من السهل أن نعلق عيوبنا على مشاجب تريحنا من التفكير بحل يخرجنا من واقع التخلف الذي نرزح تحت وطأته!!
نعيب زماننا، ونسب الدهر، وما الدهر إلا الله سبحانه في سننه ومقاديره!
نتعلق بنظرية المؤامرة، وما المؤامرة إلا إحدى تجليات خور النفس، وضعف مناعتها، وسيطرة الجراثيم الفتاكة على جسد غير محصن من الداخل (بلى إن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا)..
نتعلق بغزو المستعمرين، واستخرابهم لشعوبنا، وما الاستعمار إلا قابليتنا أنفسنا لذلك الاستعمار، واستخذاؤنا وعدميتنا واستلابنا لقيمه وأهدافه ومخططاته! (قل هو من عند أنفسكم)
نتعلق بأقدار الله، ونقضي على ملكاتنا بجبرية قاتلة، (وطائفة قد اهمتهم انفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الامر من شئ قل ان الامر كله لله يخفون في انفسهم مالايبدون لك يقولون لو كان لنا من الامر شئ ماقتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم وليبتلي الله مافي صدوركم وليمحص مافي قلوبكم والله عليم بذات الصدور)، ولا نعلم أن مقاومتنا فيما لو أردنا المقاومة هي من قدر الله النافذ، ومشيئتنا الجازمة من مشيئة الله، (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله)!
ننطلق كالأطفال والمجانين، نرفث ونفسق ونجادل بلسان ماجن، وقلب عاطن، ووسواس كامن، فلا نترك مقدسا ولا معصوما ولا شعيرة إلا لوثناه بقبيح ما يعتور فينا من أمراض، وما نعلم أننا لا نرى أبعد من أرنبة أنفنا، ولا نقوم الآخرين إلا بمرآة طبعنا!!!


ولو أنا كنا أقرب للتحضر من غيرنا، لما جازفنا بأن نتعلق بالأوهام، ومشاجب التهرب من علاج أزمتنا الحقيقية!!
نعم نحن متخلفون، ونصف العلاج أن نؤمن بهذا جميعا، وكلنا في التخلف شرق وعرب!!

قد يتراءى تخلفنا في صورة حادثة في كنيسة، كما حصل مع أولئك الأقباط الذين ثاروا لامرأة دخلت الإسلام! لكن قصر هذا التخلف على الكنيسة هو نوع من التعصب الأعمى!

قد يتراءى تخلفنا في صورة ما حدث على جسر الأئمة في بغداد قبل أشهر، ولكن تسليط الضوء على ما حصل في ذلك المشهد الشيعي الدامي صورة أخرى من صور التعصب الطائفي الذميم ضد الشيعة والتشيع...

قد يتراءى ذلك التخلف في صورة ما حدث في مسرح مصر قبل أشهر قليلة، ومسرحية استقالة فاروق حسني وإعادة مبارك له وووو، فمن نظر لهذه الصورة، أو إلى صورة بلطجة حزب جمال مبارك في الانتخابات الأخيرة بمنأى عن باقي العربان، سيكون عنصريا متعصبا، وسنتهمه جميعا بكراهية مصر والمصريين لأننا جميعا في هذا التخلف نسخ مستنسخة!

قد يتراءى ذلك التخلف في صورة ما تقترفه كتائب الأقصى وبعض ميليشايات فتح في غزة مؤخرا، ولكن قراءة هذا المشهد في منأى عن سلوك العرب جميعا سيجعلنا منحازون ضد شعب من الشعوب العربية، أو فصيل من الفصائل الوطنية، في حين أن الجميع يعاني من ذات الأزمة...

هذا التخلف يظهر في مباريات الكرة كل موسم، وليس بخاف ما حصل في ملعب القامشلي بين فريق الفتوة والاتحاد، والضحايا التي قضت والأزمة التي تفجرت جراء تعصب وغل متخلف بين داحس وغبراء القرن الحادي والعشرين!!!!

النظر لما جرى على جسر الجمرات خارج هذا الإطار هو نوع من الانحياز، والتظاهر الحضاري، والاجتراء غير المبرر...

ليس جسر الجمرات ولا مسرح مصر ولا ملعب القامشلي ولا حدود رفح ولا كنيسة الاسكندرية ولا عمارة لؤلؤة مكة، ولا اللجان الانتخابية التي داهمتها بلطجيات جمال مبارك، ولا ما حصل في الثامن من آذار بساحة العباسيين في دمشق العام المنصرم إلا مناطا لتنزيل تخلفنا....

لا تسبوا الملعب والمسرح والمسجد...
لا تعيبوا الزمان
لا تتعلقوا بمشاجب الزحلقة
لا تتهربوا من مواجهة عقدكم...

إنه تخلفنا نحن أيها السادة

لا الله
ولا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
ولا الكنيس ولا المعبد ولا المسجد ولا الجسر ولا المسرح ولا الملعب ولا البرلمان...

قل هو من عند أنفسكم

أيها السادة

(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)

وخير من أن تسبوا الظلام

أوقدوا شمعة في ظاهرة التخلف التي نرزح جميعا تحت وطأتها....

كنت على جسر الجمرات في ذلك اليوم المشهود...

وتوقعت أن يكون متخلفون كهؤلاء المساكين، عرضة لمثل هذه الكوارث!!

الحج ببساطة هو مرآة لحال المسلمين....

وحتى لا تخدعنا بعض الصور الحضارية في دبي والرياض وجدة والقاهرة والمنامة...

تعالوا ننظر من خلال هذا الموسم المبارك إلى واقع حالنا...

فإن رأينا ما نراه من تخلف وجهل وفوضى...

فلنتوجه باللائمة على أنفسنا، قبل أن نجأر إلى ربنا بأن يحقق لأمتنا شهودها الحضاري!!!

أمة متخلفة كالتي نراها اليوم، لا تستحق أن تكون شهيدة على الناس، أو أن يكون الرسول عليها شهيدا...

وربما سيفاجا صلى الله عليه وآله وسلم يوم الشفاعة، ويقول: (يارب: أمتي أمتي!!)، بجواب الباري عز وجل: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك!!)

هذا هو الحج وهذا ما يلوح لي من حكمته!

إنه مرآة حقيقية لهذه الأمة، فما دامت ترى فيه من صور السلوك المتخاف ما ترى، فلترجع إلى نفسها توعية وتقويما...
حتى إذا رأت في المواسم القابلة ما يسرها فلتحمد الله عليه ولتطور أداءها...

ما أراه شخصيا بعد ست وعشرين حجة، أن التقدم الحضاري بطيئ جدا، ولا أقول معدوم...

ونتحمل جميعنا نصيبنا منه...
أحزابا ونخبا وشعوبا ومؤسسات ومنظمات مجتمع مدني وحكومات وهيئات عالمية

واسلموا لود واحترام(f)