"زعمو ا أن غديراً كان فيه ثلاث سمكات: كيسة وأكيس منها وعاجزة. وكان ذلك الغدير بنجوة من الأرض، لا يكاد يقربه أحد، وبقربه نهر جار، فتفق أنه اجتاز بذلك النهر صيادان، فأبصرا الغدير ، فتواعدا أن يرحعا إليه بشباكهما فيصيدا ما فيه من السمك؛ فسمعت السمكات قولهما.
فأما أكيسهن فلما سمعت قولهما ارتابت بهما وتخوفت منهما فلم تعرج على شيء حتى خرجت من المكان الذي يدخل فيه الماء من النهر إلى الغدير فنجت بنفسها.
وأما الكيسه الأخرى فأنها مكثت مكانها و تهاونت في الأمر حتى جاء الصيادان. فلما رأتهما وعرفت ما يريدان ذهبت لتخرج من حيث يدخل الماء، فإذا بهما قد سدا ذلك المكان . فحينئذ قالت: فرطت وهذه عاقبت التفريط ! فكيف الحيلة على هذه الحال! وقلما تنجح حيلة العجلة والأرهاق؟!
غير أن العاقل لا يقنط من منافع الرأي، ولا ييأس على حال، ولا يدع الرأي والجهد. ثم إنها تماوتت، فطافت على وجه الماء منقلبة على ظهرها تارة وتارة على بطنها. فأخذها الصيادان وظناها ميته فوضعاها على الأرض بين النهر والغدير، فوثبت إلى النهر فنجت.

وأما العاجزة فلم تزل في إقبال وإدبار حتى صيدت !"

سقت هذا المثل سابقا، وهاأنذا أسوقه من جديد، وهو مثل مشهور قاله بيدبا الفيلسوف على لسان دمنة.

شاهدنا من المثل هو العجز، ويكمن العجز في عدم رؤية الخطأ في موضعه، حبا أو كرها، أو شر منهما، تعاجزا.
كلنا نخطئ، ونصيب بعد الخطأ أو نستمر فيه، أو الأسوء أن نتمادى.

حين يتشكل تجمع افتراضي (أو حقيقي) له وجهة نظر عن الحياة، وينظر إلى العالم كله من زاوية خاصة، فإن هذا التجمع سيبدأ بفرض نفسه على الواقع المحيط، والنمو وفقا لقوة فكرته المحركة وتفاعلها مع الأفكار المناهضة أو الموافقة على حد سواء.

حين يتوقف الدافع الفكري عن الدفع في هذا التجمع، فإنه لا يلبث أن يفقد تسارعه وزخمه، ليتباطئ تحت تاثير وزنه، ثم لينتكس.

قد يشعر أصحاب هذا االتجمع بالتباطؤ، كلهم أو بعضهم، ويقرعون جرس الإنذار لقرنائهم، فيسعون للعودة إلى الموقع المتسارع بزخم الفكرة الأولى، أو الأفكار التي نتجت عنها، أو عارضتها فحلت محلها.

وقد ينبري أصحاب الشأن إلى الدفع عن أنفسهم بالتهويش والتهبيش، كشأن قط محصور لا يجد غير مخالبه يدفع بها عن نفسه، بغير حجة ولا بينة ولا برهان مبين. حينذاك فقط نعلن النهاية، وننتظر انتهاء عرض أسماء الممثلين والمنتج والمخرج، وانتهاء الشارة حتى يعود كل إلى بيته، وينفض السامر.
عندها ينتبه من يتنبه، لكن بعد أن فات الفوت، وانقطع الصوت!

أما المراقب الخارجي، فهو لبعده عن العواطف، فقد يفطن لما لا يفطن له غيره.

عامة، لا أراكم الله مكروها بعزيز.