أعتقد أن الانسان أصبح لا ينظر للوجود وللعالم من حوله إلا من خلال النظرة النفعية المادية. بحيث أن الفلسفة التي لا تقدم ذلك النوع من النفع أصبحت تبدو بالنسبة إليه ميتة ولا حاجة له بها.

كما أن العقل الانساني أصبح غير قادر على تمثل حقيقة رمزية متعددة الجوانب. فإن لم تكن هناك حقيقة مادية واضحة واحدة، فبالنسبة إليه هي مجرد كلمات فضفاضة.

أعتقد أن المشكلة في عقل الانسان وليس في الفلسفة ذاتها.

فعقل الانسان قد تم ترويضه بحيث يكون طيعا أمام قوانين رجال الدين والسياسة والمال. العقل الانساني اليوم يفكر في مجال حياته الضيق فقط: زوجته وأولاده، التسوق من المغازة، جمع المزيد من المال، السيارة والمنزل، الخ. أو يفكر ويخطط لمصيره بعد موته: يوم الحساب والجنة والنار. لم يعد العقل الانساني قادرا على الاهتمام بما يسمى بالقضايا المصيرية الكبرى للإنسان أو القضايا الرمزية التي كانت تشغل الاغريق والرومان والأوروبين في عصور النهضة والأنوار (ولذلك جاءت دعوة نيتشه للعودة لتلك العصور). الإنسان لم يعد يفكر في الإنسان بل هو يفكر فقط في إنسان (ذاته). فهل يمكننا أن ننتظر الكثير من هذا الـ "انسان"؟

ما أهمية الفلسفة بالنسبة إليه؟
هل سيأكل فلسفة ويربي أولاده بالفلسفة؟ :lol:
ماذا يعني له "منطق أرسطو" و"الشيء في ذاته" و"أنا أفكر إذن أنا موجود" و"العائق الابستيمولوجي" و"الوجود يسبق الماهية"؟
بالتأكيد لا شيء.
بينما كيف نصنع موبايل... كيف نطور بنتيوم 5... كيف نسرع الانترنت... كيف نحصل على بيتزا لذيذة... أي شكل جديد للسيارات أفضل... هل فيلم ماتريكس أفضل أم فيلم حرب النجوم... :9:
كل هذه أصبحت تساؤلات واهتمامات الانسان حاليا (بمن فيهم أنا للأسف). :(
العقل الانساني أصبح عقلا رقميا وليس عقلا رمزيا.

فهل يمكن أن نقول أن الفلسفة ماتت؟
بالطبع ماتت بدون أن يأسف عليها أحد...
بل بدون أن يشيع أحد جنازتها...
بل بدون أن ينتبه أحد إلى موتها...

لقد شهدت الانسانية مثل حالات الضياع هذه ولم يقدم الحل إلا الفلاسفة والفنانون. ومن هنا جاءت النهضة في أوروبا (تعني كلمة النهضة حرفيا من الفرنسية "الميلاد من جديد" renaissance) ويعني الميلاد من جديد، ميلاد الفكر اليوناني والروماني الذي شهد فترات ازدهار الفكر الانساني. لقد بلغ الفكر الانساني في تلك العصور ذروة لم يبلغها في بعد إلا في أوروبا بفضل إعادة إحياء ذلك الفكر. فقد كان ذلك اساس الفكر الانساني ومهد الفلسفة والفن ونحن بحاجة اليوم للعودة من جديد لاكتشاف ذلك الفكر علنا نتمكن من التخفيف من وقع الصدمات التي نتلقاها كل يوم في كل شيء.

أرجو من الرفاق الماركسيين ألا يدعونني رجعيا بسبب هذه الدعوة :D
فماركس أيضا كان تعجبه الحضارة الاغريقية وكتب أطروحته بخصوص أحد فلاسفتها.