تقنية القناع في القصيدة
للشعراء وسائل عديدة في صياغة تجاربهم الشعرية منها وسائل التصوير البلاغية المعتادة من استعارة وتشبيه بأنواعه المختلفة .. إلخ
هذه الوسائل وسائل جزئية تنشأ في البيت أو البيتين لكي تلبس الأفكار الجزئية ثوبا جماليا
مع التطور في الشعر الحديث بدأت تظهر تقنيات خاصة للتعبير ولكن مجال عملها ليس الجزئي في البيت أو البيتين وإنما المجال كلي يستبي القصيدة كلها لحسابه منها الرمز الكلي واستلهام الأسطورة ومنها ما نحن بصدده وهي تقنية القناع

فما هي تقنية القناع
يقول الدكتور جابر عصفور : القناع رمز يتخذه الشاعر العربي المعاصر ليضفي علي صوته نبرة موضوعية تنأى به عن التدفق المباشر للذات دون أن يخفي الرمز المنظور الذي يحدد موقف الشاعر من عصره وغالبا ما يتمثل رمز القناع في شخصية من الشخصيات تنطق القصيدة صوتها وتقدمها تقديما متميزا يكشف عالم الشخصية في مواقفها أو هواجسها أو تأملاتها أوعلاقتها بغيرها فتسيطر هذه الشخصية علي قصيدة القناع وتتحدث بضمير المتكلم إلي درجة يخيل إلينا معها – أننا نستمع إلي صوت الشخصية , ولكننا ندرك – شيئا فشيئا أن الشخصية – في القصيدة – ليست سوي قناع ينطق الشاعر من خلاله . فيتجاوب صوت الشخصية المباشر , مع صوت الشاعر الضمني تجاوبا يصل بنا إلي معني القناع في القصيدة
( راجع هذه الدراسة المتميزة للدكتور . جابر عصفور , أقنعة الشعر المعاصر في مجلة فصول العدد الرابع يوليو 1981 الهيئة المصرية العامة للكتاب , القاهرة ص 123 وما بعدها )


فالقصيدة تتقنع بشخصية امرئ القيس الشاعر العربي القديم وهو شخصية تاريخية عاشت في العصر الجاهلي وكانت لها حوادث يذكرها الرواة والإخباريون
والقصة علي النحو الذي رويت به أن حياته الأولي مضت في لهو وعبث بين الصيد ومصاحبة أخلاط من شذاذ العرب وشرب الخمر والقصف ومعابثة النساء إلخ فلما قتل أبوه الملك حجر وكان يملك علي بني أسد وغطفان حمل له الخبر وهو في مجلس خمر فلم يقم عن الشراب وقال قولته الشهيرة ( اليوم خمر وغدا أمر ) وظل طوال حياته يحاول أن يدرك ثأر أبيه
( راجع أخبار الشاعر في الأغاني للأصفهاني )
( وشرح القصائد السبع الطوال الجاهليات )
هذا هو الصوت التاريخي ( القناع ) فما هو الصوت المعاصر الذي يتقنع بصوت الشاعر الجاهلي القديم ؟
إنه صوت الفلسطيني الذي يحاول أن يسترد أرضه الضائعة من المغتصبين الذين قتلوا الأباء والأجداد
وما يرشح لهذا الفهم هو هذه الإشارات القليلة في النص مثل :
( سـَـرقُوا أبــي
بيّــارَتي زَيـْــتـُونــَتي
وأنــا الضَّـليلُ على مَداخِلِ بـَـلْدَتي )

ومثل
(آهٍ أبــي
بَــيـَّـارَتي ســتعودُ ناضِرَةَ الــجُذُورْ
زَيـْتُــونــَتــي ســتضــيءُ تــاريــخَ
الحُضُـــورْ )

وهذه الإشارات قد ترشح للصوت الفلسطيني بنوعية المفردات التي يطرحها الشاعر في النص ولكنها تستوعب أيضا صوت كل من أغتصبت أرضه .

ووجه العلاقة بين الصوتين هو الذي يحدد مدي نجاح التقنية المستعملة في القصيدة ذلك أن تلك التقنية ( القناع ) المقصود منها هو خلق درامية في القصيدة في تبادل الرؤي بين الصوتين في القصيدة
ولكننا نلاحظ أن القصيدة غلبت عليها الغنائية في المقاطع الأولي ولم تستطع استثمار تلك التقنية الاستثمار الكامل
يقول د. عصفور : والقناع – لذلك وسيط , يتيح للشاعر أن يتأمل – من خلاله – ذاته في علاقاتها بالعالم فيبطئ القناع من التدفق الآلي لانفعالات الشاعر ويسهم في تحويلها إلي رمز له وجوده المستقل

ويقرر أيضا : ويبرر هذا التفاعل من هذه الزاوية ما نلمسه في قصيدة القناع عادة من توتر يدنو من الدراما
( راجع الدراسة المشار لها أعلاه )

لي ملاحظات بسيطة علي التعبير ,
1 – (يَكْسِرُ الزمنَ الحزيـنَ
على شَـواهِد في
عَسِيب )ْ
أفضل أن تكون ( من عسيب )
2 – وأنــا الضَّـليلُ على مَداخِلِ بـَـلْدَتي
استعمل الشاعر كلمة الضليل والكلمة اللقب هي الضليل
بوزن القنديل أنا لا أعيب استعمالها بالوزن الأول ولكن كان من الأفضل استعمالها بالوزن الثاني
مع تطويع الميزان الشعري

3 - حمَّلْتَنــي حِـمْــــلاً كَبــــيرْ
تكرار نفس المادة في الفعل والاسم غير موفق

أرجو أن تستمتعوا بتذوق القصيدة فهي قصيدة جيدة وفيها تطور في مسيرة زميلنا الشعرية
ولو كان لدي الوقت لحللتها تحليلا


كوكو