ليس لنا الآن أن نختار - ولكنني أختار أبا بكر رضي الله عنه وأختاره لسلوكه وحكمته وواقعيته

عندما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم أصحابه بذلك، كان ذلك صدمة هائلة لجميع أصحابه فمنهم من أصمت فلم يستطع الكلام ومنهم من فقد بصره مؤقتاً ومنهم من فقد قدرته على السير (أقعد) ومنهم من فقد تركيزه وصبره لعظم المصيبة

كان أبو بكر ممن فقد صوته - فلم يقل أدنى كلمة حتى دخل على رسول الله فكشف وجهه واقترب منه ليسمع صوت نفسه فقال لما تأكد من وفاته: ما أطيبك يا رسول الله - طبت حياً وميتا

وكان خبر وفاة الرسول قد سرى في المدينة كالنار في الهشيم وكاد الناس يفقدون صوابهم حتى أن عمر رضي الله عنه قال: من قال أن محمداً مات قتلته بسيفي حتى وصل إلى أبو بكر فنظر إليه وقال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم قرأ من القرآن: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً "

نريد قائداً يملك مثل هذه الأعصاب وهذه الواقعية ويكون لنا مرجعاً في الشدائد

نريد قائداً حازما لا يسمح بالفوضى ولا يهادن الفساد. يقول أبو بكر لعمر رضي الله عنهما لما أشار عليه بمهادنة مسيلمة: أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام يا عمر؟ والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه. ويقول له لما أشار عليه بتأخير بعث جيش المسلمين لمحاربة الروم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم خوفاً من هجوم الأعراب المحيطين بالمدينة عليها ونهبها كعادتهم: أنفذ بعث أسامة، والله لو ظننت أن الطير تتخطفني لما عدت عن ذلك (او بما معناه)

لا نريد رمزاً ولا بطلاً فلدينا ما يكفي من الرموز والأبطال عبر التاريخ

نريد قائداً واقعياً أو لنقل براغماتياً ينظر إلى مصالح الناس ولا يحكم لوحده بل يكون جزءاً من مؤسسة ولا يستبد برأيه ولا يكون مقدساً بشخصه ولا فارساً بطلاً مغواراً بل جزء محدود من مؤسسة غير منفردة بالسلطة - حكيم قوي يرجع إليه في الشدائد - حتى إذا مات لم نمت معه ولم نعبده ولم ننصب إبنه أو أقرباءه حكاماً وأئمة ولم ننتظر فرجهم أو قدومهم من السماء

لا نريد بطلاً يهزم جيش العدو لوحده بسياسته وحنكته ويكون معه جيش من الملائكة أو الجن كسليمان عله السلام، بل نريد أن تكون الأمور بيدنا - لا نريد من يتحمل مسئولية الهزيمة ولا من يكسب شرف النصر فلسنا في وارد تحمل الهزائم ولا عزاء لنا باعتذاره كما فعل عبد الناصر كما أنه ليس هناك ما يجبرنا على تكليله بالغار إن انتصرنا بدماءنا وجهادنا

نريد حاكماً يخدم مصالحنا ويجمع كلمتنا ويكون لمجموع الناس من السلطة أكبر مما له هو. لا نريد أحداً يقول أنه أب رحيم ولا والد عطوف - بل شخص يعترف ويقر برغبته في القيادة من خلال حزبه وحلفاءه السياسيين وتمنح له هذه الرغبة بناء على قرار أغلبية الناس ويقر أنه مستفيد ومنتفع بهذا الموقع ويحدد مقدار انتفاعه ويكون مجزياً - كما أن بالإمكان عزله ومحاسبته ولا نكون بذلك قد خنّا الوطن ولا أغضبنا الله - وأن يكون هناك دوماً من ينافسه في خدمتنا وطلب ودّنا وأصواتنا وينتقد أفعاله ويراقبها يكون لنا الحرية في انتقادهم جميعاً وطلب البديل وتقرير مصالحنا والمطالبة بها

هذا ما ورد في ذهني الآن - أقول ذلك ودماء علي ابن أبي طالب ودماء الحسين رضي الله عنهما تجري في عروقي وما كنت لأحب أحداً حبي لأهل بيت النبوة الكرام الذين أنتسب إليهم وأتشرف بهم ولكن كفانا أبطال ومنتظرين ولنبدأ العمل بأيدينا