة الاسلامية ليست دولة كهنوتية ( ثيوقراطية ) يحكمها البابا او البطريارك , بل إن الحكم فيها لله وحده , وليس لاحد من الناس تولى الحكم ان يحكم الا بالنص الوحيين , ولا يتغير هذا النص بتغير الحكام كما كان يحدث في العصور الوسطى في اوروبا .
2- أن نظام الحكم الاسلامي لايقوم على ( تفصيص ) و تفرقة وفصل جوانب الحياة عن بعضها البعض . فيفصل مثلا بين تأثير الاجتماع في الاقتصاد , وتأثير الاقتصاد في الاخلاق والاجتماع, وتأثير الاخلاق في السياسة , وتاُثير الدين في السياسة ......الخ . بل يجمع ويدمج ويخلط خلطاً ويخض خضاُ جميع جوانب ومناحي الحياة البشرية في بعضها البعض ويرتب نتائج نجاح احدها على نجاح ( النظام الاسلامي ) كله . وهذا من عظمة هذا الدين وهذا التشريع الذي لايستطيع وضعه الا من احاط بكل شيء علما .
نعود فنقول : ان الشورى مؤطرة باطار الشرع , كيف هذا ؟
لو قام رجل وقال : أنا اشور عليكم بتحليل الربا لنجاح ورواج الحركة التجارية أو السماح بتصنيع وترويج الخمور وتقنين بيعها وشرائها , أو السماح بتقنين الدعارة عملا بنظرية فوريد في علم النفس بأن الكبت هو سبب الامراض النفسية وأن الزنا سيحسن الحالة المزاجية ومن ثم الانتاجية للفرد,,, ماذا سيكون محل كلامه ؟ محله الاهمال وعدم الالتفات اليه .
أرأيت ؟ هل هذا حاصل في الديمقراطية ؟ بالطبع لا .
حسنا : أنت تقول يمكن لأي نظام أن يقول شورى , نعم ! ويمكن لأي نظام أن يقول : عدل ويقول مساواة , ولكنه لايربط هذا بالاخلاق . ولا يربطه بشريعة محكمة غاية الاحكام الى الدلاجة التي جعلت المتخصصين يقولون بأخذ الفقه الاسلامي عن الحضارة الرومانية !
اذن الحكم الاسلامي يقرر مبادي عامة وقواعد كلية , ويعمل من ناحية أخرى على النهوض بأخلاق الرعية حتى يضمن حسن تطبيق تلك المباديء على أكمل الوجوه .

_______________________

هل يبنيها "بصناديق اقتراع" وتحديد سلطات ثلاث وفصل فيما بينها؟ (هو لا يعرف هذا ) ...

ما هي النصوص "الإلهية" الجامعة المانعة التي تتحدث عن بناء الدولة ودور المؤسسات وتكريس الحريات (أو لجمها حتى)، في سبيل إقامة صرح جماعي سياسي ؟

....................
النصوص معروفة ومشهورة , منها النص الذي ذكرته أنت ( وأمرهم شورى بينهم ) ينفي الديكتاتورية ويبين قيمة الفرد المسلم ودوره في المشاركة برأيه في الامور العامة للبلاد .
ولكن :
هناك أمر مهم يجب أن تعرفه لكي يتضح لك ماهو الاسلام وكيف يصلح لقيادة الدنيا الى قيام الساعة :
الاسلام بالنسبة للعبادات ( وهي شيء ثابت لايتغير مدى الحياة ) قد فصلها تفصيلا . وأما بالنسبة لأنظمة الحياة الانسانية وإدارة المجتمعات البشرية ( وهي تتغير بحسب المكان فضلا عن تطور الزمان ) ولذلك جاء بأصول وقواعد عامة وأسس مجملة وقواعد كلية , ولم يتعرض الى الجزئيات والتفصيلات التي تختلف باختلاف الامكنة والازمنة . فموضوع تحديد ( شكل الدولة ) او نوعها , او كيفية اختيارادارة المرافق الخ ماهنالك , ليس مطروحا ابتداءا . وانما المطروح هو التوجيه العام والخطوط العريضة ورؤوس الاقلام حتى لانضل ونظلم بعضنا البعض فقط .
وأما أن يظن البعض ان الاسلام - أو أن الاسلاميين يقولون - أن الاسلام جاء ليأخذنا من أيدينا كالاطفال الصغار ويقول : انتخبوا هكذا وأديروا أموركم هكذا : فهذا من السذاجة في التفكير ومن الجهل بروح الشريعة الاسلامية التي تخيّم عليها : روح الخلود والبقاء , مما يستحيل معه الاتيان بتفاصيل تختلف باختلاف حُُجُب الزمان والمكان .
_____________________

إذا كان الإسلام لم يستطع أن يحسم مسألة "الخلافة" (رغم تفاهتها الموضوعية) منذ "سقيفة بني ساعدة"، وانشقت صفوف المسلمين إلى شيعة وسنة، فهل تراه مخولاً للادعاء بأن لديه وصفة جاهزة لبناء دولة كاملة؟ ..." ما علينا"!!! سوف نصدق من يقول بهذا، ولكن ما هي هذه "الوصفة السحرية الإلهية " التي سوف تملأ الأرض عدلاً بعدما ملئت جوراً؟ هل نستطيع أن نسمعها فتمتليء آذننا فنخر ساجدين ونحن نقول: "علمنا ربنا فازددنا علماً"
..........................
أولا الشيعة لم يظهروا من تاريخ السقيفة قط ! هذا أحد اللآراء التي قيلت حول ظهور التشيع ولكنه رأي مرجوح .
قال الدكتور ناصر القفاري في كتابه العظيم ( أصول مذهب الشيعة ) :
وهذا الرأي يستند القائلون به إلى الرأي القائل بأحقية القرابة بالإمامة. ولا شك أنه إذا وجد من يرى أحقية عليّ بالإمامة، وأن الإمامة ينبغي أن تكون في القرابة، فقد وجد رأي يقول باستخلاف سعد بن عبادة، وأن الإمامة ينبغي أن تكون في الأنصار، وهذا لا دلالة فيه على ميلاد حزب معين، أو فرقة معينة، وتعدد الآراء أمر طبيعي، وهو من مقتضيات نظام الشورى في الإسلام، فهم في مجلس واحد تعددت آراؤهم "وما انفصلوا حتى اتفقوا، ومثل هذا لا يعد نزاعاً" [ابن تيمية/ منهاج السنة: 1/36.]، "وقد اندرجوا تحت الطاعة عن بكرة أبيهم لأبي بكر - رضي الله عنه - وكان علي - رضي الله عنه - سامعاً لأمره، وبايع أبا بكر على ملأ من الأشهاد، ونهض إلى غزو بني حنيفة" [الجويني/ الإرشاد ص: 428.] "وكانوا - على حال ألفة، واجتماع كلمة - يبذلون في طاعة أئمتهم مهج أنفسهم، وكرائم أموالهم على السبيل التي كانوا عليها مع نبيهم.." [الناشئ الأكبر/ مسائل الإمامة ص: 15.].
ولو كان هذا الرأي القائل بأحقية القرابة بالإمامة يمثل البذرة والنواة للتشيع لكان له ظهور وودود زمن أبي بكر وعمر، ولكنه رأي إن ثبت فهو كسائر الآراء التي أثيرت في اجتماع السقيفة، ما إن وجد حتى اختفى بعد أن تمت البيعة.. واجتمعت الكلمة.. واتفق الرأي من الجميع. وموقف أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - ينفي استمرار مثل هذه الآراء أو بقائها بين الصحابة، فقد تواتر عنه - رضي الله عنه، من وجوه كثيرة - أنه قال على منبر الكوفة: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر" فكيف يرى غيره من الصحابة فيه ما لم يره في نفسه؟!
والشيعة ليس لها ذكر أو وجود في عهد أبي بكر ولا عمر ولا عثمان، فكيف يقال بنشأتها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
______________________

الآن، ما هو الحل السحري "الأصيل" الذي أتانا به الإسلام في تنظيم الاقتصاد وفي توزيع الثروات؟ هل هو في "الصدقة والزكاة" و"تحريم الربا"؟

هل يترك الاسلام السوق ينظم نفسه بنفسه من خلال "العرض والطلب" (ليبرالية)؟ أم يطالب الدولة في التدخل حماية للفقراء والمستضعَفين والمستغَلّين (إشتراكية)؟ ولو قال بهذا أو ذاك فهل يقول "بإطلاق حلوله" أم بتقييدها؟ ووفق أي معطيات؟

هل هو مع "آدم سميث" "وريكاردو" و"كاينز"(حديثاً) أم هو مع "برودهون، وبلانكي، وكارل ماركس، وباكونين، وجان جوريس"(مع الفروق بينهم) أم تراه يخالف هؤلاء جميعهم ويخرج لنا "بحل" يقع في آذاننا كقطع الروض فتصيبنا رعدة ونركض قائلين: "أوريكا"؟
.....................
لماذا ( تلغيه ) تماما ؟ أنظمة الاسلام جاءت بالحق والعدل والإحكام الذي هو على حد قول العامة ( مايخّرش الميّه ) من خلال قواعد عامة كلية غير جزئية ولا تفصيلية..........هذا هو فقط الذي جاء به الاسلام , اجتهد انت بعد هذا المدد الرباني وأرنا الهمة !
ليس الاسلام مع من ذكرت من أقطاب الاقتصاد , ولكن الصواب أن مامعهم من حق : هو مع الاسلام ويوافق الاسلام .
انت تقلل من شأن الصدقة والزكاة وليس هناك نظام اقتصادي أجبر الاغنياء من أتباعه على اقتطاع 2.5 % من أموالهم وجعله ( حق ) للفقراء ليس معه شعور بالمن والاحسان من الغني تجاه الفقير لأنه واجب خلقي وديني .
الشيوعية وعدت الطبقة الكادحة ( البروليتاريا ) بالوعود البراقة والاماني الكاذبة , ولم تر الشعوب المسكينة شيئا , في حين أن نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم قد تحققت بأن الصحابة إن عاشوا فسوف يرون انمحاء الفقر تماما حتى لايجدون من تجوز عليه الزكاة : في عهد عمر بن عبد العزيز .
الشيوعية حرمت الاغنياء من حق التملك فأنت لاتستطيع أن تصبح صاحب دراجة ( بسكلته ) تذهب بها الى عملك , بزعم المساواة ! وحق البروليتاريا - وليت هذا قد نفع ! فهل هذا هو العدل ؟
الاسلام يقرر حق التملك بلا اي حرج , ولكن مع عدم تعدي اطار الشريعة الخلقي واداء ( حق ) الفقير .
الرأسمالية كان ولايزال شعارها : دعه يعمل دعه يمر , يعمل بأية ضوابط ؟
لاتوجد ضوابط .........احتكر ( والنصوص في النهي عن الاحتكار متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم ) , تعامل بالربا , اظلم , دُس على ظهر غيرك لتصعد عليه لكي تصل الى مرتبة أصحاب رؤوس الاموال . وأما الطبقات الفقيرة فليس لها الحق في المعيشة اصلا في ظل الحكم الرأسمالي .
ولذلك تجد المجتمع الامريكي اليوم لايعرف الا لغة ( الدولار ) ذلك الاله الجديد , والفقر هناك عار بمعنى الكلمة , فالكلب هناك - بلا مبالغة - له حق الاحترام والتقدير اكثر من الفقير .
الاسلام كما ترى ( نظام وسط ) بين كل الانظمة المتطرفة ( التي تأخذ طرفا وتدع الوسط ) , فجمع محاسنها جميعا مع أنه الاسبق عليها جميعا .
ولا عجب في ذلك اذا كان هو النظام الالهي !
فهلا لازلت تؤمن أن الاسلام ليس وسطا بين تلك الانظمة كلها ؟
________________________

هل من خلال الإسلام نستطيع أن نلغي جميع ما جاءنا من هؤلاء "البشر" السابقين (علماء السياسة والاقتصاد) ونعتصم "بحل" يشكل لنا "العروة الوثقى" حقاً ؟ "طيب"، أين هو هذا الحل؟ وما ماهيته بالتفصيل؟ هل هو "سياسياً" - مثلاً - في "مؤسسة الخلافة" وما يند عنها؟ ولكن، ماذا يعطينا الإسلام من حل أمام "تراكم رأس المال" وإفقار الفقراء وبطر الأغنياء؟ هل هي نفس الحلول القديمة التي نعرفها ونتقاتل عليها وعلى تطبيقها أم له حل آخر ؟ .. أين هو هذا الحل؟

____________________
الحل فيما قلته لك - وبداخلي الكثير والكثير من الدرر المخبوءة لحقيقة هذا المنهج السماوي المعصوم الذي لاتجد فيه عيبا الا محاسنه ! وياللعجب ! من المستشرقين الذين ينقدون الاقتصاد الاسلامي بأنه يشرع الزكاة والصدقة !! بزعم ان هذا يحرض على البطالة !!وكأن الصدقة هذه تعطى لأي عابر سبيل غني أو فقير ..........ليس هذا هو المهم , المهم أنك لاتجد سبيلا لنقد هذا المشروع الحضاري حقا , الا ان تنقد ميزاته ومحاسنه .
وما أحسن قول الشاعر في هذا المقام :

اذا كانت محاسني التي أزهو بها صارت ***** عيوبي فقل لي بربك كيف أعتذرُ !!

لا اعتذار وانما افتخار ثم افتخار .

داعية السلام مع الله .