عبثيّات الترقيعات الـمُياومة الأمنيّة وانعدام الحسم الإستراتيجيّ محلّيّاً وإقليميّاً

حافظ الشيخ صالح

كان اللقاء مع وزير الداخليّة، الشيخ راشد بن عبداللّه آل خليفة، في نادي ضبّاط الشرطة في القُضَيبيّة، مساء الجمعة/ ليلة السبت، هو لإحاطة الحضور، وجمهور البحرين، عن نيّة الوزارة الحسم الأمنيّ، في نطاق القانون، لوضع حَد لموجة العنف والشغب الأخيرة، التي بلغتْ مبلغ حرق ثلاث سيّارات لدوريّات الشرطة، من طريق إلقاء قنابل «المولوتوف« عليها، لولا أنّ اللّه سلم فلم تقع خسائر بشريّة بين الشرطة أو بين الجمهور.

لكنْ نخادعُ أنفسنا بالكامل إنْ اعتقدنا أنّ أيّة إجراءات أمنيّة أو قضائيّة، مهما هي زاجرة وصارمة وحاسمة، سوف تقتلع من جذورها «الثورة الصفوية« الـمُندلعة والتي تتكرّر موجات عنفها بين الحين والحين، أو أنّ هذه الإجراءات الأمنيّة أو القضائيّة، مهما كانتْ زاجرة أو صارمة أو حاسمة، سوف تنهي تلكم الموجات في أيّ يوم آتٍ، ونخادع أنفسنا جدّاً إنْ اعتقدنا أنّ هذه الموجات الـمُتكرّرة من العنف والشغب يُمكن، هكذا في يُسرٍ، اختزالها في عشرات أو مئات الأفراد، الـمُشاغبين فقط والميّالين إلى العنف، الذين يتنقّلون من مكان إلى مكان، ومن مُظاهرة إلى مُظاهرة، ومن اعتصام إلى اعتصام، ومن قضيّة إلى قضيّة، كما أومأ إلى ذلك وزير الداخليّة. ونخادع أنفسنا أيضاً إنْ حسبنا أنّ «الدبلوماسيّة« والاسترضاءات، لبعض القوم، سوف تغريهم بالتهدئة، أيْ تهدئة الجمهور الغفير، ولاسيما الـمُشاغبين وذوي الميول إلى العنف، فالقصة تعود إلى نهايات القرن الثامن عشر الميلاديّ، ولنْ يُقنع هؤلاء جميعاً تقريباً، على بكرة أبيهم، غير كرسيّ الحُكْم بالضبط واستعادة «الوطن السليب« وإعادة النفوذ الفارسيّ الشعوبيّ (الآنَ الصفويّ) إلى البلاد.

هذه كلّها لا تنفع معها الإجراءات الأمنيّة، ولا الحسم الأمنيّ، ولا الأحكام القضائيّة، ولا «دبلوماسيّة المجالس« والتبسمات الصفراء وسياسات الاسترضاءات، فالبحرين، كما كلّ المشرق العربيّ اليوم، لاسيما إقليم الخليج والجزيرة العربية، هُو اليوم في مُواجهة إمبرياليّة فارسيّة/ صفويّة، ذات خطّة خمسينيّة يجري تنفيذها على مراحل تتفاوت من بقعة إلى بقعة (أيْ على مدى خمسين سنة)، وهذه لا ينفع معها سوى التصدّي لها، وفضحها وفضح مُفرداتها وطرائقها وطُرُقها، والتنسيق، النشيط والفاعل، والجريء والشجاع، ضدّها من جانب كلّ دول المشرق العربيّ، ومن بينها المملكة العربيّة السعوديّة، ومن بينها مصر، هذه التي حتى هي وصلتْ إلى عقر دارها بعض موجات الصفوية الجائحة الكاسحة.

فضلاً عن تصعيد التنسيق الإستراتيجيّ الشامل، سياسيّاً وأمنيّاً ومُخابراتيّاً واستخباريّاً وثقافيّاً، إلى آخره، بين دول الجزيرة العربيّة السبع (أيْ بما فيها الجمهوريّة اليمنيّة التي تعاني اليومَ من جديد من بلاء الصفويين الحُوثيين)، فإذا كانتْ متاعب البحرين اليوم، مع الخطّة الصفويّة الخمسينيّة، هي أظهر وأكثر منها في غيرها في إقليم الجزيرة العربيّة، ففي الحقيقة أنّ الإقليم كلّهُ مُستهدَف من جانب الصفويين في الخمسين أو الأربعين سنة الآتية، وفي الحقيقة أنّ بلاد المشرق العربيّ كلّه مُستهدَفة، ومَنْ يُمعن القراءة والاستقراء والاستقصاء للأشياء يرى بأمّ عينه أنّ العجلة الصفويّة تدور، وإنْ تنوعتْ في الوقت الحاضر مَحاورها بين قُطرٍ وقُطرٍ، وإنْ استمرّ هذا الحال البليد غير السعيد فلنْ نخسر البحرين فقط، وإنما سوف نخسر كلّ الإقليم وكلّ المشرق العربيّ. قلوبنا مع الشيخ راشد، وقلوبنا مع وزارة الداخليّة، وقلوبنا مع رجال الأمن أفراداً وضبّاط صف وضبّاطاً، وقلوبنا مع النيابة العامة، وقلوبنا مع المؤسّسة القضائيّة، ولكنّ الإستراتيجيّة الصفويّة التصفوية الاستئصاليّة هي أخطر وأكبر، بكثيرٍ جدّاً، من جهودهم أجمعين.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/ArticlesFO...=151174&Sn=shkh