لا أصدق أن الأربعاء قد هلَّ وحلَّ وهبط علينا أخيراً، لأرى ما تفتَّقت عنه "نفسيّة" صاحبتنا البريئة "دينا" في هذا الأربعاء المعطاء.

فقد بات موضوعك يا دينا مثل محطة صباحية أو مسائية، لا بد أن أمرّ عليها، حتى وإن كنتُ أعلم أنها مغلقة كل الأيام إلا يوم الأربعاء. فالإنسان لا يركن إلى اليقين، ولا إلى المعلوم، بل يركن فقط إلى حواسه الخمس والعين إحداها.

فأمرّ من هنا كل يوم تقريباً، ألقي نظرة وأغادر، حزيناً بعض الشيء، غير مكترث بعض الشيء، فأنا أعلم أن الأربعاء موعدك، لكن بعض الأمل -الذي خاب- حثني وشجعني، ثمَّ انطفأ ليعود بعد حين يعلّل النفس بلقاء في اليوم التالي، رغم اليقين العقلي أنّ اللقاء لن يكون إلا يوم الأربعاء.

والحقيقة، أنني قصدتُ كلمة "نفسيّة" لا كلمة "عقلية" او "عبقريّة"، وذلك لأن "دينا" تعيش بنفسيتها لا بعبقريتها أو عقليتها وذلك منذ بعض الوقت.

ودينا ذكية، فهي تعرف أن بعض أسرار النفسيّة ليست للإفصاح. فرغم أن شخصيتها الحقيقية مخفية بمهارة -على ما أظن- لكنها تعلم أنه كما أن للبيوت أسرار فللنفسيات أسرار أحقُّ بالحفظ والصون من عبث العابثين.

ونفسيّة دينا تتمنى ما يتمناه كل امرئ في لحظة من لحظات الحياة، فهل يعود الزمن لأمحو هذه الغلطة أو تلك؟! فلولا هذه الغلطة او تلك، لكنتُ الآن على قمة السلم، او في وضع جيد، او في وضع يسمح لي أن.... او ... أو...

لكن هيهات لعجلة الزمان أن تدور للوراء. فلو أحبَّت أمريكا أو كرهت، ولو تشوق بوش أو كره، فإن العجلة خُلِقت لتسير في اتجاه واحد لا يتوقف ولا يعود.

وما علينا نحن المنصاعون لهذه العجلة، الخاضعون لأوامرها وحركتها، إلا أن "ننسى" أو "نتناسى" أو "نمثّل أن نسينا".

ولكن الأفضل من هذا كلّه هو "أن نواجه قراراتنا" أو "افعالنا" الخاطئة ونتفاعل معها بكلّ شجاعة.

آه، تباً لي ما أسهل الكلمات تخرج من فمي (أو من عقلي عبر لوحة المفاتيح)، فكم قاسيت وعانيت كما تعاني دينا اليوم ولم أجد لي من مخرج؟!؟! حقا، تباً لي ، كيف أكتب كلمات سهلة التلفّظ، صعبة التحقيق؟! يا لي من منافق!!!

لكنني لا أكتب حتى يعتقد البعض (أو تعتقد دينا) أني عبقريُ زماني وقاهر أخطائي ومتخطي نزواتي، بل أكتب لأنّ الواقع الوحيد المقبول والمتاح، يجب أن يقبع هناك في الضوء، واضح المعالم لكلِّ واحد منا وأمام ناظرنا.

وإزاء الواقع المجابه بكلّ شجاعة، هناك طريقان:

إما التفاعل مع هذا الواقع والتصرّف معه بما يتماشى والواقع الجديد: أنه غلطة لكن لا سبيل للتراجع عنها
أو مواجهة الواقع، والاعتراف أن ما حصل خطأ، وأنه لا يمكن أن يستمر. ومن ثمّ تحمل جميع العواقب والتفاعل معها.

وكلا الخيارين مرّ. لكن المرارة هي التي تنمي الإنسان وتفتح أمامه آفاق كثيرة وجديدة.

والحقيقة أنّ المرارة هي أيضاً التي تدفع بالإنسان إلى اليأس والتقوقع والدمار. فيشيب ويذوي قبل أن يشيب رأسه ويتجعد وجهه.

على آية حال يا دينا العزيزة،

لن تنفعك العودة إلى الوراء وأنتِ في هذه السنّ الصغيرة

صغيرة؟!؟!

طبعاً فأنتِ طفلة صغيرة يا عزيزتي، ولكنك محظوظة. محظوظة لأنّك بهذا الوعي والانفتاح في مثل هذه السنّ، وعليه فأمامك الكثير الكثير من الوقت، ومن السنوات لتحققي فيها الكثير الكثير مما فاتنا نحن الذين ضرب المشيب رؤوسنا وأكلت التجاعيد وجوهنا، ورحنا نبكي الزمن الماضي الذي ضاع هباء، بينما العمل الملقى على عاتقنا كبير وثقيل.

أنظري إلى 3/4 أرباع عمرك المتبقية، وقرّري : ماذا ستصنعين بكلّ هذا الزمن الموضوع تحت تصرفك وفي خدمتك؟!

تحياتي القلبية