أورانوس - سأجيبك من تجربتي الشخصية

بالإضافة لكل المعاني والمشاعر التي تعنينا نحن المسلمين هناك نواحٍ إضافية ربما تكون مقنعة لك من وجهة نظر براغماتية

الحج رحلة طويلة وصعبة على عموم الناس تجبر الإنسان الذي قرر أداءها أن يتعلم التخطيط والتنظيم ربما قبل سنة أو أكثر، وأن يجمع المال الكافي (وبالتالي أن يكون أنساناً منتجاً فعالاً)،

وتجبره أن يكون كريماً وليس بخيلاً شحيحاً بحيث ينفق هذه المبالغ الكبيرة بلا تردد،

إن فرضية هذا الأمر تتساوى على النساء والرجال البالغين المكلفين المستطيعين مالياً وصحياً، فهذا أمر آخر يعزز أهلية المرأة وتكليفها كالرجال،

حتى يصح الحج يجب على الإنسان أن يقضي الديون التي عليه قبل أداءه وأن يرد المظالم إلى أهلها ويعتذر إليهم ويطيب خواطر الناس قبل سفره،

هذه الرحلة تمنع الإنسان أن يكون كسولاً بليداً جباناً ملتصقاً بالإرض في قريته أو مدينته أو جزيرته، وتطلب منه أن يتشجع ويتحرك ويسافر إلى بلد آخر ويتحمل مشاق السفر ومخاطره وكلفته

بالإضافة إلى انتفاء التمييز العرقي أو المالي بين الناس أثناء الطواف ورمي الجمار، فلا أسود ولا أبيض ولا غني ولا فقير له أي ميزة على بقية الناس إلا بينه وبين ربه بتقواه وحسن أخلاقه،

كل الحجاج يلبسون غطاء قطنياً مستطيلاً غير مخيط وشبيه بالكفن وارتداء هذا اللباس لعدة أيام والحركة به بدون أي ملابس أخرى هو أمر متعب وشاق، يعلم الإنسان الصبر وطول البال ويشعره بنعم كثيرة لا يحس بها في الأيام العادية وهي لطف ملابسه المخيطة ونعومتها وسهولتها،

وجودك في بحر متلاطم من البشر من مختلف البلدان واللغات ومع ذلك قدرتك على التفاهم معهم والتواصل بلغة الإشارة، كثير من هؤلاء الناس هم من عامة الناس وفقراءهم، وكبار السن وأهل القرى، تحس بطيبتهم ورحمتهم ودماثة أخلاقهم،

في الحج ليس هناك منافسة ولا تحدي ولا سخرية من فقراء الناس وبسطائهم، وليس هناك غضب ولا سلطة، رغم وجود كل الظروف التي قد تستفز الإنسان، ولكن من أنت حتى تغضب وتتسلط؟ عليك أن تتحمل أخطاء كثير من الناس معك وتجاوزهم عليك وأن يكون لديك الإيثار حتى وإن آثروا أنفسهم عليك وغضبوا وجهلوا هم عليك، وعليك أم تمسك نفسك عن الخطأ والغضب وسوء الخلق، و إلا خسرت ثواب حجك كله إن لم تحمل وزراً إضافياً

في الطواف والرجم وذبح الهدي عليك أن تتعلم النظام والرحمة بالمسلمين ومراعاتهم، وحسن التنظيم والتوقيت، والإيثار، والكرم، والصبر، كل هذه الأمور البراغماتية (الملموسة مادياً) تنعكس على حياة الإنسان وواقعه بعد عودته لدياره - وهناك الكثير مما لم أقله وهو علاقة الإنسان بخالقه وهو مما ليس له وزن ولا ميزان عند البراغماتيين الماديين فتجنبت تقديمه إليهم.