عندي 4 ملاحظات عامة (دون الدخول في تفاصيل كل قولة) :
الملاحظة العامة الأولى:
إذا قال هؤلاء فعلا ما قالوا فلماذا لم يدخلوا الاسلام.
أعتقد أنه لأمر محير أن يقول شخصية نبيهة مثل غوته ما قاله من كلامات رائعة بخصوص محمد (وكأنه لا قبله ولا بعده) ثم نراه (أي غوته) لا يتبع هذا الدين العظيم.
غريب أمرك يا غوته إن كنت تظن أن لا أحد في أوروبا وصل إلى وصل إليه محمد (كما جاء في كلامكَ) فماذا لا تتبع ما جاء به محمد؟ وعجيب أمركَ أكثر يا غوته إن كنت تعتقد حقا أن محمد جاء بالحق الذي يجب أن يظهر ويعلو (كما جاء في كلامك) فماذا لم تتبع هذا الحق يا غوته؟ أم أنه مجرد كلام يا غوته؟
طبعا هذا الكلام ينسحب على الباقي من العضماء الذين شهدوا بالحق ولم يتبعوه؟
غريب أمرهم؟...
إلا إذا كانوا براءة من الكلام الذي اقتبس لهم...
وتلك قضية أخرى أطرحها في الملاحظة الثانية.
الملاحظة العامة الثانية:
أكاديميا، على الطالب أو الباحث أن يقتبس مباشرة من المصدر الأول إن كانت المعلومة التي يقدمها تحتمل التأويل. وهو ما يعرف بالانجليزية بالـ primary source. والمصدر الأولي هو ما قاله صاحب الأمر نفسه. فمثلا لنتصور تشرشل يخطب في مجلس ما. ثم يقوم صحفي بعد زمن بكتابه كتاب يتحدث فيه في جمله ما يتحدث عن ذلك الخطاب. فهل يجب لمن يريد أن يقوم ببحث عن أمر ما بخصوص ذلك الخطاب أن يقدم في بحثه خطاب تشرشل نفسه (الذي يمكن الحصول عليه من المصادر الرسمية التوثيقة) أم يحصل على الكتاب الذي كتبه ذلك الصحفي ويقتبس منه بعضا مما جاء في خطاب تشرشل؟ أعتقد أنه لو قدم ذلك الباحث/الطالب في أطروحة ما جاء في خطاب تشرشل من الكتاب عوضا من المصدر الأولي فسيكون موقفه حرجا حقا.
على فكرة المصدر الثاني يسمى secondary source
والمصدر الذي يأخذ من الإثنين يسمى tertiary source
وأعتقد أننا في هذا المجال بالذات أي اقتباسات واستشهادية تاريخية مهمة مثل هذه أعتقد أننا في حاجة إلى المصادر الأولى وليس عن فلان عن فلان. فإن قال برنارد شو شيئا ما فعلنا أن نجد ذلك في أحد كتبه أو في أحد المصادر الموثقة (صحف، مجلات، برامج إذاعية وتلفزيونية، الخ. مع ذكر التاريخ والعدد بالضبط) وليس عبر المؤرخ فلان أو نقلا عن فلان (ومن يدري من هو هذا المؤرخ أصلا؟ أي عوض أن نبحث عن حقيقة القولة مباشرة نمسي نبحث عن القولة وعن المؤرخ الذي ذكر القولة)
كذلك الأمر مع ما قدمته الزميلة مسلمة مع الكثير من اقتباساتها حيث لم تكن من مصادر اولية أي ليس من أعمال تلك الشخصيات وسأقدم بعض الأمثلة:
اقتباس:ويقول الفيلسوف الإنجليزي جورج برناردشو : "لقد درست محمداً باعتباره رجلاً مدهشاً ، فرأيته بعيداً عن مخاصمة المسيح ، بل يجب أن يدعى منقذ الإنسانية ، وأوربة بدأت في العصر الراهن تفهم عقيدة التوحيد ، وربما ذهبت إلى أبعد من ذلك ، فتعترف بقدرة هذه العقيدة على حل مشكلاتها بطريقة تجلب السلام والسعادة ! فبهذه الروح يجب أن تفهموا نبوءتي"(5).
أي مصدر نجد لهذا الكلام الجميل؟
أهو أحد كتب شو أو مقالاته أو مسرحياته؟
هل هو تسجيل له حتى بالصوت فقط؟
لا للأسف نجد أن المصدر لمثل هذه القولة التي أستغرب كثيرا شخصيا ان تصدر عن شو (الذي كان قريبا جدا من الماركسية لولا أنه زار الاتحاد السوفياتي فهاله الوضع السياسي هناك وكان في كل الاحوال اشتراكيا وفخورا باشتراكيته كما كان نباتيا ويكره ذبح الحيوانات ويكره من يذبح الحيوانات -مثل بريجيت باردو اليوم- ولابد أنه كان يعرف أن المسلمون يذبحون كل سنة عشرات الآلاف من الخرفان (إلى جانب أشياء أخرى)). وفي كل الأحوال فغريب أن لا ينسى التاريخ هذه القولة لشو ويتذكرها:
اقتباس:(5) عن (موسوعة مقدمات المناهج والعلوم) العلامةأنور الجندي ( مجلد 8 / 211 ) .
بقطع النظر عن شخصية أنور الجندي هذا فأعتقد أنه من المضحك أن يكون مصدر تلك القولة لشو هذا العلامة في أحد مجلدات موسوعته تلك.
أيها التاريخ أين قال شو ذلك؟ :what:
متى؟ :what:
لا حياة لمن تنادي :waw:
التاريخ لا يذكر أن شو قال ذلك لكن أنور الجندي يتذكر.
اقتباس:ويقول الأديب الروسي (ليو تولستوي) والذي حرمته الكنيسة بسبب آرائه الحرة الجريئة :
"أنا واحد من المبهورين بالنبي محمد الذي اختاره الله الواحد لتكون آخر الرسالات على يديه ، وليكون هو أيضاً آخر الأنبياء … ويكفيه فخراً أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق ، وجعلها تجنح للسكينة والسلام ، وفتح لها طريق الرقي والمدينة" .
أما هذه فنجدها يتيمة تماما... لا أدري أين قال تولستوي هذا الكلام :?:
أمر غريب حقا أن نجد مثل هذه الجمل الخطيرة ولا نجد أية معلومة عن تاريخ أو مكان أو خلفيات صدورها. :nocomment:
الملاحظة العامة الثالثة:
كيف يمكننا أن نتأكد من مصادر تلك المعلومات من مصادرها الأصلية وكل المصادر والاقتباسات التي قدمتها الزميلة مسلمة مترجمة للعربية بأحرف عربية؟ أعتقد أنه من حق أي منا أن يشكك بصحة تلك الأقوال لذلك فعادة ومن المفروض أن يقدم صاحب بحث كهذا الأسماء الأصلية (اللاتينية) إلى جنب الأسماء العربية لكي يسهل على القارئ البحث والتأكد عن تلك المعلومات سوى كان من الانترنت او من الكتب مباشرة. فقد أردت مثلا أن أبحث عن الكتاب الأول لغوته (الديوان الشرقي للشاعر الغربي) لكني لم أجد عنه شيئا في الأنترنت. طبعا أن لا أقول أن ذلك الكتاب غير موجود بل ربما كان موجودا ومشهورا أيضا (والخطأ كان في عملية البحث) لكن من حقي على الكاتب أن يقدم لي العنوان الأصلي للكتاب لأبحث عنه وأطلع عليه على الأقل للسبب الذي سأذكره في الملاحظة العامة الرابعة. إلا إذا كان عدم تقديم الاسماء الاصلية نوع من التعسير على الباحث إن لم نوع من التظليل.
الملاحظة العامة الرابعة:
لا يمكن أبدا أخذ هذه الأقوال على ظاهرها فيجب الاطلاع على السياق التي جاءت فيه تلك الأقوال. فيمكن لأي منا أن يأخذ أحد مسرحيات شكسبير ثم يقتبس منها قولة جميلة ليحيلها على شكسبير بينما في الحقيقة جاءت تلك القولة على لسان أحد الشخصيات في أحد مسرحياته. لذلك فيمكن أن نجد مثلا في الملك لير (King Lear) القول الذي بدأ به أدموند (Edmund) المشهد الثاني من الفصل الأول والذي يبدأه بقوله "أيتها الطبيعة أنت ربي، لقوانينك تخضع خدماتي..."
Thou, nature, art my goddess; to thy law / My services are bound.
ما رأيكم لو قلنا: "وكما قال شكسبير أيتها الطبيعة..." ثم نلحق القولة تلك فيصبح شكسبير بناء على ذلك متهما بالالحاد. أعتقد أنه اطلاعنا على السياق سيمكننا من اكتشاف كل حيثيات كل قولة ووضعها في إطارها الصحيح لأن أي جملة أو فقرة منفصلة عن فصلها أو نصها أو على الأقل فقرتها لا يجب أن تحمل على ظاهرها.
طبعا كنت أتمنى أن أتناول كل قولة بالتفصيل لأقدم مآخذي على كل واحدة (وأكيد سأجد العديد من المآخذ)
لكني أفضل أن أستمع أولا للرد على الملاحظة العامة الأولى التي قدمتها أول هذه المداخلة. لذلك أرجو أن يبدأ أي راغب في الرد على مداخلتي هذه بها قبل بقية الملاحظات لكي لا يتشتت النقاش بين نقطة وأخرى.