الحديث يرد رواية ويرد دراية،

الحديث الصحيح عند المسلمين هو ما رواه العدل الضابط عن مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما يصلح أن يكون دليلا شرعيا من غير شذوذ ولا علة قادحة.

هذا التعريف المفصل إذ أنه يلزمنا هنا.

وجود العدل الضابط من أول السند إلى آخره لا يكفي لأن يكون الحديث صحيحا، حيث أن الضابط قد يتوهم مرة في عمره، وقد ينسى، وقد يسمع شطرا من الحديث، وقد يورد عاما في محل الخاص وبالعكس، مطلقا في محل المقيد وبالعكس.
هنا لا ينطبق على العدل الضابط معصية الكذب على محمد، إذ أن محمد قد قال هذا الحديث في غير معرض، أو كجزء من حديث فات الراوي أن ينقله.

هنا يلزمنا إضافة إلى صحة السند، خلو المتن من العلة القادحة أو الشذوذ أو كونها مما لا يصلح أن يكون دليلا شرعيا.

من الشذوذ مثلا، مخالفة الرواي لمن هو أوثق منه، كمخالفة الحديث العزيز آخر مشهورا، أو مخالفة الحديث الصحيح للحديث الصحيح المتواتر أو الآية الكريمة، على أن يكون الخلاف بما يستحيل معه الجمع بينهما، إذ أن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما.
ومن العلل القادحة ما يستحيل وقوعه شرعا أو عقلا، كأن يروي أحد عامة الصحابة مباشرة أمرا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شأن من شؤونه مع زوجاته، بما لا يطلع عليه غير آل محمد.

لا يعني رد الحديث دراية بالضرورة كذب الرواة، لا الصحابي الراوي ولا من روى عنه حتى مدون الحديث.

وردنا عن أم المؤمنين عائشة عليها السلام، أنها سمعت رجلا يحدث عن ابن عمر عن عمر أنه قال حين سمع البكاء عليه بعد طعنه: مروهن فليصمتن، فإني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه. فقالت أم المؤمنين: غفر الله لأبي عبدالرحمن، ورحم الله أبا حفص، ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليقول أبدا أن أحدا من المسلمين يعذب ببكاء أحد عليه، يكفيكم كتاب الله (ألا تزر وازرة وزر أخرى* وأن ليس للإنسان إلا ما سعى*).

هذا ما قدرنا عليه، فمن أتانا بأحسن منه صرنا إلى قوله، اللهم علمنا من ديننا ما جهلنا، وفقهنا فيه!