1- بالنسبة لحرب اليمن وغيرها من " عنتريات " عبد الناصر ضد العرب ، التي يقوم فيها باستعراض " أقوى قوة ضاربة في الشرق الأوسط " ، نجده في 67 ، يستخدم مبدأ " التلويح بالمسدس " الذي بينه تماما محمد جابر الأنصاري في كتابه " الفكر العربي وصراع الأضداد " .

دفاع الملك فيصل عن الإمام شرف الدين ، كان دفاعا عن المصالح السياسية السعودية في الجزيرة ، فوجود دولة في الجنوب ، اشتراكية ، و موالية لعبد الناصر ، إضافة للشمال الإشتراكي ، يجعل من الوضع السعودي في مأزق ، ويوقعه بين مطرقة البعث وسنداد الناصرية .



2- الجميل في طرحك لموضوع اغتيال الملك فيصل ، هو أني قمت بالبحث هنا وهناك ، لأجد أن جريدة القبس الكويتية قد نشرت ، قبل أسبوع ، الوثائق البريطانية المتعلقة باغتيال الملك فيصل .

لنرتب الأمور :
أ- كان الملك فيصل - حسب توصيف الوثائق البريطانية : " حصن الرئيس المصري انور السادات وحاميه ولاجمه في المفاوضات مع اسرائيل " .

ب- في فبراير عام 1975 ، زار كيسنجر الملك فيصل لإقناعه بتشجيع مصر على توقيع اتفاقية فك الاشتباك مع اسرائيل ، لكن الملك رفض .

ج- كانت السعودية في تلك الفترة تصدر مليون ونصف برميل ، وكان هذا الوضع لا يغطي احتياجات الولايات المتحدة . يقول خالد آغا ، أحد المقربين من النظام السعودي في تلك الفترة في مقابلة له مع الجزيرة ، أن الملك فيصل وضح موقفه من هذا التصرف : " أنا مؤتمن على ثروة هذه المملكة ، والله لن أخرج برميلا واحدا من بطن هذه الأرض إلا لحاجة هذه الأمة لأنها هذه أمانات موضوعة في عنقي هالثورة تبع البيت. " .

هكذا كان الوضع قبل الاغتيال ، بعد الإغتيال حدث التالي :

أ- وقع السادات الإتفاقية مع اسرائيل . وبعدها ، عام 1976 ، بنفس الوقت الذي اندلعت فيه الحرب الأهلية في لبنان توقع مصر السلام مع اسرائيل .

ب- ارتفعت صادرات النفط السعودي إلى 15 مليون برميل .

ج- أعلن خالد بن عبد العزيز ملكا للبلاد ، وفهد وليا للعهد .

فموت الملك ، خدم كل من : المصالح الإقتصادية والسياسية للولايات المتحدة الأمريكية ، والمصالح السياسية لإسرائيل ، والمصالح الشخصية للسادات ، والمصالح الشخصية للملك فهد .

كيف تمت عملية الإغتيال ؟

أ- حدث ذلك أثناء استقبال الملك فيصل لوزير النفط الكويتي ووزير النفط السعودي .
ب- القاتل هو الأمير فيصل بن مساعد ، وهو كان عائد للتو من الولايات المتحدة ، وكان زميل دراسة لوزير النفط الكويتي . وأخوه ، خالد بن فيصل ، كان من الذين شغفتهم العبادة ، وقد أظهر ممانعة ورفض لافتتاح التلفاز في المملكة ، واستخدم مركزه كفرد من العائلة المالكة ، ليلقي المحاضرات في المساجد والجوامع ضد هذا القرار .

فما كان من الملك إلا أن أرسل إليه الضابط " بن هلال " ، الذي ذهب إليه في بيته قبل الفجر ، وطلب منه مرافقته . فرفض خالد ذلك ، ووعد بان يأتيهم بعد صلاة الفجر . وحدثت مناوشات ، فقام خالد بإطلاق رصاصة في الهواء ، فلما أبلغ بن هلال الملك فيصل بذلك ، أمر هذا الأخيرا بقتله .

وتمت ترقية " بن هلال " هذا ، ليصبح مدير شرطة الرياض .

ج- يصف وزير النفط الكويتي الامير فيصل بن مساعد بانه كان طبيعيا أثناء معرفته به في الولايات المتحدة . ويصف حادثة الإغتيال : " بأنه أثناء انحناءه - أي الوزير- لتقبيل رأس الملك ، سمع أصوات ، حسبها الكاميرات الفوتوغرافية ، وإذ بالملك يسقط على الأرض مضرجا بالدماء .. وفيصل بن مساعد يحمل مسدسا " . وسمعه يقول : " هذه لأجل أخي خالد " .

ويقول وزير النفط الكويتي : " بأنه لم يات أحد لإسعاف الم إذ أن طبيبه الخاص ، لم يتم العثور عليه " .

د- أعلنت السعودية ، ان فيصل بن مساعد كان مجنونا .


من هذا كله ، نستطيع ربط الأمور ببعض ، ونقول التالي :

أن العملية لم تكن مجرد عملية ثأر قبلية عادية . بل إن الثأر تم توظيفه ليخدم مصالح معينة . إذ أن التوقيت ، لا يمكن إيعازه للمصادفة البحته ، وأن الثائر لماذا ينتظر هذه المدة ليختار اغتيال الملك في هذا الوقت تحديدا ؟

هذه أسئلة مفتوحة .. لن أستطيع الجواب عليها ، إذ تحتاج لتحر أكثر .


3- تصنيف التاريخ البشري حسب التاريخ الاوروبي ، هو ليس حقيقة ، حتى تكون مؤلمة . بل كل ما في الامر ، هو هيمنة ثقافية غربية .

والتاريخ حتى يكون علما ، لا بدأن يبتعد أولا عن الادلجة . وحتى نفهم أي حادثة تاريخية لا بد ان نضعها في إطارها الصحيح وإلا كان فهمنا لها معوجا .

ساعطيك مثالا ، لو نظرنا إلى " دار السلام " في القرن الثالث والرابع الهجري ، ودققنا في النهضة العلمية الشاملة في مجالات الترجمة والتأليف ، وتكاثر الإصدارات الثقافية ، والنهضة العمرانية ، والتقدم العلمي الكبير في كل الأصعدة .

ثم التفتنا إلى اوروبا في تلك الفترة ، وقلنا : " أوروبا في القرن الثاني والثالث الهجري ، كانت الحركة العلمية فيها قائمة على قدم وساق والتطور العمراني كاد يصل حد الكمال ...إلخ " ، كل هذه الاحكام لأن اوروبا عاصرت بغداد والحضارة العربية الإسلامية .

سيكون هذا القياس مضحكا ، وتافها . وهو نفس الأمر الذي يستعمله البعض فيه ، بختم العصور الإسلامية الاولى ، بتخم " العصور الوسطى " المحمل بالكثير من القيم الخاصة برقعة جغرافية معينة .

وبهذه الطريقة ، نصبح نحن عرب ومسلمي القرن الواحد والعشرين ، أكثر تقدما وتحضرا ، من عرب ومسلمي القرن الثالث والرابع الهجري . وهذا فيه ما فيه من الإجحاف .

هناك فرق - دائما - بين القبول بالواقع ، وبين الخضوع للإيديولوجيا .


4- بمناسبة الحديث عن محمد علي باشا ، كنت ليلة امس أتنقل عبر القنوات الفضائية ، وما إن وصلت لقناة المستقلة .. حتى اجدها تعرض ندوة نقاشية عن ترايخ محمد علي باشا ، وسيكملونها على شكل حلقات .

لا ننكر الدور الذي قام به محمد علي باشا ، في إطلاق شرارة النهضة . لكن الثورة ، والقوميات الإستبدادية وما أنتجته من حركات عنف وإرهاب .. جعلت كل جهود محمد علي باشا تذهب هباء .

وكون المرأة تقود السيارة ، وهي بالكاد تستطيع توفير سعر وقودها .. امر ليس بتلك الاهمية ، من منظور تقدمي تنموي حداثي .


5- مفهوم " الوحدة " : شيء ، ومفهوم " الوحدة العربية " : شيء آخر . فهذا الأخير ، هو الذي أعنيه بأنه من مخلفات الفكر البعثي والناصري .

الوحدة تعني : وحدة مصير ، وارتباط مصالح إقتصادية وسياسية . وعلى هذا تجتمع الولايات المتحدة الأمريكية ، وعليها تجتمع الدول الاوروبية .

أما الدول العربية الآن ، لا يجمعها أي مصير مشترك . ففي الوقت الذي يحتل فيه العراق تماما ، تدخل السعودية منظمة التجارة العالمية ، وتستعيد الجزائر علاقاتها مع فرنسا ، وتحاط سوريا بالتهديدات والاتهامات ، وتستيقظ لبنان على اغتيال صبيحة كل يوم . لا يوجد ارتباط في المصير .

بل إن السعودية وقطر والكويت ، كانت قواعد انطلاق لاحتلال العراق . والعراق قديما احتل الكويت ، والخديوي -قبل ذلك - باع السودان لبريطانيا .

كوننا ننتمي لمسيرة تاريخية واحدة ، لا يعني ارتباطنا بمستقبل واحد .. وهذا الأمر الذي تؤكده الكويت وقطر والإمارات يوميا .


6- أخيرا ، انت لا ترى في المملكة ، إلا ما تحب أن تراه .

في المملكة الآن حركة ليبرالية اجتماعية* تنتشر كالنار على الهشيم ، وهناك منتديات على الإنترنت تضمهم وتجمعهم . وفي صحيفة " اليوم " السعودية أمس ، ذكر أنه من بين كل ألف سعودي ، هناك 124 مهندس ، وهذا رقم مرتفع جدا ، إذا كنت تعلم أنه قبل خمسين سنة فقط ، لا يوجد من بين السعوديين من يستطيع فهم نظرية فيثاغورس . وهناك كذلك تيارات إسلامية جديدة تختلف مع التيار الديني الرسمي . ولدينا نمو ثقافي هائل ، في ميادين الأدب والفكر . لو نظرت إلى مكتبة النيل والفرات لوجدت أن اكثر الكتب مبيعا هي الكتب السعودية .

وأخيرا ، قبل ايام كنت في مكتبة في الرياض ، وبينما أتصفح الكتب وجدت رواية " اولاد حارتنا " ، التي رفض نجيب محفوظ عرض " الهلال " في غعادة نشرها حتى يقوم الأزهر بالسماح له بذلك .



* أقصد بـ"الـليبرالية الإجتماعية " هي تلك المنظومة الفكرية التي تنشأ تلقائيا مع احتكاك جيل جديد محمل بالعادات والتقاليد بالنمط المدني الغربي ، فيعبر عن إشكالياته إنطلاقا من " بديهية استحقاق الحريات " ، دون الإستناد إلى إطار فكري متناسق منتظم البنية .


شكرا لك حقا ، فهذا النوع من النقاشات مثمر ، يكفيني منه قراءة الوثائق البريطانية ، ومتابعة البرنامج في المستقلة .

(f)