القضية يا صاحبي ليست أن الإخوان أو غيرهم من أطياف المعارضة السورية غيروا موقفهم!
بل أكاد أزعم أنه بخلاف الغادري لم أجد معارضا سوريا في الداخل أو الخارج إسلاميا أو قوميا أو يساريا أو ليبراليا، يدعو إلى الاستقواء على الوطن بالخارج...

الموقف هو الموقف من الوطن...

الذي تغير يا صاحبي ظرف خارجي لا حول لنا ولا قوة به...

الذي استجد أن النظام الذي أخذ سطوته السابقة من غض طرف خارجي تجاه جرائمه التي فاقت التصور، حتى أن العالم ليحدثنا عن حلبجة وما راح فيها من بضع آلاف، ثم يصمت عن حماة وعشرات الألوف التي قضت فيها بلا شفقة ولا تمييز...
كما أسلفت الظرف الخارجي تغير..
كانت هناك قوى تجعجع في تصنيف النظام السوري تحت طائلة الدول المارقة، غير أنها تبارك له سياساته الداخلية، وتغض الطرف عن جعجعاته الخارجية طالما كان جعجعة بلا طحين!

وكان النظام مستأنسا بذلك الصمود المصدي وتلك القنابل الصوتية التي يفجرها بين حين وآخر، فكثيرا ما تهرب بها من أزماته الداخلية، وحشد خلفه قطيعا من العرب القوميين، ممن أيديهم بالماء لا بالنار، لم يذوقوا من سعار هذا النظام المستبد ما ذاق الأحرار من أبنائه!

ثم تغير الحال بظرف خارج حسابات المعارضة السورية، فإذا النظام يتصرف بحماقة متناهية جاذبا سخط القوى الداعمة له، أي جذب!

وهكذا أصبحنا إزاء واقع تهدد فيه القوى الخارجية بسحب غطاءها الذي كان يتزمل به النظام ويركن إلى شرعيته المكذوبة!

الصورة الآن أن بعض الطيبين يريدون منا أن نعوض النظام عن ذلك الغطاء الخارجي الذي قدر الله أن يزيح جزءا منه بعد عقود من الاستبداد والفساد والتضلل والاستعباد...

يريدون منا أن نستبسل في الدفاع عن غطاء غير شرعي لاذ إليه النظام طوال أربعة عقود محتميا به من كل نشاط معارض...

الخيانة في مفهوم هؤلاء الطيبين أن تقول للظالم بعد أن انكشف عنه الغطاء: لتذهب إلى الجحيم!

الخيانة في مفهومهم أن تفكر باستنقاذ البلد وهي تمضي إلى المجهول نتيجة سياسات حمقاء يقودها بعض المتهورين من عناصر الأمن والجيش ممن أعماهم الاستبداد والمكتسبات غير الشرعية عن التفكير بالتنازل عن بعض هذه المكتسبات لصالح الشعب!!

الخيانة في مفهوم هؤلاء أن تجتمع مع كل أطياف شعبك للتفكير بمستقبل بلدك بعد أن كاد ينتهي الأمر فيه إلى خراب شبيه بخراب بغداد نتيجة طيش دونه طيش صدام الذي أبدى مرونة نسبية في آخر أمره لا يزال النظام السوري دونها في تذاكيه على المجتمع الدولي!

الخيانة في مفهوم هؤلاء أن تستأذن المستبد في أن يتنازل عن شيئ من استبداده ثم تعطيه العقد بعد العقد وتنتظر ما يجود به من فتات يسميه بكل عناد تطويرا لا إصلاحا!!

الخيانة في مفهوم هؤلاء أن لا تفكر ببديل غير التسبيح بحمد النظام أو الصمت وهو شيطان أخرس

أن تضيق بك الدنيا عن أن تسيح في أرض الله مفكرا في خلاص بلدك!

كلا يا سيدي!

إننا نربأ بالأحرار الشرفاء أن يبرروا صمتهم واستكانتهم بأنهم لا حول لهم ولا قوة بالتغيير!
فقد كانت هذه حجة أسلاف ذمهم القرآن الكريم، وحكى قصتهم عندما حضرهم الموت وكيف احتجوا على ربهم بأنه ما كان في اليد حيلة نحو التغيير!!

(الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفون في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً )

لن تضيق الدنيا بحر سيد قراره
ولئن ظن الطواغيت أنهم يملكون منعنا من الاجتماع الوطني لاستنقاذ وطننا من وطأتهم فإن أرض الله واسعة (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة)

ليس عاقل يسمي مثل هذا الاجتماع استقواء بالخارج لمجرد أن الطواغيت تمنع من عقده بالداخل!!!

ليس عاقل يسمي الاستفادة من ظرف لا يد لنا فيه تشجيعا على احتلال سورية لا سمح الله!

إننا أعلنا ولازلنا نعلن بأننا ضد استباحة سورية كما استبيحت العراق، ولكننا في الوقت نفسه نرى أن النظام يقود وطننا إلى حتفه وإلى مصير نسأل الله برحمته أن يستنقذه منه

وإذا كانت بعض نخب الشعب لا تنسى كما تتفضل...

وإذا كانت عاقبة الظلم وخيمة وهي كذلك ولاشك

وإذا كان الوطن مستهدف لا سمح الله...

فلنتعاون جميعا لدرء هذه الأخطار الداخلية والخارجية...

لنكن يدا واحدة في مواجهة الاستبداد والاحتلال...

ولننشد جميعا الحرية بجناحيها: حرية الوطن وحرية المواطن..

وما نراه شاخصا أن الاستبداد محرض على الاحتلال، وحرية الوطن تستباح حين تستباح حرية المواطن...

أخي أبو سعيد

ثق بأن أحدا منا لم يغير موقفه من الوطن، وأننا جميع درع لسورية في وجه كل تهديد خارجي..

أما النظام فلن نذرف على هلكته دمعة واحدة، بل سندعو الله أن يسلط الظالمين على الظالمين، ويخرج أوطاننا وشعبنا من بينهما سالمين

واسلموا لود واحترام(f)