أتابع مع غرموش أيضاً، ولي تعليق بسيط.

فلقد استغربت فعلاً هذا الكلام المنافي للتاريخ ضمن قراءة أبسط ما تكون. قراءة لتاريخ الغرب نفسه، أو لتاريخ العرب نفسه.

كيف تكون أمريكا وإسرائيل سبب كل مآسي العالم؟
من يسمع هذا الكلام يعتقد أن العالم كان في هنا وتبات وروعة قبل وجود هذين الكائنين المكروهين.

الحرب العالمية الأولى ثم الثانية والتي سببت أكثر الكوارث في العصر الحديث لا علاقة لهما بأمريكا، بل لاحتقانات أوروبية.
هل سمعت الزميلة العزيزة بحروب الأديان في أوروربا بين القرنين السادس عشر والسابع عشر في أوروبا والتي أودت بحياة نصف سكان هذه القارة؟
هل سمعت بالحروب الصليبية؟
هل سمعت بحروب العباسيين مع الأمويين، وتعليق جثث الأمويين على الصلبان؟ هل سمعت بالمجازر طوال العهود الإسلامية، والحروب الداخلية التي أدت مرة من المرات للنيل من الحجر الأسود وإعادته بصفقة فريدة من نوعها للكعبة.
هل سمعت بالحشاشين؟ والذين كان لاسمهم تأثيراً على اللغات اللاتينية بحيث أن أصل كلمة قاتل assassin بالفرنسية جاء من هذه الفرقة الإسلامية بشمال سوريا وإيران.
المآسي هي عندما لا نعرف من المآسي إلا الآخر، نختزل ضعفنا وجهلنا وقبحنا بسبب خارجي، فنبرئ أنفسنا من تخلفها وتواطئها مع التخلف والتقهقر وانعدام الإنسانية الذي سبقتنا إليه الحضارات الأخرى.
المآسي هي تلك التي تكمن في داخلنا، وتولد ثقافة الكراهية، بدلاً عن ثقافة العمل والتفاعل الإيجابي مع العالم، لذا نجد أننا ما زلنا بمصاف الأمم الضعيفة المقهورة والتي ستسمر مقهورة ما دام كل ما نترجاه في هذه الحياة هو قتل وتدمير للآخر، بدلاً من بناء للذات والمجتمع.
لا يمكن أن نتطور ولدينا هذه العقلية، التي ترفض الانعتاق مع نظريات المؤامرة والتي لا تقرأ التاريح بحيادية، والتي لا تعتمد على نقد الذات، بدل انتقاد الآخر الذي وصل للتقدم والحضارة، ولا ينظر إلينا إلا بعين الاحتقار والشفقة.

الآخر هو جهنم، هكذا قالها سارتر ذات كتاب .. وكان يقصد هذا الاختزال النفسي المريح، إذ يكفي أن نلقي اللوم على الآخر وأن نعتقد أنه جهنم، أنه سبب فشلنا، كالطالب الذي يلقي بسبب فشله على الأستاذ الذي لا يحبه، بينما هو لم يذاكر درساً واحداً منذ أشهر. يعتقد بأنه عبقري لابد أن ينجح ولكن المشكلة بهذا الأستاذ الذي يكرهه.

بينما يقول له الأستاذ بكل ثقة واحتقار، حان وقت الامتحان و "انتهى الدرس يا غبي".


مع فائق التحيات.
(f)