يقول المعري: تعب كلها الحياة فما أعجب إلا من راغب في ازدياد
لا علاقة لهذا البيت بمضمون اللوحة الحالية الذي يعاكسه تماماً على ما خُيّل إلي ...
لا أثر للحزن في وجه هذا الرجل، بل إن ملامحه تكاد أن تكون خرساء ... لأنه يعيش لحظات يبتعد فيها المرء أحياناً عن الانفعال بكل صوره، فيسترخي بهدوء، ويصمت وجهه عن النطق بما في داخله مسترسلاً في عالم آخر من إبداع مخيلته يساعده على متابعة الاسترخاء والاستمتاع بإحدى أطيب متع الحياة ... الراحة واللامبالاة.
فالقلق مصيبة
و ال ( تطنيش ) حكمة
وهجر مشاكل الحياة ولو للحظة كاف لشعور غامر من سعادة خاصة لا يمكن الحصول عليها بدون ثمن مكلف من ( الطناش ).
من اتجاه البيت البعيد (أبوابه ونوافذه) واتجاه ظل الشجرة نعرف أن الوقت هو الصباح. ومنه نعرف أن هذا العجوز قد أراح نفسه من العمل، لربما نوع من التقاعد. فوجود ذلك المنزل الكبير يعني بلا شك وجود عائلة؛ ويعني أن عجوزنا مطمئن اقتصادياً عبر قناعة تنم عنها ملابسه.
شبه كبير يبدو واضحاً بين العجوز وبين بقية عناصر اللوحة:
فلا فرق كبيراً بين تغضنات وجهه وبين ثنايا جذع الشجرة الأولى. وكلاهما قد أدى دوره ويحيا مرحلة الانتظار ...
والشبه بينه وبين البيت البعيد ليس بعيداً! فكلاهما متطرف في سكونه، وكلاهما عتيق في سنونه، وكلاهما بالنسبة لمشاكل الحياة: لامباليان.
الإنسان حاضر بقوة في أعمال كاتوزيان، والمشاعر الإنسانية هي البطل الوحيد للوحاته.
ودائماً دائماً يسحرني بمقدرته الفائقة على تصوير ملمس المادة (نسيج المادة). دائماً أشعر أنني إاذ ما مددت يدي إلى الشجرة فسألمس خشباً وليس قماشاً مطلياً فحسب. حتى أنني أكاد أشعر بدفء وطراوة وجه العجوز بدون أن ألمسه. ويبدو واضحاً أن كاتوزيان يستعرض هذه المقدرة بثقة المتمكن الحرّيف.