اقتباس:.....
.....
ويخرج المطرب الصاعد محمود البغبغان لأجمع أوراق المقالة التي لم أكتب منها غير صفحة ونصف صفحة فولسكاب، عازما على إنهائها في البيت، فقد بدأت ورشة حفر الروتو تهدر فوق دماغي، وما إن أهمّ بالخروج حتى يفتح الباب ويدخل عمّ رياض بيه ..
وعمّ رياض بيه رجل كبارة في سنّ والدي، غزير الثقافة، وقارئ ممتاز، يتردد على مكتبي بين حين وآخر حاملا معه مظروفا كبيرا مملوءا بالأوراق الفولسكاب المكتوبة على المكنة بعناية وأناقة.
- ابقى اقرأ ده وقوللي رأيك إيه ..
- حاضر ...
وعندما دخل عم رياض بيه هذه المرة سألني من الباب:
- قريت الجزءين؟؟
- طبعا يا عم رياض بيه ..
- طيب تعالى قوللي رأيك إيه؟
- متأسف يا عمّ رياض .. أنا عندي معاد مهم دلوقت ..
- طيب أستريح شوية من السلم ..
- اتفضل أهلا وسهلا ..
تلفون:
- فين المقالة ..؟
- حاضر ..
فجأة وعمّ رياض بيه يجلس ليلتقط أنفاسه، دخل المكتب لاعب كرة كان لامعا ...
.....
.....
... يفتح باب الغرفة ويدخل عمّ رياض بيه ..
ولا مفر من أن أتحدث مع عمّ رياض بيه في بحثه العلمي الذي يستهدف اختصار لغة الكلام والكتابة، فمن رأي عمّ رياض بيه أن الإنسان يضيع في الكلام وقتا أكثر مما ينبغي، كذلك لم يعد عند القارئ العصري وقت يسمح له بقراءة المقالات المطولة، ثم لا معنى لتضييع وقت القارئ إذا استطعنا أن نصل إلى الطريقة التي تجعل القارئ -أو الإنسان الذي تخاطبه بالكلام- يدرك ما تريد أن تقوله في ربع ساعة، خلال ثانية واحدة! ولقد توصل عمّ رياض بيه إلى الطريقة، فوضع رموزا مستخدما في ذلك علم الجبر، مع تسعة حروف يمكن استعمالها في جميع أنواع الكتابة والكلام، وهذه الحروف هي: مؤ، هؤ، كا، تش، با، نع، هك، تك، صل.
وأعتقد أن هذا فتح علمي خرافي، فالطريقة سهلة جدا وبسيطة جدا، فإذا أردت مثلا أن تقول: "ذهبت أمس إلى السينما، وكان الفيلم ممتعا، وعندما انتهى العرض، خرجت من السينما وأنا في منتهى السعادة، لكنني لم أجد سيارتي، وتبين لي أن ونش المحافظة قد جرّها لأنها واقفة في الممنوع .."
هذا الكلام الطويل العريض يمكن اختصاره -بطريقة عم رياض بيه- إلى حرفين اثنين فقط لا غير كما يلي:
(هؤ × -ص ×نع) / (2كا (ر)) = 3 مؤ × تش = هك.
يكفي إذن -بدلا من أن تحكي كل الحكاية السابقة- أن تقول: هك.
أما إذا كنت متعجلا إلى العمل وأردت أن تقول مثلا لزوجتك: النهارده ناكل صينية بطاطس في الفرن، وما تنسيش تخيطي زرار القميص وما تخليش الواد هابي ينزل الشارع ..
فيكفي في هذه الحالة أن تقول لزوجتك: صب ..
وتفصيلها كما يلي:
(2نع - مؤ هؤ) / (4ص) = 7 (تش - ر) = صب.
- فين المقالة؟
- حاضر ..
وضعت السماعة بينما عمّ رياض بيه يسألني عن ملحوظاتي عن طريقته،  
....  
....  
وقلت لعمّ رياض بيه إن الطريقة التي ابتكرها لاختصار اللت والعجن عمل عظيم يستحق التهنئة، وقرنت القول بالعمل، فنهضت واتجهت نحوه وشددت على يده مهنئا، وعدت إلى مقعدي جالسا وأمسكت بالقلم وبدأت أكتب المقالة ..
- أنت باين عليك مشغول ..
- هاهاها أبدا يا عمّ رياض بيه، المشغول يفضالك ..
- طيب قوللي بقى ..
- نعم .. ؟
- أنت درست البحث بتاعي دراسة وافية؟
- طبعا ..
- طيب عايزك تقوللي رأيك في مشروعي بطريقتي في اختصار الكلام .. ممكن؟
- طبعا ..
- قول ..
فكرت قليلا، ثم قلت له:
- جع ..
- جع؟؟ .. ده كلام تقوله لي برضه وأنا رجل أدّ والدك .. ؟ متشكر .. السلامو عليكو ..
- يا عمّ رياض بيه أنا مقصدتش والله ..
حاولت أن أمسك بعمّ رياض بيه وأثنيه عن إصراره على الانصراف الغاضب، لكنني فشلت، فأقسمت أنني لا أعرف معنى "جع" هذه .. فازداد غضبا وإصرارا على الانصراف ..
- ده برضه كلام تقوله تاني؟؟ .. دي قلة أدب ..!
يا خبر أسود!
لقد انصرف عم رياض بيه وهو في منهى العصبية .. فما معنى كلمة "جع" هذه يا ترى؟؟ وبدلا من يا ترى وهلترى، أحضرت الأوراق الفولسكاب التي كتب فيها عمّ رياض بيه بحثه، لعلني أعثر على "جع" هذه، لكن ... ... ...