{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
الخيميائي, باولو كويلو
قارع الأجراس غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 262
الانضمام: Dec 2005
مشاركة: #3
الخيميائي, باولو كويلو
[CENTER]الجزء الثاني



لم يكن قد مضى أكثر من شهر على عمل الشاب عند بائع الزجاجيّات، لكن هذا العمل لم يكن هو الذي يطمح إليه حقاً، فالتاجر لم يكن يكفّ عن التذمر طوال النهار، آمراً إيّاه من وراء طاولته بأن ينتبه على الدوام إلى الحاجات المعروضة خشية أن ينكسر منها شيء، ولكنه بقي، فعلى الرغم من أن التاجر كان متذمّراً، فهو على الأقل لم يكن ظالماً، فقد كان يتلقّى منه عمولة لابأس بها لقاء كل قطعة تُباع، وقد استطاع حتى الآن ادخار بعض المال، وبعد أن قام بحساباته هذا الصباح، ألفى أنه لو عمل طوال اليوم، وبنفس هذه الشروط للزمه عام كامل كي يستطيع شراء بعض الأغنام.
- إنني أود ولو أقوم بعرض الزجاجيّات خارج المخزن، سيكون من المستطاع وضع رف في الخارج، إنه سيجذب المارّة من هناك في أسفل الجبل.
- لم يسبق لي أن فعلتُ شيئاً مماثلاً ـ أجاب التاجر ـ رفّ ! إن الناس ستصطدم به في الممر، والزجاج سوف يتهشّم.
- عندما كنتُ اطوف بأغنامي في القرى، فقد كان من الممكن أن يتعرّض بعضها للدغة أفعى، وتذهب ضحيّة ذلك، هذا الخطر يشكّل جزءاً من حياة الأغنام والرعاة.
راح التاجر يلبّي طلبات أحد الزبائن، لقد باع الآن ثلاث مزهريات من الكريستال، فقد نشط البيع أكثر من أي وقت مضى، وكأن العالم قد عاد إلى ماكان عليه عندما كانت الطريق المؤديّة إليهم واحدة من أهم الطرق التي تجذب الزبائن في " طنجة ".
- أصبح المارّة يتزايدون أكثر فأكثر ـ قال التاجر لمستخدمه عندما انصرف الزبون ـ وإن مانكسه الآن يمكن أن يؤمّن لي معيشة أفضل، ويمكن أن يسمح لك بشراء أغنامك في وقتٍ وجيز، ماذا نريد من الحياة أكثر من هذا؟
- هذا لأنه يتوجد علينا أن نقتفي العلامات ـ أجاب الشاب دون تفكير ـ لكنّه تأسف لأنه تكلّم هكذا، فالتاجر لم يكن قد مُنّي أبداً بفرصة لقاء ملك.
- هذا هو ماداعه الشيخ " المبدأ المناسب " أو " حظ المبتدئين "، لأن الحياة تريد للإنسان أن يحيا أسطورته الشخصية.
على كل حال، فهم التاجر جيداً عم كان يتحدثه مستخدمه، فحضور هذا الأخير يمثّل بحد ذاته علامة، وعلى مر الأيام وبازدياد المال الذي صار يكسبه بعد مجيئه لم يعد نادماً على استئجار هذا الشاب الأسباني، غير أن أجر هذا الأخير كان أكثر من العادي، وبما أنه كان يعتقد بأن البيع سيسر أيضاً نحو الأفضل، فإنه قد دفع للشاب مايستحقه كعمولة. لكن حدسه كان ينبئه أن الشاب سيعود عمّا قريب إلى أغنامه، سأله كي يغيّر الحديث بخصوص عرض البضائع:
- لماذا كنتَ تريد الذهاب لرؤية الأهرامات؟
- لأنهم تحدّثوا لي كثيراُ عنها ـ أجاب الشاب متحاشياً الكلام عن حلمه.
فالكنز صار الآن مسألة ذكرى مؤلمة باستمرار، وكان يحاول أن يمنع نفسه من التفكير به بعد.


قال التاجر:
- إنني ماعرفت أحداً هنا أراد اجتياز الصحراء فقط كي يرى الأهرامات، فهي ليست إلا كومة من الحصى، حتى أنك لتستطيع أنت أن تبني لنفسك هرماً في حديقتك.
- إنك لم تحلم إطلاقاً بالسفر ـ قال الشاب وهو يمضي ليلبي طلب زبون آخر آتى لتوّه إلى المخزن.
وفي اليوم الثالث، عاد الشاب إلى التحدّث مع معلّمه عن رف البضائع، قال:
- أنا لا أحب التغيير كثيراً، فأنتَ وأنا لسنا من " حسان "، ذلك التاجر الغني الذي لن يتأثر أبداً في حال خسارته بصفقة، أما نحن الإثنين، فسوف يتوجب علينا أن نتحمّل تبعة أخطائنا.
- هذا صحيح ـ أجاب الشاب.
سأل التاجر:
- لماذا تصرّ كثيراً على رفّ العرض هذا؟
- أريد العودة بسرعة إلى أغنامي، وعندما تهب رياحنا فعلينا أن نغتنمها، وأن نعمل مابوسعنا كي يحالفنا مايسمونه بـ " المبدأ المناسب " أو " حظ المبتدئ " .
بقي التاجر صامتاً للحظة ثم قال:
- منحنا النبي القرآن، الذي فرض علينا خمسة فروض فقط، علينا مراعاتها في حياتنا، الأكثر أهميّة منها هو ذا: وحدانية الإلة، والفروض الأخرى هي: الصلاة خسمة أوقات في اليوم، صيام رمضان، وواجب الزكان لمساعدة الفقراء، صمت بينما كانت عيناه مغرورقتين بالدموع وهو يتحدّث عن النبي. كان رجلاً ورعاً للغاية، وحتى لو كان يبدو غالباً لجوجاً ونافذ الصبر، فإنه يجهد للعيش منسجماً مع الشرع الإسلامي.
- وماهو الفرض الخامس ؟ ـ سأل الشاب
- منذ يومين سألتني إن لم أكن قد حلمتُ إطلاقاً بأحلام السفر. الفرض الخامس هو أن يقوم كل مسلم مؤمن بالسفر. فأنه يتوجب علينا أن نقوم خلال عمرنا برحلة واحدة على الأقل إلى مدينة "مكة المكرّمة". فـ " مكّة " أيضاً هي مدينة تبعد عنا أكثر من الأهرامات. وعندما كنت فتيّاً فضّلت أن أستثمر القليل نم المال الذي كنت أملكه في شق طريقي في هذه التجارة، على أمل أن أصبح غنيّاً، وأملك المال، لكنني لم أكن لأستطيع أن أعهد لأحد بعناية الزجاجيّات، لأنها أشياء حساسة، حينذاك كنت أرى مجموعات من الناس يمرّون على مخزني، في طريقهم إلى " مكة " ، كان من بينهم حجاج أثرياء يرافقهم موكب من الخدم، وجمال لكن معظمهم كان أكثر فقراً مني. كلّهم كانوا يذهبون ويعودون سعداء، وكانوا يضعون على أبواب مساكنهم رموز قيامهم بالحج، وأحد أولئك الحجيج كان حذّاءً، وكان يعيش من خلال إصلاح أحذية هذا وذاك، وقد أخبرني أنه قد مشى عاماً بكامله في الصحراء، ولكنّه كان يشعر بالتعب أكثر عندما كان يتوجّب عليه المرور على منازل كثيرة في " طنجة " لشراء الجلد.
سأل الشاب:
- لماذا لاتذهب الآن إلى مكّة ؟
- لأن مكة تجعلني اتمسّك بالحياة، وهي التي تمنحني القوة لتحمّل هذه الأيام الرتيبة، وهذه المزهريات المنضدة على الرفوف، والغداء والعشاء في هذا المطعم البائس، وأخشى أن أحقق حلمي، ثم أفقد كل رغبة بأن أبقى حيّاً. أما أنت ... فإنك تحلم بالأغنام، وبالاهرامات، أنت لست مثلي لأنك تريد تحقيق أحلامك، أما أنا فكل ما أريده هو أن أحلم بـ " مكة "، لقد تخيّلت من قبل آلاف المرات، عبور الصحراء ووصولي إلى الساحة التي يوجد بها الحجر المقدّس، والدورات السبع التي عليّ ان أتمّها قبل أن أستطيع لمسه، وتخيّلت من سيكون بجانبي أو أمامي، من الأقاويل والدعوات التي سنقولها ونتبادلها معاً. لكنني أخشى ألا يكون ذلك سوى خيبة كبيرة، ولهذا أفضّل أن أكتفي بالحلم.
وفي ذلك اليوم سمح التاجر للشاب بإنشاء رف عرض البضائع، فليس بنفس الطريقة يعيش الناس كلّهم أحلامهم.


× × ×

مرّ شهران، وصار رفّ البضائع يجذب إلى المتجر عدداً كبيراً من الزبائن، الأمر الذي جعل الشاب يحسب أنه سيستطيع خلال أشهر ستة العودة إلى أسبانية وشراء ستين غنمة، فبأقل من عام سيستطيع مضاعفة قطيعه، وأن يتاجر مع العرب لأنه نجح في تعلّم هذه اللغة الغريبة.
منذ هذا الصباح المشهود على أرض ساحة السوق، لم يعد يستخدم أبداً أوريم وتوميم، لأن مصر قد أصبحت بالنسبة له حلماً بعيد المنال، حلماً يبعد عنه كما تبعد مكّة عن بائع الزجاجيّات، على كل حال صار مقتنعاًَ بعمله الآن، ولم يكن يتوقف عن التفكير باليوم الذي سيرسو فيه كمنتصر في "طريفه".
- تذكّر دائماً أن تعرف ماتريد ـ هكذا كان قد قال الملك العجوز، والشاب كان يعرف مايريد أن يعمل في هذا الصدد.
فمن الممكن أن يكون كنزه هو أن يأتي إلى هذه الأرض الغريبة، وأن يلتقي بسارق، وأن يضاعب أغنامه مرتين دون أن ينفق قرشاً واحداً.
كان فخوراً بنفسه، لأنه تعلّم أشياء هامّة كتجارة الأواني الزجاجيّة، لغة دون كلمات، وتفسير العلامات.
في عصر ذات اليوم، رأي رجلاً في أعلى المرتبفع، كان هذا الرجل يشكو لأنه لم يستطع أن يجد مكاناً مناسباً يشرب فيه شيئاً مابعد كل هذا العناء، من تسلّق المنحدر.
كان الشاب يعرف الآن لغة العلامات فراح يبحث عن معلّمه ليكلّمه قائلاً:
- علينا أن نقدّم الشاي للناس الذين يتسلّقون المنحدر.
أجاب التاجر:
- يوجد هنا الكثر من الأماكن التي يمكن أن يُشرب فيها الشاي.
- سيكون بإمكاننا تقديم الشاي إلى الزبائن في أقداح من الكريستال، بهذه الطريقة سيُعجبون بالشاي، وسيبتاعون الأواني الزجاجية لأن أكثر مايفتن الناس هو الجمال.
أخذ التاجر يطلب رأي مستخدمه دون أن يجيب بشيء لكن في ذلك المساء بالذات، وبعد أن أدى صواته، وأغلق مخزنه، جلس على الرصيف، ثم دعاه إلى تدخين النرجيلة، هذا الغليون الغريب الذي يدخّنه العرب !
- وراء أي شيءٍ أنت تجري؟ سأل تاجر الزجاج العجوز.
- كنت قد أخبرتك أنني بحاجة إلى تعويض أغنامي، ومن أجل هذا يلزمني المال.
وضع الرجل جمرات جديدة في النرجيلة وأخذ نفَساً طويلاً.
- ثلاثون عاماً مرّت على إدارتي هذا المخزن، فإنا أعرف الرجاج الجيّد من الرديء، واعرف بعمق خصوصيات هذه التجارة كلّها، فأنا معتاد على مخزني، وعلى حجمه، وعلى زبائني، ولو شرعت في بيع الشاي بأقداح من الكريستال، فإن القضيّة ستزداد أهميّة أكثر فأكثر، وسيتوجب علي أن أغير طريقتي في الحياة.
- ألن يكون في هذا شيء حسن ؟
- أنا معتاد على نمط حياتي، فقبل مجيئك كنت أفكر بأنني قد أضعت وقتي بالمكان نفسه، بينما أصدقائي كلهم، على العكس، قد غيّروا أعمالهم، فبعضهم خسر، وبعضهم من ازدهر عمله، وهذا ماجعلني أغرق في الغم، وأنا أعرف أن الأمر لم يكن فعلاً هكذا،
- فقد أصبح مخزني بالمستوى الذي كنت أتمناه دائماً، ولا أريد التغيير لأنني لا أعرف كيف أتغير، وقد أصبحتُ منسجماً مع نفسي.
لم يكن الشاب يعرف مايقول، عندئذٍ أردف العجوز:
- لقد كنتَ بالنسبة لي بركة وها أنذا اليوم أفهم شيئاً: أن أية نعمة تُرفض يمكن أن تنلقب إلى نقمة، فأنا لا أنتظر بعد شيئاً من الحياة، وأنت، أنت تجبرني على استشفاف ثروات، وآفاق لم تخطر على بالي، وقد عرفتها الآن، وعرفت إمكانياتي اللامحدودة، وسأتألم كثيراً لأنني لم أكن هكذا من قبل، لأنني أدرك الآن إنني أستطيع امتلاك كل شيء، لكنني لا أريد ذلك.
- لحسن الحظ أنني لم أكن قد قلت شيئاً لبائع البوشار ـ قال الشاب في نفسه.
تابع الإثنان تدخين النرجيلة والتحدث باللغة العربية، بيمكا كانت الشمس تميل للغروب...
كان الشاب مسروراً لأنه يتكلم العربيو فمنذ عهد بعيد اعتقد أن نعاجه تستطيع تعليمه كل شيء، لكنها كانت عاجزة عن تعليمه اللغة العربية.
- هناك أشياء أخرى في العالم لا تُحسن النعاج تعليمها للإنسان، فكّر وهو ينظر للتاجر دون أن يقول شيئاً، هذا لأنها لاتبحث عن أي شيء آخر غير الماء والكلأ، أظن أنها ليست هي التي تعلم، وإنما انا من يتعلم.
- " مكتوب " ـ قال التاجر أخيراً.
- ماذا يعني هذا؟
- كان يجب أن تولد عربياً كي تفهم ذلك، لكن يمكن أن تكون الترجمة شيء من هذا القبيل: " هو شيء قد كُتب علينا"، وبينما كان يُطفي جمرات النرجيلة قال للشاب إنه يستطيع أن يقدّم للزبائن الشاء في أقداح من الزجاج،

في بعض الأحيان، يستحيل على المرء أن يسيطر على مجرى الحياة.


× × ×



صار الناس يتسلّقون الطريق المنحدرة، وكانوا يشعرون بالتعب لدى وصولهم أعلاها.
في علية ذلك المنحدة كان هناك متجر للزجاجيّات الجميلة، وشاء بالنعناع يُشرب كمرطب لذيذ، كان الناس يدخلون لتناول الشاس الذي يقدّم لهم في كؤوس زجاجيّة رائعة.
- لم تخطر ببال زوجتي إطلاقاً هذه الفكرة ـ قال رجل وقد اشترى بضع أكواب زجاجية، فقد كان لديه زوار في ذلك المساء، وسوف يُفتنون بروعة هذه الأكواب، زبون آخر أكّد من جهته أن الشاي سيكون أفضل عندما يُقدّم بكؤوس زجاجيّة، فهي تحافظ على طيب نكهته، فشرب الشاي بكؤوس زجاجيّة واحد من تقاليد الشرق بسبب مغرياته السحرية.
وفي وقت قصير انتشر الحبر بين الناس، وبدأ الكثير منهم يتقصّدون الصعود حتى قمة المنحدر، ليتعرّفوا على المتجدر الذي دشّن هذا التجديد لتجارة مندثرة، وافتتحت متاجر آخرى تقدّم الشاي في كؤوس من الزجاج، لكن موقعها لم يكن في عالية طريق منحدرة، الأمر الذي لم يجلب لها الزبائن بسرعة كبيرة واضطرّ التاجر إلى تشغيل عاملين جديدين، وقد توجب عليه أن يستورد بالاضافة إلى الزجاجيّات كميّات كبيرة من الشاي كي تفي بحاجة الاستهلاك المتزايد يوماً إثر يوم، من قِبل الناس والرجال المتعطّشين للأشياء الجديدة.

وهكذا مرّت أشهر ستة .


× × ×


أفاق الشاب قبل طلوع السمي، أحد عشر شهراً وتسعة أيام قد مرّت عليه منذ أن وطئت قدميه إفريقية للمرة الأولى.
لبس البدلة العربية المصنوعة من الكتّان الأبيض، لقد اشتراها خصيصاً من أجل هذا اليوم. غطّى رأسه بعمامة مثبتاً إيّاها بعقال مصنوع من جلد الجمل، وأخيراً انتعل صندلاً جديداً، ونزل بهدوء.
كانت المدينة ماتزال غافية، تزوّد بفطور خفيف مكوّن من خبز وسمسم، وشرب الشاي الساخن في كأن زجاجيّة، ثم جلس على عتبة المخزن وأخذ يدخّن النرجيلة وحده.
دخّن بصمت، دون أن يفكّر بشيء، دون أن يسمع إلا وشوشة الريح المستمرّة التي كانت تصفر حاملة معها رائحة الصحراء، ثم عندما انهى تناول الشاي، وضع يده داخل واحدة من جيوبه، وظلّ للحظات يتأمل ماكان قد سحبه منها، إنه مبلغٌ جيّد من المال يمكن أن يشتري له مائة وعشرين غنمة، مع بطاقة عودته ورخصة استيراد وتصدير من بلده والبلد الذي يقيم فيه في الوقت الحاضر.
انتظر بفارغ الصبر استيقاظ التاجر العجوز من نومه، قم جاء لفتح المخزن. وهكذا سيتناولا الشاي سويّة هذا الصباح.
- في هذا اليوم سأنصرف ـ قال الشاب ـ فقد صار لدي المال اللازم لشراء أغنامي، وأنت أيضاً لديك مايكفي كي تذهب إلى مكّة.
لم يقل التاجر العجوز شيئاً.
- أطلب مباركتك ـ ألحّ الشاب ـ ساعدتني كثيراً.
تابع العجوز تحضير الشاي بصمت، وبعد لأي استدار نحو الشاب وقال:
- أنا فخور بك، لقد أنعشت مخزني، ولكنني لن أذهب إلى مكن، أنت تعرف ذلك جيّداً مثلما أنت على يقين بأنك لن تشتري الأغنام أبداً.
- من قال لك هذا؟ سأل الشاب مندهشاً.
أجاب تاجر الزجاجيّات العجوز بكل بساطة:
- " مكتوب " ، ثم باركه.


× × ×


ذهب الشاب إلى غرفته، وجمع متاعه الذي ملأ ثلاثة أكياس، ولحظة الرحيل تماماً انتبه إلى جعبته العتيقة، جعبته كراعٍ، التي كانت ماتزال في إحدى زوايا الغرفة، وهي في حالة يرثى لها، لقد تناسى تماماً وجودها، وفي داخلها يوجد كتابه القديم، ومعطفه، والذي عندما سحبه منها، فكّر أن يقدمّه كهديّة لأول ولد يلتقيه في طريه، ثم تدحرجن الحجران أرضاً " أوريم وتوميم " فتذكّر عندئذٍ الملك العجوز، وقد اندهش تماماً لدى إدراكه أن زمناً طويلاً قد مرّ دون أن يفكّر في لقائه معه، فانصرافه كليّاً إلى العمل دون انقطاع لكسب المال الذي يجنّبه العودة ذليلاً، خافض الرأي إلى أسبانية، هذا الشعور سيطر عليه ومنعه من تذكّر ذلك.
- " لاتتراجع عن أحلامك، وكن متيقّظاً إلى العلامات " ـ كان قد قال له العجوز.
التقط أوريم وتوميم من على الأرض، وقد تملّكه من جديد إحساس غريب بأن الملك على مقربة منه، وأنه قد عمل بشكل شاق طيلة سنة، وهاهي العلامات تشير إلى أن لحظة الانطلاق قد بدأت.
- سألفي نفسي على ماكانت عليه تماماً ـ فكّر ـ فالنعاج لم تعلمّني أبداً أن أتحدّث العربيّة.
ومع ذلك فقد علّمته شيئاً مهماً آخر، وهو أن هناك لغة ما في العالم يفهمها الجميع، وقد استخدمها هو طيلة ذلك الوقت كي يعمل على الارتقاء بالمتجر، إنها لغة الحماي، أشياء يقوم بها المرء بحب وولع كي يحصل على نتيجة يأملها أو يؤمن بها، لم تعد " طنجة " بالنسبة إليه مدينة غريبة، فقد توّلد لديه شعور بأنه مثلما استطاع اكتشاف هذا المكان، فإنه بالمثل يستطيع اكتشاف العالم.
- عندما تبتغي شيئاً بالفعل، فإن العالم بأسره يسعى ليسمح لك تحقيق مبتغاك، كان قد قال الملك العجوز.
لكن الملك العجوز لم يتكلّم عن لصوص الصحراء الشاسعة، ولا عن الناس، الذين يعرفون أحلامهم ولا يريدون تحقيقها، الملك العجوز لم يتحدّث عن الاهرامات على أنها كومة من الحصى، وقد نسي أن يقول أيضاً أنه عند امتلاك المال لشراء قطيع أكبر من ذلك الذي كنت تملكه من قبل فلا تتردد بشرائه.
التقط الجعبة، وتناولها مع بقية الأمتعة الأخرى ونزل السلّم. كان التاجر العجوز يلبّي طلبات زوجين أجنبيين، بينما زبائن أخرون يتناولون الشاي في المخزن في أقداح من الزجاج. بالنسبة لهذه الساعة من الصباح، كانت بداية جيّدة لنهار جديد.
ومن المكان الذي نظر فيه للتاجر، لاحظ للمرة الأولى أن شعره كشعر الملك العجوز. ثم تذكّر ابتسامة بائع السكاكر أول يوم أفاق فيه " طنجة " حيث لم يكن لديه أية فكرة أين يذهب، ولم يكن لديه مايؤكل، فقط تلك الابتسامة التي استدعت في خاطره ذكرى الملك العجوز.
- إنه قد مرّ من هنا وترك بصمة ـ فكّر الشاب، ربما كا واحد من هؤلاء الأشخاص سنحت له فرصة التعرف على الملك في لحظة أو أخرى من حياته، لقد قال في الحقيقة أنه يظهر دائماً لمن يعيش أسطورته الشخصية.
رحل دون أن يودع تاجر الزجاجيّات فهو لايريد أن يبكي: كان بالامكان رؤيته في هذا الوضع، لكنه سيتحسّر على تلك الحقبة وعلى كل الأشياء الحسنة التي تعلّمها.
وازدادت ثقته بنفسه وأحس برغبة عارمة في اكتشاف العالم.
- لكنني ذاهب باتجاه الريف الذي أعرفه جيّداً من قبل لأرعى أغنامي من جديد.
لم يعد مقتنعاً بقراره، إذ أنه عمل سنة بكاملها من أجل تحقيق حلم، صار مع مرور الوقت يفقد أهميّته شيئاً فشيئاً، ربما لأنه لم يكن في المحصّلة حلمه.
- من يعلم؟ في نهاية الأمر، أليس من الأفضل أن نكون كتاجر الزجاجيّات الذي قرر عدم السفر مطلقاً إلى مكة والعيش مع رغبة السفر إليها؟ لكنه تناول "أوريم وتوميم"، هاتان الحجران اللتان كانتا تمدّانه بقوة وإرادة ذلك الملك العجوز، ولعلّه بفعل مصادفة أو علامه ـ حدّث نفسه، فإنه دخل المقهى الذي دخله في اليوم الأول، سارقه لم يكن هناك، أما صاحب المقهى، فقد أحضر إليه كوباً من الشاي.
- بمقدوري دائماً أن أعود راعياً ـ حدّث نفسه ، فقد تعلّمت العناية بالاغنام، وهذا مالا أنساه أبداً، لكن ربما، لن تتوفر لي بعد فرصة أخرى للذهاب إلى أهرامات مصر، فالرجل العجوز كان يمتلك على قلادة من ذهب، وكان يعرف قصتي، إنه ملك حقيقي، ملك عالِم.
فهو على بعد أقل من ساعتي سفر بالقارب من سهول الأندلس، لكن بينه وبين الاهرامات هناك صحراء شاسعة.
لقد فهم أنه يمكن أيضاً تصوّر الموقف كما يلي: أنه الآن على بعد ساعتين من كنزه، لكن حتى هذه المسافة التي لا تستغرق أكثر من ساعتين من السفر قد كلّفته تكريس سنة كاملة من العمل.
- إنني أعرف جيداً لماذا أريد العودة إلى اغنامي، لأنني أعرف أنها لا تتطلب كثيراً من العمل، وأن المرء يستطيع أن يحبها، لكن لا أعرف إن كانت يمكن للصحراء أن تُحب، علماً بأن الصحراء هي التي تحتوي على كنزي، وإذا لم أستطع إيجاده فبإمكاني الرجوع إلى بلدي، ومع ذلك فإن الحياة قد أعطتني فجأة المال الكافي، ولدي كل الوقت الذي أحتاجه، فلماذا أحجم إذن؟
في هذه اللحظة عاوده شعور عارم بالغبطة، فهو يستطيع أن يعود راعياً، ويستطيع أن يعود بائع أوان زجاجيّة، وربما يخفي العالم كثيراً من الكنوز الأخرى، لكنّه حلم بحلم تكرر، والتقى ملكاً، وهذا لا يحصل لكل الناس.
كان مسروراً للغاية عندما خرج من المقهى، فقد تذكر أحد ممولي التاجر بالبضائع، والذي كان يحمل إليه أوانيه الزجاجية بواسطة القوافل التجارية العابرة للصحراء.
احتفظ بأوريم وتوميم بين يديه، فبسبب هاتين الحجرين هاهو يعود إلى الدرب التي تؤدي به إلى كنزه.
- إنني دائماً مع هؤلاء الذين يعيشون أسطورتهم الشخصية. كان قد قال الملك العجوز.
ولم يفته الذهاب حتى المرفأ، ليعلم إن كانت الأخرامات بعيدة فعلاً.

× × ×

كان الانكليزي جالساً في مدخل مبنى تصدر منه رائحة الدواب والعرف والغبار، وكأنه ليس بمرفأ وإنما حظيرة للماشية.
- أمضي جلّ هذه الأيام لأمرّ على مكان كهذا ـ حدّث الانكليزي نفسه وهو يتسلّى بتقليب مجلة كيميائة ـ عشر أعوام من الدراسة كي أنتهي إلى حظيرة ماشية !
كان عليه أن يتابع طريقه وأن يؤمن بالعلامات، فكل حياته ودراساته قد كرّست في البحث عن اللغة الفريدة، التي يتحدث بها الكون، في البداية كان قد اهتم بالاسبرانتو، ثم بالأديان، ولينتهي بالخيمياء، لقد أجاد التكلّم بلغة الاسبرانتو وانسجم تماماً مع مختلف الأديان، لكنّه لم يصبح خيميائياً بعد، وقد نجح دون شك بتحليل أشياء هامة، لكن أبحاثه وصلت إلى مرحلة لم يعد يستطيع تجاوزها.
حاول إقامة علاقة مع أحد الخيميائيين، لا على التعيين، فالخيميائيون شخصيات غريبة لا يفكّرون إلا بأنفسهم، ويمتنعون في أكثر الأحيان عن تقديم مساعدتهم، من يعلم إن كانوا لم يكتشفوا بعد سر الانجاز العظيم، وبعبارة أخرى، " حجر الفلاسفة " ، ولهذا السبب يتغلّقون على أنفسهم بصمت.
لقد أنفق جزءاً من الثروة التي تركها له والده باحثاً دون جدوى عن حجر الفلاسفة، وتردد على أكبر مكتبات العالم، واشتري أهم وأندر الكتب المتعلّقة بالخيمياء، ففي إحداها كان قد اكتشف أن خيميائياً عربياً زار أوروبا منذ سنوات عديدة، قيل أن عمره أكثر من مائتي عاماً وأنه اكتشف حجر الفلاسفة، وإكسير الحياة. لقد أثّرت هذه القصة بالانكليزي كثيراً، وكان يمكن لهذه الرواية أن تبقى مجرّد أسطورة من بين سائر الأساطير الكثيرة، لولا أن واحداً من أصدقائه العائدين من رحلة أثرية في الصحراء كان قد حدّثه عن أعرابي يملك قدرات خارقة.
إنه يعيش في واحة " الفيّوم " ـ كان قد قال له ـ والناس يروون أن عمره مائتي عاماً، ويستطيع تحويل أي معدن إلى ذهب، عندها عرف الانكليزي الذي أثارته القصة انفعالاً بلا حدود، فألغى في الحل كافة التزاماته السابقة، وجمع أهم كتبه والآن هاهو ذا هنا في هذا المرفأ المشابه لحظيرة الماشية.
وفي هذه الأثناء كانت قافلة تجارية كبيرة على أهبة الاستعداد للانطلاق لاجتياز الصحراء. وكانت هذه القافلة ستمر في طريقها إلى الفيوم.
- لابد لي من أن ألتقي هذا الخيميائي اللعين ـ فكّر الإنكليزي.
وأصبحت رائحة الحيوانات محتملة بعض الشيء.
دخل شاب عربي يحمل أمتعته أيضاً إلى المبنى الذي يحل فيه الانكليزي وحيّاه.
- أين تذهب؟ سأل العربي.
أجاب الانكليزي:
- إلى الصحراء، وعاد إلى قراءته، لم تكن لديه الرغبة في المحادثة حينذاك، إذ كان بحاجة لمراجعة ماكان قد تعلّمه خلال تلك السنوات العشرة، لأن الخيميائي سيُخضعه بالتأكيد لنوع من الاختبار.
تناول الفتى العربي كتاباً أيضاً وأخذ يقرأ بدوره، لقد كتب الكتاب باللغة الأسبانية ـ ياللحظ ـ فكّر الانكليزي، فهو يجيد الأسبانية أكثر من العربية، وإن كان هذا الفتى سيذهب إلى الفيّوم، فسوف يتحدث معه عندما لاينهمك بأشياء ذات قيمة.


× × ×









01-25-2006, 02:12 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
الخيميائي, باولو كويلو - بواسطة قارع الأجراس - 01-25-2006, 02:12 PM
الخيميائي, باولو كويلو - بواسطة إبراهيم - 01-25-2006, 05:53 PM,
الخيميائي, باولو كويلو - بواسطة إبراهيم - 01-25-2006, 05:59 PM,
الخيميائي, باولو كويلو - بواسطة راحيل - 02-08-2006, 05:22 AM,
الخيميائي, باولو كويلو - بواسطة إبراهيم - 02-08-2006, 07:43 AM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  ألف - روية باولو كويلو الجديدة للتحميل . ali alik 4 3,422 01-17-2012, 05:02 AM
آخر رد: ali alik
  جديد باولو كويلو الرابح يبقى وحيدا,تفسير الأحلام نسخة كاملة 672 ص .ومجموعة كتب هامة ali alik 3 3,153 07-05-2010, 01:09 PM
آخر رد: ali alik
  11 دقيقة " رائعة باولو أكويليو " اميريشو 17 4,437 10-07-2008, 12:23 AM
آخر رد: abdelrahman zahran
  رواية الخيميائي - اهداء لمن لم يقرأها, لـ باولو كويلو ابن نجد 3 1,622 12-09-2006, 03:12 PM
آخر رد: ابن نجد
  باولو كويلو - مواطن عالمي 25 3,600 06-17-2006, 11:20 PM
آخر رد: Al gadeer

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS