كتب- عبد المعز محمد*

ما جرى في دائرة دمنهور وزاوية غزال أمرٌ فجٌّ بكل المقاييس، ويمكن أن يكون عنوانًا لفيلم سينمائي لممثل ساخر مثل أحمد آدم يطلق عليه "معلش.. إحنا بنزور"؛ على خلفية فيلمه الأخير "معلش إحنا بنتبهدل".



الأبرز من "تخسير" الدكتور محمد جمال حشمت هو قبول مرشح الوطني مصطفى الفقي بأن يكون نائبًا عن الشعب بالتزوير وبهذا التدخل المستفزّ لأجهزة الأمن وللحزب الوطني؛ مما أطلق العديد من الأسئلة لعل أولها إذا كان الدكتور الفقي الذي كان يُعدُّ في السابق من أبرز الوجوه العاقلة في الحزب الوطني الحاكم وملأ الدنيا ضجيجًا بمقالاته وآرائه في إصلاح الحياة السياسية وألَّف كتبًا عن ضرورة احترام رأي الأمة وما يمكن أن تُسفر عنه، بل إنه وصل بآرائه إلى الحدِّ الذي جعل الجميع يتفق على أنه مفكر قومي، تحترمه كل القوى، بل إنه عندما تمَّ تعيينه في مجلس 2000 وسحبه من وزارة الخارجية أُصيبت الجماهير- وفي القلب منها الإخوان- بالضيق، وتمنَّوا لو كان الفقي هو وزير الخارجية.



فما الذي حدث؟ ولماذا قَبِل الفقي بهذا الوضع الذي وإن كان يمنحه مقعدًا في البرلمان إلا أنه أفقده مقعدًا في قلوب كثير من المصريين ولا أقول الإخوان؟! وكان الأشرف للفقي أن يقبل بنتيجة التجربة أيًّا كانت طالما وافق على الدخول في هذا المضمار.



التساؤل الثاني الذي يلحُّ على الكثيرين أيضًا هو إذا كان هذا حال وواقع دعاة الإصلاح بالحزب الوطني الحاكم فأي إصلاح يمكن أن يحدث في مصر؟! وهل يمكن أن نعتبرَ ما جرى بدمنهور وغيرِها من الدوائر دليلاً موثَّقًا بأن الحزب الوطني الحاكم لا يُرجَى منه إصلاحٌ، سواءٌ بحرسه القديم أو الجديد، وأن كل ما يجري ما هو إلا "نيولوك" رخيص الثمن رديء الصنعة، وفي النهاية ذو شكل قذر.



إن ما حدث بدمنهور يؤكد أن جمال حشمت نائبُ هذه الدائرة الحقيقي، وأن التزوير ومحاولات التشويش على شخصه وعلى شعار "الإسلام هو الحل" لم تؤتِ ثمارَها لدى الحزب المزوِّر الحاكم، ويبقى أن أوجِّه للدكتور الفقي سؤالاً عن موقفه وهو يؤدي قَسَم البرلمان: ما موقفه وهو يقول أنا نائب عن دمنهور التي لم تختره؟!



كما أرغب في سؤالٍ آخر لقادة الحزب الحاكم وهو: لماذا يعتبرون خسارة أحد رموزهم أمرًا مرفوضًا حتى لو رفضه الشعب؟! ولماذا لا يفهمون أن رفض الجماهير ليس لشخصيات بعينها، وإن كان هذا موجودًا مع أساطين الحزب، وإنما ترفض الجماهير هذا الحزب وحكوماته التي كبَّلته بالديون والخسائر وجعلت الشعب المصري في مؤخرة الدول.



إلا أن هذا كلَّه ورغم التزوير الفجِّ والتدخل الأمني السافر وعودة الوجه القبيح لمحترفي السياسة الفاسدة بمصر.. هذا كله لا يمنعنا من الإشادة بقضاة مصر الذين أبَوا أن يشاركوا في مخططاتِ الوطني بإخراج الانتخابات بالشكل الذي يريده.



كما أوجه التحية لجماهير مصر التي خرجت وراء ما تريد، سواءٌ كانوا إخوانًا أو غيرهم، واختاروا مَن رأوه الأصلح لهم، كما أدعو الحزب الوطني الحاكم أن يقبل بنتائج التجربة وأن يعيد تشكيلاته؛ حتى يستطيع أن يواجه غمار التجربة دون الاعتماد على البلطجية وقوات الأمن؛ حتى يستطيع أن يحقق الأغلبية بشكلٍ حقيقي وليس بدعمٍ أمني.



وتهنئةً وشكرًا واجبًا للمستشار محمود الخضيري- رئيس نادي قضاة الإسكندرية- الذي فتح الباب وفجَّر مشاعر القضاة؛ مما جعل انتخابات 2005م بهذه الصورة الجيدة رغم كل سلبياتها.

--------------

* صحفي متخصص في الشئون السياسية والبرلمانية