في رد الزميل نيوترال على الزميل داعية السلام مع الله ، الكثير من النقاط المثيرة والجديرة بالملاحظة :

1- هو ينطلق من هذه المقولات ، التي يعتبرها مسلمات لا تحتاج أي نقاش ولا جدال :
أ- الحرية حق بديهي ، لزوميتها للإنسان كلزومية الرؤية للعين ، فكون الإنسان موجود يعني أنه حر .
ب- الدين يعني بالضرورة لا عقلانية ، والعلاقة بين الدين والعقلانية علاقة صراع ... وشخص متناقض ، ذاك الذي يدعي العقل والدين .
ج- الإيمان بنوع من الحتمية ، في إنتهاء الصراع - المفترض - بين العقلانية والأديان ، لصالح العقلانية .


هذه المنطلقات والمسلمات ، التي تكتسي طابع القدسية التامة ، التي يسعى نيوترال عن طريق عملية توظيفه ملكنه في السخرية من نزعها - أي القدسية - من الآخرين . فالمقدس ، دوما ، هو فوق النقاش ، وغير قابل للأخذ والرد ، وهو فوق كل ذلك ، يكفيه أن يحضر بذاته ، ليكون حجة لنفسه ، ولا يلزمه الاستناد لشيء آخر . وهذا هو بالضبط ما يفعله نيوترال ، عندما يقول أنا أفعل هذا الشيء وذاك الشيء ، لأني حر . فهو يرى في الحرية هنا نوع من التقديس ، بحيث أن مجرد الإتصاف بها ، يبيح له أن يتصرف بانواع من التصرفات .

وعند هذه النقطة ، ينطبق عليه تماما ، ما قاله عن داعية ، فهو - أي نيوترال- يرى نفسه يختلف عن داعية وأبانوب ، ولكنه مثلهما تماما يشاركهم في الإنتماء لمفهوم مقدس ، يبيح له أن يفعل هذا وذاك . فهو لأانه حر ، مباح له أن يسخر من كل دين ، وهذا لأنه مؤمن مباح له أن يفرض قيمه الأخلاقيه عن طريق الوعظ ، وذاك لأنه مؤمن يحق له أن يبشر بكل مفاهيمه وأن يستغل الجهاز العاطفي لدى الإنسان . عملة واحدة ، لكنها ليست رديئة ، إذ أنها الطبيعة البشرية .. النزاعة دوما إلى تقديس شيء ما ، ووضعه فوق النقد .


2- ينفي نيوترال وجود أي اهتمام لديه في في مطالعة كتب الأديان ، التي يصفها بأفضل ما جادت به قريحته الساخرة من اوصاف . ومع هذا فهو يحكم عليها بانها ضد العقلانية ، وأنها سبب كل مشاكله الإجتماعية والنفسية ، بل حتى مشاكله مع جيرانه ، وبأنها تحمل في جنباته كل ما يمكنه ان يملا هذه الدنيا خرابا . كل هذه الأحكام الجازمة ، رغم أنه يعترف بأنه لا يضحي بجزء من وقته في مطالعة كتب هذه الأديان . تجده يستخف بمعجزات الاديان ، رغم أنه لا يعرف شيئا عنها ، ولا يكلف نفسه جهدا قليلا في مراجعة معلوماته .

ماذا نسمي هذا ؟

لن أدخل الآن في محاظرة طويلة وعظية وقيمية ، إذ أني لا اجيد هذه الامور .. كل ما سأقوله : أن نيوترال يطرح بين ثنايا سطوره أزمة الليبرالي على مر العصور .

فالليبرالي يرفع شعار " الحرية " كقيمة عليا ، تتربع على عرش القيم ، وأنها معطى طبيعي ، يقتضيها مجرد وجود الإنسان . وكل هذا دون أن ينظر إلى الحرية كمفهوم ، لابد له أن يتأسس على قاعدة ، وهذا ما حاولته الماركسية والهيجلية والوجودية وغيرها .

فالليبرالي ، في نضاله الطويل وصراعه الدائم في سبيل الحرية ، لا يقع أبدا في مجال المفكر فيه عنده هذا السؤال ، فضلا عن إجابته : مالذي يجعل من الحرية حقا ؟



أخيرا ، وحتى نبقى في نطاق الموضوع ، إجابتي على سؤال نيوترال :

أولا ، النادي لم يقدم نفسه على أنه نادي لا ديني هدفه التعرض لمعتقدات الناس ، وان كان يقوم ببعض من هذا على أرض الواقع .

ثانيا ، عندما أسجل في نادي حواري ، فأنا لا أبحث عن " مأوى " و " ملجأ " يتوافق مع معتقداتي ، لا أبحث عن الامان ، بقدر ما أبحث عن الحوار ، والإختلاف .

من هنا .. بنية السؤال نفسها خاطئة ، فهي تنطلق من أن الناديل لاديني ، ومن ان الغاية من التسجيل هي البحث عن التوافق العقائدي .



شكرا