اوفر على نفسي جهدا اذ اجد مقالا يقول بعضا مما في نفسي :

فتح وحماس:
عقوبة للأولى ومأزق للثانية!
صقر أبو فخر

تردّدت كلمة <<انقلاب>> مرات كثيرة في إسرائيل في الآونة الأخيرة؛ فقد قيل إن خروج أرييل شارون من الليكود هو انقلاب سياسي، وإن صعود عمير بيرتس الى قيادة حزب العمل هو انقلاب آخر، وإن احتمال فوز حزب <<كاديما>> وحده بأكثر من ثلث مقاعد الكنيست سيكون انقلاباً أيضاً. ذلك كله ليس <<انقلابات>> في الحقيقة، إنما مجرد هزات سياسية لا أكثر. الانقلاب وقع في الجانب الآخر أمس بصورة تدعو إلى الدهشة.
ما الذي جرى في فلسطين حقاً؟ وما ستكون عليه الحال في الأسبوع المقبل؟ وهل تستطيع حركة حماس أن تنفرد بالسلطة؟ وهل يمكن أن تغادر حركة فتح، وهي العصب الجبار للحركة الوطنية الفلسطينية خلال نحو خمسين عاماً متواصلة، مواقعها في النظام السياسي الذي قام على أكتاف مناضليها وشهدائها؟
لعل الإجابة عن هذه الأسئلة اللجوجة مدعاة للمجازفة، ولا سيما أن التوقعات التي نثرها المحللون السياسيون والمراقبون والباحثون والصحافيون والكتاب وأصحاب الخبرة، أول من أمس سقطت كلها يوم أمس. ومع ذلك سأغامر بكلام إضافي.
العقوبة المرّة
لا ريب في أن نتائج الانتخابات الفلسطينية هي عقوبة قاسية لحركة فتح جراء الأداء السياسي المضطرب، ولا سيما بعد رحيل الرئيس ياسر عرفات. لكن هذه الانتخابات برهنت، مع الأسف، أن المجتمع الفلسطيني هو مثل غيره من المجتمعات العربية التقليدية لم يتوقف عن الانجراف منذ ربع قرن نحو التديّن الشعبي. ومع أن نسبة التعليم بين الفلسطينيين هي الأعلى بين البلدان العربية، إلا أن الناس في قطاع غزة والضفة الغربية ما زالوا ينساقون الى الكلام البدهي ويتعلقون بالشعارات التعبوية، بينما يحيدون في الوقت نفسه عن العقلانية السياسية التي تتطلع إلى تحقيق الإنجازات لا إلى كسب الجماهير واكتساب الشعبية.
لكن هذا وحده لا يقدّم جواباً شافياً عن الفشل المؤقت لحركة فتح. ولا شكّ في أن هناك أسباباً أخرى جوهرية عملت على الوصول إلى هذه النتيجة. وأول هذه الأسباب هو التفكك الداخلي في صفوف حركة فتح الذي كان من مظاهره احتدام المنافسات وتعدّد المرشحين، واستطراداً تشتت الأصوات. ففي بلدة سلفيت، على سبيل المثال، كان المطلوب مقعداً واحداً، لكن المرشحين وصل عددهم إلى أحد عشر بينهم سبعة من فتح وواحد من حماس والبقية مستقلون. وفي هذه الحال، حتى لو كانت الأصوات في غالبيتها لحركة فتح، فإن من شأن انقسامها على سبعة مرشحين أن يمنح الفوز لمرشح حماس. وأبعد من ذلك، فإن حركة فتح تحمّلت طوال ثلاثة عشر عاماً سلبيات السلطة كلها، ولاحقاً بعض سلبيات الانتفاضة، وانعكس ذلك على صدقيتها ونزاهة مناضليها، بينما لم تنعكس إيجابيات السلطة والانتفاضة عليها إلا قليلاً. أما حركة حماس مثلاً فلم تتحمّل أي مسؤولية مباشرة بالطبع، ولا الظواهر السلبية الناشئة عن ممارسة السلطة لأنها، بكل بساطة، لم تكن شريكاً في بناء السلطة وفي تحمّل مسؤولية التفاوض المرير مع إسرائيل، بل انصرفت إلى الجمهور الواسع من الناس الذين كان التديّن وثقافة الجوامع عزاءهم حيال ما يكابدونه من عَنَتٍ وضيق عيش واحتلال. ونصف الناس ضد الحاكم، هذا إن عدل. وعلاوة على ذلك كان الفساد يلوث سماء الإدارة وترابها حتى ضجّت الناس بأخبار استحلاب المنافع لأصحاب المواقع. ومع أن الأمور لم تكن تجري بحسب ما شاع عن الفساد، بل جرى تضخيم هذا الشأن على نحو مقصود، إلا أن تبلبل السلطة في الآونة الأخيرة وعدم قدرتها على إمساك الوضع الأمني بحزم، وظهور عصابات مسلحة تختطف الأجانب وتحتل المراكز العامة وتمارس أخذ <<الحق>> باليد وتمارس القتل بذرائع شتى، ذلك كله أدار رؤوس الناس نحو خيارات أخرى ومعاكسة لبرنامج حركة فتح. وأنها المرة الأولى منذ سنة 1965 لا تكون فيها <<فتح>> السباقة الى تمثيل أشواق الناس الى الحرية والاستقلال، وهي حال مؤقتة على ما أحسب.
نحو البدايات
يعود تاريخ حركة فتح، في بداياتها الجنينية، إلى سنة 1954 حينما كان أبو جهاد (خليل الوزير) يقود مجموعات التسلل والإغارة في قطاع غزة بعد انسحابه من حركة الإخوان المسلمين. وفي سنة 1955 أسّس أبو أياد (صلاح خلف) بعد انسحابه أيضاً من الإخوان المسلمين <<جبهة الكفاح المسلح الثورية>>. لكن، في الكويت، وبالتحديد في سنة 1957، بدأت التباشير الأولى لحركة فتح حينما وصل إليها ياسر عرفات مطروداً من القاهرة وبدأ على الفور يجذب الشبان الفلسطينيين من ذوي التجربة. وفي الكويت تأسّست الخلية الأولى وكانت تضمّ ياسر عرفات وخليل الوزير وصلاح خلف وعادل عبد الكريم وتوفيق شديد ويوسف عميرة وعبد الله الدنان. وهؤلاء صاغوا <<بيان الحركة>> وكراس <<هيكل البناء الثوري>> واتفقوا على اسم <<فتح>> أي الحروف الأولى المقلوبة من <<حركة التحرير الوطني الفلسطيني>> بعد حذف حرف الواو. ولم تكد سنة 1959 تنصرم حتى كان اسم فتح بدأ يتردّد في مخيمات اللاجئين في لبنان وسوريا والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة.
في 1/1/1965 سمع العالم بأسره البيان الأول ل<<قوات العاصفة>> الذي أعلن بداية الكفاح المسلح الفلسطيني. وهذا البيان البسيط دشّن بالفعل عصراً جديداً عمّ المنطقة العربية بأسرها هو عصر الكفاح المسلح الذي تعلّقت به أفئدة الناس باعتباره رداً على الهزيمتين: هزيمة 1948 وهزيمة 1967. وبعد معركة الكرامة في الأردن في 21/3/1968 أصبحت فتح قوة سياسية يُحسب حسابها بالتأكيد. وفي خضم هذه المسيرة قدمت فتح إسهامات ريادية في سياق إعادة الاعتبار للهوية الوطنية الفلسطينية، فهي أول من أشعل الكفاح المسلح، ومنها سقط أول شهيد للثورة الفلسطينية المعاصرة (أحمد موسى)، وأول أسير كان من فتح (محمود حجازي)، وأولى الأسيرات من فتح أيضاً (فاطمة برناوي)، وأول من صاغ فكرة الدولة الديموقراطية في فلسطين كانت حركة فتح.
مرت فتح بتقلبات عاصفة وشديدة الاضطراب. فبعد مرحلة الأردن وأحداث أيلول الأسود في سنة 1970 بدأت مرحلة لبنان التي شهدت أهم الإنجازات الفلسطينية السياسية والعسكرية، لكنها شهدت، في الوقت نفسه، أكثر المراحل إيلاماً وأشدها مرارة؛ فقد انتهت هذه المرحلة بالاجتياح الإسرائيلي في سنة 1982، وغادرت قوات الثورة الفلسطينية لبنان بعد صمود أسطوري دام 88 يوماً. وبعد هذا الخروج بدأت مرحلة جديدة كان عنوانها الأبرز اندلاع الانتفاضة الأولى سنة 1987 التي أعدّ عدّتها خليل الوزير وحركة فتح واستحقّ أبو جهاد ما قيل عنه <<أول الرصاص وأول الحجارة>>.
بعد توقيع اتفاق إعلان المبادئ (اتفاق أوسلو) في سنة 1993 باشر ياسر عرفات تأسيس السلطة الفلسطينية. ومنذ البداية بدأت عوامل الالتباس تظهر في حركة فتح؛ التباس ناجم عن موقع الحركة في السلطة الجديدة. وبدأت الأفكار تتصادم وتتزاحم: هل تكون فتح حزب السلطة أم حزب الرقابة على السلطة؟ هل أن فتح ترغب في التحوّل إلى حزب سياسي أم هي راغبة في البقاء حركة تحرر وطني؟ على أن مجريات الأحداث واندلاع الانتفاضة الثانية في سنة 2000 ألجأت فتح الى الانخراط العضوي والمباشر في عملية بناء السلطة جنباً إلى جنب مع التفاوض السياسي العقيم مع إسرائيل، علاوة على القتال على جميع الجبهات. وفي معمعان هذا الجدال، وفي جميع المحطات التاريخية كانت فتح هي الإبداع الأكبر للشعب الفلسطيني في القرن العشرين، وكان ياسر عرفات هو القائد المبجل والأرفع مكانة الذي لم ينازعه أحد هذا المقام على الإطلاق طوال أربعين سنة متواصلة. أما بعد ياسر عرفات فقد بدأت الصراعات والمنافسات في صفوف الحركة تتفاقم إلى أن جاء هذا الاستحقاق المنطقي.
نحو المؤتمر السادس
قدمت الإدارة الأميركية دعماً لا يمكن تحديد قيمته الفعلية لمنافسي حركة فتح حينما أعلن بعض الجهات أنها دفعت أموالاً لمساعدة عدد من مرشحي فتح. هذا الأمر كان في منزلة المحرقة لهؤلاء المرشحين. وقدمت السلطة الفلسطينية آخر أداء سياسي راقٍ حينما أنجزت الانتخابات التشريعية على تلك الصورة من النزاهة والشفافية. وإذا كان لا بد من تهنئة حركة حماس بفوزها المشهود، فالتهنئة الأولى للسلطة الفلسطينية ولرئيسها محمود عباس على هذه الروح الديموقراطية حقاً، التي نأمل أن تمتد عدواها إلى العماء العربي بأكمله. والآن، ما عاد من اللائق أن تستمر حركة فتح على هذا المنوال، وصار عقد المؤتمر العام السادس ضرورة ملحّة لمحاسبة الجميع بلا استثناء، ولإعادة تقويم هذا الانقلاب المدوّي والذي ستكون له آثار بعيدة المدى بالتأكيد. وفي ما يتعدى المشكلات المعقدة التي ستواجه المجتمع الفلسطيني بعد فوز حركة حماس، فأغلب الظن أن حماس التي زحفت على المجلس التشريعي بعملية ديموقراطية راقية، لن تنقلب على الديموقراطية، ولن تستخدمها كحمار ثم تعمد إلى تسييبه في القفار.

إذا كانت نتائج الانتخابات عقوبة لحركة فتح، فربما تكون مأزقاً لحركة حماس حينما يبدأ فتح الملفات وتحمّل المسؤوليات. والملفات كثيرة وشائكة بلا شك، والخيارات محدودة جداً. وان حركة حماس التي أعلنت منذ سنوات تعديلاً على مواقفها وأبدت استعدادها لعقد هدنة طويلة مع إسرائيل (طويلة ربما تعني خمسين سنة) إذا انسحبت من الضفة والقطاع والقدس، كانت تقترب، بالتدريج، من مواقف حركة فتح. وبالأمس أعلنت أنها مستعدة للتفاوض غير المباشر مع إسرائيل، أي عبر طرف ثالث، فكأنها تتدحرج، رويداً رويداً، نحو برنامج حركة فتح. فهل نعود إلى المربع الأول؟

من جهة ثانية، في ما لو تحوّلت فتح إلى المعارضة، هل ستطوي حماس، وهي في السلطة (إذا صحّ هذا الافتراض) قصة جمع السلاح من الفصائل؟ وهل، ستمتنع فتح، حينذاك، عن تسليم سلاحها إلى السلطة الجديدة؟

إنها مجرد تمارين ذهنية لا أجوبة

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	كيف ترى تأثير انهيار الإخوان المسلمين في مصر على حماس ؟	فلسطيني كنعاني	10	1,376	07-04-2013, 02:17 PM آخر رد: فلسطيني كنعاني
	مستقبل الدين في عالم ليبرالي .	بهجت	69	16,804	08-22-2012, 02:15 PM آخر رد: بهجت
	هل تطلب حماس سيناء كوطن بديل ؟	بهجت	0	750	06-29-2012, 04:13 PM آخر رد: بهجت
	كيف يرى السوريون مستقبل بلادهم؟ -- ممنوع دخول الجنس الثالث	الملكة	13	3,026	04-27-2012, 03:18 PM آخر رد: السلام الروحي
	كيف ترى مستقبل الحرية في العالم العربي ؟.	بهجت	20	6,622	03-12-2012, 05:58 PM آخر رد: بهجت