{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
رواية العار أو لاجا لتسليمة نصرين ( كاملة )
eyad 65 غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 689
الانضمام: Sep 2004
مشاركة: #2
رواية العار أو لاجا لتسليمة نصرين ( كاملة )
اليوم الثاني
معظم أصدقاء سورنجان من المسلمين لا أحد منهم كان متدينا بشكل زائد وكانوا يقبلونه كصديق قريب بالرغم من أنه هندوسي وفي العام الماضي مثلا دعا كمال الأسرة كلها إلى بيته . لدى سورنجان أصدقاء هندوس مثل كاجا واشيم وجاديب , ولكنه كان أقرب إلى كمال وبولوك وحيدر وبلال و رابيل وفي الحقيقة عندما يمر بمتاعب كان حيدر وكمال وبلال هم الذين يساعدونه أكثر من أصدقائه الهندوس , ذات مرق سقط سودهاموي مريضا وجاء الطبيب د. هاريبادا وشخص الحالة بأنها انسداد في عضلة القلب وكان عليهم أن ينقلوه فورا إلى مستشفى السهرودي في الساعة الواحدة والنصف صباحا . عندما أبلغ سورنجان كاجال تثاءب وقال :
- كيف نستطيع نقله في هذا الوقت المتأخر ؟ فلننتظر حتى الصباح ونتصرف.
ولكن فور علم بلال بالأمر أسرع قادما بسيارته وقام بكل الإجراءات ونقل سودهاموي إلى المستشفى وظل هناك تحت الإشارة لتقديم أي مساعدة وكان يؤكد لفسودهاموي كل فترة :
- لا تقلق يا عمي كل شيء سيكون على ما يرام أنا مثل ابنك
تأثر سورنجان بقلق صديقه على أبيه وطوال فترة إقامة سودهاموي بالمستشفى واظب بلال على زيارته ولم يتوقف لحظة عن التفكير في صحة سودهاموي ونقل الزائرين إليه وتوصية الأطباء ليعتنوا به عناية زائدة , كم عدد الذين يهتمون بأصدقائهم هكذا ؟ كاجال كان لديه المال أيضا ولكن هل لديه قلب كبير مثل هذا ؟ معظم نفقات علاج سودهاموي دفعها رابيل فجأة ظهر في بيتهم في تيكاتولي وقال :
- سمعت أن أباك في المستشفى ؟
وقبل أن يجيب وضع رابيل مظروفا مغلقا على المنضدة وقال :
- أصدقاؤك ليسوا غرباء
ثم رحل بنعومة كما جاء . فتح سورنجان المظروف فوجد فيه خمسة آلاف تاكا . لكن سبب قرب سورنجان من أصدقائه المسلمين لم يكن وقوفهم المادي والمالي معه , ولكن لأنه وجد نفسه قريبا منهم عن أصدقائه الهندوس في التفكير و الوجدان
وبشكل عام كانت صداقته مع حيدر وكمال ورابيل أعمق من صداقته بكاجال واشيم وجاديب . وفيما يتعلق بالقلب كان يحب بارفين شقيقة حيدر عقليا و عاطفيا أكثر من ارشانا أو ديبتي أو جيتا أو سوناندا .

لم يكن سورنجان يعرف التفرقة بين أصدقاءه بناء على دينهم . في طفولته عرف أنه هندوسي ولكن لم يكن يعرف ما الذي يعني هذا بالضبط . أثناء دراسته في مدرسة القرية في ميمنسنج كان يدخل في مشادات كلامية مع صبي اسمه خالد وعندما وصلت المشادات إلى ذروتها قام الصبيان بشتيمة كل منهما للآخر بأفحش الكلمات . وعندئذ وصفه خالد بأنه هندوسي . وعرف سورنجان أن كلمة هندوسي كانت نوعا من الحط من شأنه مثل كلمة كلب أو خنزير. ولكن بعد أن نضج بعض الشيء عرف أن كلمة هندوسي تعني الطائفة الدينية التي ينتمي إليها وعندما كبر واستطاع أن يتخذ قرارا في هذه المسألة أعلن سورنجان أنه قبل كل شيء وبعده – إنسان بنغالي العرق .وأن هذا العرق لم تصنعه ديانة معينة وأنه لا يجب أن يضع الناس حدودا طائفية بين بعضهم البعض .

وكان يقول لأصدقائه و أسرته أن البنغاليين كعرق لا يجب أن يصنفوا أنفسهم بفروق طائفي أيا كانت من أجل أن يبقى مصطلح بنغالي غير مقسم . ولسوء الحظ فإن نظرة سورنجان المثالية لم تجد قبولا كبيرا في بنغلادش لأنهم كانوا يبحثون عن الوحدة لا بين أبناء الأمة الواحدة بل بين أبناء الدين الواحد حتى لو كانوا يعيشون في بلاد أخرى مختلفة ونتيجة ذلك ببساطة أن يعامل أفراد مجموعة معينة من ديانة مختلفة على أنهم دخلاء بل و منبوذون في وطنهم .
هذه النظرة التي لاقت قبولا في كل الدولة هي التي أسفرت عن التقسيم بين الهندوس والمسلمون.

اليوم هو الثامن من ديسمبر الأمة كلها في حالة إضراب دعا اله الأصوليون بناء على دعوة أحد الأحزاب القوية وهو حزب " الجماعة الإسلامية " اعتراضا على هدم مسجد بابري
قضى سورنجان يومين من الكسل في فراشه قبل أن يقرر أن يستنهض نفسه ليرى مالذي يحدث في داكا مدينته المحببة . في الغرفة المجاورة كانت أمه تستلقي مرعوبة مما يمكن أن يحدث لهم . لم يكن سورنجان متأكدا من مشاعر سودهاموي الشيء الوحيد الواضح بالنسبة له هو أنه لن يلجأ إلى الاختباء هذه المرة وإذا كانت نتيجة ذلك هي موته فليكن , إذا أتى المسلمون وقطعوهم إربا فليفعلوا

لم يكن سورنجان واثقا من مدى حكمة موقف أبيه ولكنه كان بمثل تصميمه على البقاء في البيت . مايا رحلت بمفردها ولا يمكنه أن يفعل لها شيئا ذهبت للعيش في بيت مسلم عند صديقتها بارول رفعت , مايا المسكينة تمنى أن تكون في أمان وبينما كان يستعد للخروج نهضت كيرونموي وسألته :
- إلى أين تذهب ؟
- سألقي نظرة على المدينة لأعرف مالذي يحدث بها
- لا تذهب يا سورو لا أحد يدري ما الذي يحدث في الخارج
أجاب سورنجان باستياء وهو يصفف شعره :
- فليحدث ما يحدث . يوما ما ينبغي أن نموت كلانا لا ترتاعي هكذا يزعجني أن أري الناس مرعوبين
جرت كيرونموي وهي ترتجف من الخوف نحو ه وخطفت المشط من يده قائلة :
- اسمعني يا سورنجان الموقف خطير في الخارج بالرغم من الإضراب فهم يهاجمون المحلات والمعابد ابق في المنزل فليس هناك من داع للخروج
- لكن سورنجان كان دائما ابنا غير مطيع . فلماذا يطيع أمه الآن ؟ لم يبال بكلامها وغادر البيت . اندهش سودهاموي الذي كان جالسا وحده من رؤية ابنه يخرج لكنه لم يبد أي محاولة لمنعه .

هواء المساء منعش ولكنه مشحون بصمت متجهم مخيف , سورنجان لم يكن خائفا في بيته ولكنه الآن بعد أن غادر ملجأه انتابه بعض الخوف وبما أنه قرر التجول في المدينة فقد صمم أن يفعل ذلك . في الطريق ازداد شعوره بعدم الراحة عندما أدرك أن
أحدا من أصدقائه المقربين لم يسال عنهم أو يعرض عليهم اللجوء إلى بيته , لا بلال ولا كمال .. لا أحد حتى إذا جاؤوا لن يذهب معهم على أية حال ولماذا يفعل ذلك ؟ هل عليهم أن يحزموا حقائبهم و يهربوا في كل مرة تنشب فيها حوادث العنف ؟ إنه شيء مخجل وعار حقيقي . في الواقع , كما فكر سورنجان لقد كان أحمق عندما قبل ضيافة كمال آخر مرة إذا جاءوا للسؤال عنه هذه المرو فسوف يقول لهم :
- كيف يمكن أن تقتلونا وتشفقوا علينا بنفس الوقت ؟ الأفضل أن تجمعوا كل الهندوس في البلد وتضعوهم أمام صاروخ منطلق , ساعتها ستنتهي كل مشاكلهم , بدلا من أن تقتلونهم متفرقين أو تستعرضوا بأنكم تنقذوهم سرا .
بمجرد دخول سورنجان شارعا أكبر , صاح مجموعة من الصبية :
- أمسكوه , إنه هندوسي
هؤلاء الصبية جيرانه على مدار السنوات السبع الماضية كان يلتقي بهم مرة على الأقل كل يوم . وكان يعرف اثنان منهم شخصيا واحد منهم اسمه علام كثيرا ما كان يأتي إلى بيتهم ليطلب مساهمة مالية لنادي الحي . وكان سورنجان يشارك في بعض الأنشطة الثقافية التي ينظمها النادي وفكر حتى بأن يقوم بتعليم الأولاد أشعار د.ل.روي و هيمانجا بيسواسكانوا يأتون إلى بيته دائما يطلبون كل أنواع المساعدة ولأنهم جيران كان سودهاموي يعالجهم بالمجان غالبا . إنهم نفس الذين يهددون بضربه اليوم لأنه هندوسي
.
أسرع سورنجان في الاتجاه المضاد لا بدافع الخوف بل بدافع الخجل , كان خجلا ومغتما من فكرة أن هؤلاء الأولاد يضربونه هذا الإحساس بالعار والحزن لم يكن موجها نحو نفسه بل نحو هؤلاء الذين يمارسون العدوان وليس المعتدى عليهم .

اتجه إلى ميدان شابلا , صمت متوتر في المنطقة مجموعات صغيرة قليلة من الناس يقفون .. قطع من الأحجار ملقاة عبر الشارع مع أخشاب مشتعلة وزجاج مكسور من الواضح أن حادث عنف قد اندلع في المكان منذ قليل بعض الشبان كانوا يعدون لعمل بعض المهام , وفي الاتجاه الآخر تعدو بعض الكلاب الضالة بدون هدف مرت بعض عربات الريشكا " وسائقوها يدقون أجراسهم لم يفهم سورنجان ماذا يحث بالضبط . فقط الكلاب التي لا تعاني من الخوف بدت أنها تجري مبتهجة , لعلها كانت سعيدة أن بإمكانها الجري في الشوارع الخالية وتمنى سورنجان لو انه يستطيع الجري مثلها .

منطقة موتجيل التجارية المزدحمة بالعادة كانت الآن عارية وصامتة وأغرت سورنجان باستعادة طفولته ... أن يلعب الكرة ويتناول الفواكه أو يركب الأخشاب ويلعب الكريكيت .. نظر إلى يساره فشاهد مبنى يحترق وأدرك أنه مكتب شركة الطيران الهندية لم يبق شيء من لافتته ولأبوابه ونوافذه .

بعض الناس وقف حول الحطام يثرثرون و يضحكون . فجأة تولاه شعور بأنه مراقب , أسرع بالابتعاد عن المكتب المحترق لماذا يهتم ببعض المباني المحترقة ؟ أثناء سيره شاهد عددا آخر من المباني المحترقة هل هون يستمتع برائحة الخشب و الطين المحترق كما يستمتع عادة برائحة الزيت المحترق . ربما ؟
لاحظ وجود تجمع خارج مبنى الحزب الشيوعي البنغالي ورأى الأحجار ملقاة على الطريق . وبالجوار كانت هناك مكتبة يشتري منها الكتب عادة لم تسلم من الاعتداء هي الأخرى ! كتاب نصف محترق كان راقدا أمام قدميه رواية " الأم " لمكسيم غوركي . فكر للحظة في أنه بطل الرواية بايلولاسوف ثم تخيل أنه يشعل النار في أمه ثم يسحقها تحت قدميه . ارتجف بلا إرادة من الفكرة بينما الكتاب يتفحم عند قدميه . تجمع المزيد من الناس , يتحدثون بهمس مرتفع بينما المكان كله ملفوف بالتوتر والإثارة ماذا حدث ؟ ماذا سيحدث ؟ لا أحد يعرف بالرغم من الشائعات التي تملأ الهواء . الشيء الوحيد الواضح أن مكتب الحزب الشيوعي قد احترق .

ولكن لماذا ؟ البعض أجاب بأن الشيوعيون غيروا استراتيجيتهم بالفعل ولنهم لا يستطيعون الهرب من غضب المتعصبين . الفيق " فرهد " مات على ما يبدو هناك جنازة ضخمة تم تنظيمها والدعوة إلى حفل تأبين يحضره الجميع وبالرغم من هذا لم يتخيل أن الطائفية أحرقت مركز الحزب الشيوعي !

حق سورنجان في أطلال المكتب المحترق . وفجأة شاهد قيصر يقترب منه . ذقنه غير حليق وشعره غير مهذب وعيناه بلون الدم , وقلق غريب يتبدى في صوته وهو يقوي بلجة آمرة
- لماذا خرجت؟
أجاب سورنجان :
- ألا يمكنني أن أخرج :
لا ليس ذلك ولكنك تعلم هذه الحقارة .. كل هذا الكلام عن الدين , قل لي هل يؤمنون بالدين فعلا ؟ الإرهابيون شباب جماعة شيبر فعلوا هذا , احرقوا مكتب الحزب والمكتبة ومكتب خطوط الطيران الهندية , هؤلاء الذين كانوا ضد الاستقلال ينتظرون الآن أي فرصة لإثارة المتاعب كما لو أن الجميع بانتظار سماعهم يصرخون .
خرجا من موقع الدمار معا سأله سورنجان عن الأماكن الأخرى التي تم إحراقها , ذكر له قيصر أسماء أكثر من عشرة معابد ودور عبادة هندوسية تم هدمها وإحراقها وأضاف :
- المثير للسخرية أنه في أثناء ذلك كانت المسيرات تنادي بالوئام الطائفي
تنهد سورنجان بعمق , أزاح قيصر شعره إلى الوراء وقال :
- ليس المعابد فحسب لقد أشعلوا النار في معسكر الصيادين في ماجهيرجهات وعلى الأقل خمسون منزلا تم تدميرها عن اخرها
استطرد قيصر في ذكر عشرات المعابد ودور العبادة ومئات المنازل ومحلات وممتلكات الهندوس التي أحرقت أو هدمت ونهبت والذين ماتوا و النساء اللواتي تعرضن للضرب والحرق . وفي نهاية هذه القائمة الطويلة من الدمار كان كل ما قاله سورنجان هو :
- أوه
ولم يرغب في قول شيء آخر كل مارغب فيه هو ركل الأحجار في طريقه كما اعتاد أن يفعل في طفولته . واصل قيصر إخباره بالمزيد من الحالات ولكن سورنجان توقف عن الاستماع لم يكن حتى مهتما . توقف كلاهما أمام نادي الصحافة . كان هناك عدد من الصحافيين يقفون خارج المبنى مستغرقين في مناقشة حامية . حدق سورنجان فيهم وباهتمام غائم حاول سماع كلامهم , البعض قال أنه في الهند قتل مائتا شخص على الأقل في حوادث عنف وإطلاق النار من قبل البوليس ووصل عدد الجرحى إلى عدة آلاف . الجماعات الأصولية تم حظرها وزعيم المعارضة استقال من منصبه . والبعض كان يحكي عن شخص في تولسيدهام أمسك به أفراد الجماعة وكادوا أن يشعلوا النار فيه لولا أن تعرف عليه بعض الناس و قالوا لهم إنه مسلم

الذين يعرفون سورنجان اندهشوا من رؤيته هناك سألوه عن سبب خروجه كمن منزله ونصحوه بالعودة إلى البيت فورا لأنهم يتوقعون المزيد من العنف .. لم يقل سورنجان شيئا كان مرتبكا و مشوشا . هل يجب أن يبقى في البيت لمجرد أن اسمه سورنجان دوتا بينما يستطيع قيصر ولطيف و بلال لا الخروج من البيت فحسب ولكن مناقشة الأحداث والانضمام إلى المسيرات المعارضة للطائفية . بالتأكيد هذا ليس عدلا , أليس سورنجان مستقل التفكير ومنطقي وحي الضمير مثلهم ؟ استند على حائط بجواره وبدت نظرته خالية من المعنى وهو يشعل سيجارة " بانجلا فايف " اشتراها من محل قريب . شعر بالضياع والعزلة الشديدة الكثير من حوله من معارفه وكان بالطبع مقربا من بعضهم , ولكنه يشعر بالوحدة !

شعر بإحباط من كونه لا يستطيع الانضمام إليهم في مناقشة تدمير مسجد بابري والمعابد . حتى إذا أراد الاندماج و الاختلاط معهم فلن يستطيع , لأنه كان هناك خط لا يمكنه تجاوزه فهم لماذا يحاول الناس تجنبه و إخراجه من مجموعاتهم ولماذا يشفقون عليه ولكن لم يكن من السهل عليه قبول هذا . استغرق في تدخين سيجارته ونفخ عددا من حلقات الدخان وعندئذ وسط النشاط المحموم حوله ترك جسده ينفصل ويسقط على الحائط ..القريب

عدد الذين يلقون بنظراتهم الجانبية إلى سورنجان كان يتزايد , معظمهم يندهشون من رؤيته , لأنه لم يكن هناك هندوسي واحد خارج بيته ولذلك لم يكن مستغربا أن يندهشوا من وجوده . انضم قيصر إلى مجموعة من الناس يعدون للخروج في مسيرة . وتجمع الصحافيون بحقائبهم وكاميراتهم عند المشهد , من بينهم لوتفور لم يناده سورنجان وبعد قليل جاء لوتفور بنفسه مذهولا من رؤيته وقال :
- لماذا أنت هنا يا دادا ؟
- لماذا لا أكون هنا ؟
كان لوتفور قلقا ومشغولا بشدة وهو يقول :
- آمل ألا تكون هناك متاعب في البيت

شعر سورنجان باستغراب من حمية صوت لوتفور وسلوكه و في العادة كان الفتى خجولا و صامتا ولم يكن ينظر في عين أحد مباشرة , كان شابا مهذبا وسورنجان هو الذي تحدث إلى رئيس تحرير مجلة " أكاتا " ونجح في أن يحصل له على هذا العمل . أشعل لوتفور سيجارة " بنسون " وواصل استجواب سورنجان :
- هل أنت متأكد أنه لا توجد مشكلة ؟
ضحك سورنجان وقال :
- أية مشكلة ؟
شعر لوتفور بالحرج و قال :
- أنت تعلم يا دادا , أعني حالة البلد
ألقى سورنجان بعقب سيجارته وداسه بقدمه , كان مندهشا بعض الشيء لأن لوتفور لم يرفع صوته عليه أبدا كما يفعل الآن ولم يستطع سورنجان منع نفسه من الشعور بأن لوتفور كان وقحا بعض الشيء نفث لوتفور دخان سيجارته وقال بعبوس :
- دادا , أعتقد أنه يجب أن تذهب إلى مكان آخر اليوم . ليس من الأمان أن تبقوا في منزلكم , ألا تفكر في الذهاب إلى بيت جار مسلم لليلتين على الأقل ؟
نظر سورنجان بشحوب في جزء من حبل محترق أمام محا السجائر وأجاب لا مبالاة مقصودة :
- لا
- لا!!
انزعج لوتفور من موقف سورنجان واستطاع الأخير أن يستشعر القلق في صوته , لكن ما كان يقوله الشاب الصغير ليس جديدا , وكل واحد لديه الجرأة قبله , نصحه بنفس الشيء تقريبا :
- ليس من الصواب أن تبقى في بيتك الأفضل أن تختبئ لا تكشف عن هويتك اخرج عندما يخف توتر الموقف .
أراد سورنجان أن يشعل سيجارة أخرى ولكن سلوك لوتفور وتحذيراته المستمرة أثنته عن إشعالها وضع ذراعيه حول صدره وتطلع حوله الأشجار ترتدي الأوراق الخضراء ملابسها الشتوية . ‘نه يحب هذا الموسم والأشياء التي تص2حبه : كعك الصباح والدخول تحت اللحاف الذي دفأته الشمس عندما يأتي الليل وقصص " العفاريت " التي تحكيها أمه ..

عاد إلى الزمن الحاضر عندما رأى رجلا ملتحيا يحمل حقيبة تتدلى على كتفه , وقف بجوار لوتفور و أخذ يحصي بصوت مرتفع الأعمال الوحشية التي ارتكبت لعدد من المعابد ودور العبادة الهندوسية ومنازل و محلات الهندوس . تساءل سورنجان هل يجب أم يغادر الآن , لأنه لم يعد يرغب بصحبة أحد في نفس الوقت لم يعرف ماذا يفعل أو إلى أين يذهب بالضبط هل يظل واقفا هنا وينضم إلى المسيرة أم يرحل إلى مكان بعيد ؟ ربما يجب أن يذهب إلى مكان مقفر لا أصدقاء فيه ولا أقارب .. الرجل ذو اللحية والحقيبة المدلاة على كتفه , انضم إلى مجموعة إلى مجموعة أخرى ليعيد ما لديه من أخبار , وبدأ لوتفور يستعد للرحيل لأن لا مبالاة سورنجان بدأت تزعجه .

لا يزال هناك الكثير من التوتر في الهواء مال مزاج سورنجان من جديد إلى مشاركتهم فيما يحدث , أن ينضم إلى الجمع ويقوم بإحصاء المعابد التي دمرت وأحرقت ويسأل عن البيوت والمحلات التي نهبت وسرقت , ولأن يعترض على مل يحدث لابد من جلد هؤلاء المتعصبين . هؤلاء المتدينون الزائفون هم دجالون بالسم الدين . لكن رغبته في أن يصبح جزءا من كل ما يحدث حوله كانت تخبو بنظرات الشفقة التي يوجهها إليه المحيطين به بلا صوت بدا وكأنهم يخبرونه بأنه لا يستطيع المشاركة معهم . لقد كان حتى اليوم خبيرا بإلقاء الخطب في عدد كبير من الموضوعات وفي تولي القيادة في مختلف النشاطات , اليوم كما لو أن قوة غريبة تنزع منه صوته , ولا أحد حوله يريد تشجيعه على قول شيء أو عمل شيء , على أنم يقف و يقاتل . انشق قيصر عن الزحام وأتى إليه و همس :
- إنهم يخططون لعقد اجتماع في " بيت المكرم " لمناقشة قضية مسجد بابري . إنهم يتجمعون وسيكون من الآمن لك أن تعود إلى البيت .
سأله سورنجان :
- أوه لا و أفضل أن أحضر الاجتماع الذي يدعو إلى الوئام الطائفي ز
خلف قيصر كان هناك شابان صغيران اسميهما ليتون وماهاتابا قال أيضا :
- هذا لمصلحتك حتى جالخبار أحرقوه .. إنهم يفعلون ذلك حولنا , هل تتخيل ما سيفعلونه إذا عرفوا هويتك ؟ انهم يجرون علانية حاملين السكاكين والمخارط والسواطير .
نادى قيصر على عربة ريكشا ليرسل فيها سورنجان إلى البيت .
ظهر لوتفور وأمسك بيد سورنجان و قال بلهجة آمرة:
- تعال يادادا اذهب مباشرة إلى البيت أنا فعلا لا افهم ماذا أخرجك من البيت اليوم !
كلهم بدأوا في الإلحاح عليه بالذهاب إلى البيت . بعض الذين لا يعرفونه جاءوا مسرعين ليعرفوا ماذا يحدث . شرح لهم أصدقاؤه أنه هندوسي وليس من الأمان أن يظل هناك , و أطرق الآخرون مؤيدين :
- نعم لابد أن يعود إلى البيت
لكن سورنجان لم يترك بيته لمجرد أن يجبروه على العودة إليه , دفعه الأصدقاء برفق نحو الريكشا بينما أمسك لوتفور بيده , فجأة انتاب سورنجان العناد وانتزع يده بقوة .

سعر سودهاموي بالتعب كل ما أراده هو الاستلقاء في الفراش والراحة لكنه وجد نفسه ينهشه الأرق , ففوق كل ما حدث غادر سورنجان البيت وفور رحيله سمع سودهاموي طرقا على الباب قفز من فراشه آملا أن يكون سورنجان قد عاد , ولكن الطارق كان أختارو جامان . الأستاذ المتقاعد في الجوار الذي يبلغ الستين من عمره , دخل البيت ورد الباب الأمامي وسأل سودهاموي بصوت قلق :
- هل هناك أية متاعب ؟
نظر سودخاموي إلى أكوام الكتب على المائدة وسأل بفتور : لا , ما الذي يمكن أن يحدث ؟
سحب اختاروجامان مقعدا وجلس عليه كان يعني من متاعب في عظامه ولذلك يحافظ على رأسه مستقيما دائما بشكل غير طبيعي و قال:
- أنا متأكد أنك سمعت ما حدث لمسجد بابري لم يبق منه شيء ياله من عار !
غمغم سودهاموي ولم يعلق
- أليس لديك شيء تقوله ؟ هل تؤيدهم ؟
- ولكن لماذا أؤيدهم ؟
- إذن لماذا لا تقول شيئا ؟
- الأشرار يفعلون أشياء شريرة . كل مل يمكنني عمله هو الشعور بالأسف
لا أكاد أصدق أن تحدث مثل هذه الأشياء في دولة علمانية ! يا للعار ! المؤسسة القومية بأكملها , هذه البيانات السياسية ومحكمتهم العليا والبرلمان و الأحزاب السياسية والتقاليد الديمقراطية , كل شيء يفعلونه ليس أكثر من بعض الضوضاء و الهواء الساخن . مهما قلت يا سودها-بابو ليس في بلدنا أية حوادث عنف مقارنة بالهند .

تزايد الألم في صدر سودهاموي . استلقى باسترخاء في الفراش ربما يعيد إليه كوبا من الشاي الساخن بعض الحيوية , ولكن من يعد له الشاي ؟كيرونموي مكتئبة جدا بسبب ما فعله سورنجان ولا ينتظر منها أن تعد الشاي , لماذا خرج سورو بمفرده ؟ وإذا كان يجب أن يخرج لماذا لم يأخذ حيدر معه ؟ ولكنه مندفع دائما ومن المستحيل إبقاؤه طالما يريد الخروج يفهم سودهاموي ذلك ولكن الحزن و القلق طبيعة إنسانية لا تفهم بالمنطق أخفى سودهاموي قلقه وحول اهتمامه إلى ضيفه من جديد , وقال :
- الغريب أن كل الأديان هدفها واحد – وهو السلام .. والآن باسم الدين تحدث كل هذه القلاقل ويفتقد السلام , دماء كثيرة تراق وبشر كثيرون يتعذبون . أمر يدعو للشفقة أنه على مشارف القرن العشرين نشهد مثل هذه الأعمال الهمجية ترتكب باسم الدين
- إن رفع لواء الدين كان دائما أسهل طريق لسحق البشر والروح الإنسانية .
كان دور اختارو جامان في الكلام عندما دخلت كيرونموي إلى الحجرة تحمل كوبين من الشاي , وسألت زوجها :
- هل زاد ألم صدرك ؟ لماذا لا تتناول أقراصك ؟
وضعت الكوبين على المائدة وجلست على الفراش قال لها اختاروجامان :
- يا بودي أنت لا ترتدين ملابس الهندوس السانخا والساندور , أليس كذلك ؟
نظرت كيرونموي لأسفل وقالت ك
- ليس منذ 1975
- حمدا ل الله ! على الأقل يمكن أن تضمني سلامتك .. الأفضل أن يكون الإنسان آمنا عن أن يكون آسفا
ابتسمت كيرونموي ابتسامة شاحبة ومثلها ابتسم سودهاموي . شرب الضيف شليه بجرعات سريعة , ألم صدر سوردهاموي لم يتراجع و لكنه قال :
لقد كففت أنا أيضا عن ارتداء الدهوتي من أجل عيون حياتي العزيزة يا صديقي
وضع اختارو جامان كوبه وقال :
- سأذهب الآن أعتقد أنني سأمر على بينود –بابو لأطمئن عليه أثناء عودتي

بعد ذهاب البروفسور العجوز رقد سودهاموي العجوز في فراشه , برد شايه دون أن يمسه , أغلقت كيرونموي الباب وجلست وظهرها إلى الضوء ووجهها في الظل في وقت ما كانت كيرونموي تغني بصوت جميل , إنها ابنة محامي شهير في بداهمانباريا تزوجت في سن السادسة عشرة , بعد زواجها شجعها سودهاموي على تعلم الغناء والموسيقى وتلقت بعض الدروس على يد ميتهان دي . وسرعان ما أصبحت مغنية جيدة لدرجة أنهم كثيرا ما كانوا يطلبون منها أن تغني للجمهور في ميمنسنج لأن عدد المطربين في المدينة كان محدودا .

تذكر سودهاموي حادثة جرت عندما كان عمر سورنجان ثلاث أو أربع سنوات . توترت أعصاب سودهاموي ونزل عرقه بغزارة عندما جاء دور كيرونموي بالغناء بعد مطرب شهير اسمه سمير شاندرا دي . غنت أغنية " أماندا لوك .. مانجالا لوك .. بيراجو ساتيا سوندارو " ( في هذا العالم من السلام و السعادة , دعونا نعيش معا , حتى نستوعب جماله ) أخذ الجمهور يصفق ويصيح طالبا الإعادة و أجبروها على غناء ثلاث أغاني على الأقل . غنتها جميعا بجمال وإحساس لدرجة أن شخصا ملحدا مثل سودهاموي تأثر بعمق لدرجة البكاء , بعد الاستقلال توقفت كيرونموي عن الغناء للجمهور . وذات يوم طلب منها سورنجان أن تشاركه الغناء في حفل محلي لكنها ضحكت و قالت :
- أنا لم أعد أتمرن و صوتي ليس في حالته .
فقال لها سودهاموي:
- كفي عن التواضع , أنت تغنين ببراعة وكل الناس يعرفونك . وذات مرة صفقوا لك طلبا للمزيد .
- نعم أعرف ذلك ولكن هؤلاء الذين هتفوا و صفقوا لي قالوا أيضا : " لأن الهندوسيات لا يخجلن من تعلم الغناء لذلك يجلسن أمام رجال غرباء ويغنين للجميع "
سألها سودهاموي :
- هل تعنين أن المسلمات لا يغنين ؟
- نعم يغنين الآن ولكن قبل ذلك عندما كانت المطربات لا يحظين بالشهرة الواسعة كان علينا أن نتلقى كل التعليقات المسيئة
ميناتي دي كانت مطربة ممتازة ولكنها أحبطت ذات يوم عندما هاجمها بعض الصبية واتهموها بأنها تحاول تعليم المسلمات الغناء .
قال سودهاموي :
- ولكنه شيء جميل أن نتعلم الغناء ؟
- ليس هذا ما يعتقده الجميع , كثير من الرجال يقولون أنه لا يجب على النساء تعلم الغناء . يعتقدون أن هذا يفسد أخلاقهن

بمرور الوقت فقدت كيرونموي كل اهتمامها بالغناء حاول أستاذها ميتهان دي لكنها تنهدت بحزن و قالت له :
- لا يا دادا , لم أعد أحب الغناء , مالفائدة إذا كان الناس يقولون أن الغناء و الرقص قلة أدب ؟

احترم سودهاموي رغبتها بالتوقف عن الغناء للجمهور ولكنه شكا أكثر من مرة رفضها أن تغني حتى في البيت . ولكن أين المناخ الملائم للغناء في البيت ؟! كثيرا ماكان يحدث في منصف الليل , عندما يجافيهم النوم أن يستيقظوا ويصعدوا إلى سطح البيت .. وهناك وهم يتطلعون إلى النجوم البعيدة في صمت وتتطلع قلوبهم إلى بيوتهم على ضفاف نهر براهما بوترا العظيم , في مثل هذه المناسبات كانت تغني كيرونموي بأغنية للشاعر طاغور تتكلم عن ذكريات حلوة لا يمكن نسيانها وكان قلب سودهاموي الصلد يصبح ناعما و يمتلىء بالحنين إلى الأشياء الجميلة القديمة . ويشتاق إلى الحقول التي كان يجوبها في طفولته وشبابه , وملعب المدرسة والنهر المتدفق وضفافه التي تؤدي إلى الغابات الكثيفة , سودهاموي القوي الصلب تحول في سنواته الأخيرة إلى رجل تتكسر روحه من الأحزان التي أصابته . كان يستيقظ باكيا في منصف الليل, عنها كان يضم زوجته إلى حضنه ليسكن من حزنه.

1971 كان عاما سيئا عليه , لأنه العام الذي اغتيل فيه أصدقاؤه جاجو نومي جوشال و برانولا ساركار ونيتاي سن أمام عينيه .
أخذوهم إلى معسكر الاعتقال وأطلقوا عليهم الرصاص . وبعد ذلك أخذوا أجسادهم في شاحنة وألقوا بها في فضاء موحش . حيثما كان يعثر الباكستانيون على الهندوس كانوا يمسكون بهم ويركلوهم بالأحذية , يطعنونهم بالحراب و يفقأون عيونهم ويكسرون ظهورهم . وإذا خرجوا من هذا كله أحياء كانوا يقتلونهم . رأى سودهاموي كثيرا من المسلمين يضربون لكن كان يتم الإبقاء على حياتهم , وهذا لم يكن يحدث أبدا مع الهندوس , خلال حرب الاستقلال تكومت جثث الهندوس و المسلمين الذين قاتلوا في سبيل وطنهم في مدفن معتقل قريب .
في هذه اللحظة المثيرة التي ابتهج فيها الوطن باستقلاله الوليد جاء أقارب معارفه ماجد و رحيم وادريس وبكوا فوق رفات الهندوس والمسلمين التي حشرت في مقبرة ماتهورباتي . وكانت دموعهم تتزايد عندما يدركون أنه لا يمكن التمييز بين عظامهم
. خرج سودهاموي من الأسر و التهذيب بقدم وثلاث عظام مكسورة في قفص صدره , شفيت كسوره وكذلك الإصابات الشديدة التي تعرض لها قضيبه المشوه ولكن ندوب قلبه بقيت للأبد , لم يشفى سودهاموي من آثار اعتقاله خلال حرب الاستقلال , عاد حيا من المعسكر ولكن هذ1ا كان كل شيء ومن وقتها لم يشعر أنه حي فعلا حياة التخفي والخوف التي كان عاشها منذ ذلك الوقت لم تساعد على تحسن حالته العقلية , فطوال سبع سنوات عاش في كوخ صغير من البوص تحت اسم مستعار هو عبد السلام .. تسمى سورنجان باسم صابر وكيرونموي باسم فاطيمة . وهو يتذكر هذه الفترة كانت آلام ضلوعه المكسورة وقلبه الذي يتمزق من الخجل لأن زوجته الحبيبة كانت تتخفى تحت اسم مستعار . في ديسمبر عندما أتى المقاتلون في سبيل الحرية إلى فالبورانتفضت كل القرية بشعار الاسستقلال " جوي بانجلا " واستطاع أخيرا أن يناديها بالاسم الذي يعبده .. كيرون.. كيرون..كيرونموي.

وتلاشى الألم الذي أحرق قلبه بعد أن استعاد حريته بأن ينادي كيرونموي باسمها الحقيقي وسط الناس . هذه كانت فكرة سودهاموي الشخصية عن الحصول على الاستقلال .

ذكريات سودهاموي قطعها فجأة طرق عنيف على الباب كان الدكتور هاريبادا باتشاريا . قرص الدواء الذي وضعه سودهاموي تحت لسانه خفف ألم صدره إلى حد سمح له بتحية صديقه . ولكن هاريبادا سأله :
- هل أنت مريض ؟ وجهك شاحب جدا
نعم يا هاريبادا منذ مدة أشعر أنني لست على ما يرام . كما أنني لم أفحص ضغط دمي .
لو كنت أعرف لأحضرت معي معدات قياس ضغط الدم
سورنجان خرج من البيت وسط كل ما يحدث , هل تتخيل مدى قلقنا عليه ؟ ولكن كيف تمكنت من الوصول إلى هنا ؟
سلكت طريقا مختصرا بعيدا عن الطريق الرئيسي
لفترة طويلة لم يتحدث أيهما , ثم خلع هاريبادا عباءته و قال :
- اليوم في داكا عقدت مسيرة للاعتراض على هدم مسجد بابري , في نفس الوقت سوف تعقد مسيرات سلام , الأحزاب السياسية وعدد من المنظمات الأخرى يطالبون الجميع بالحفاظ على الوئام الطائفي والبرلمان وجه نداء للشعب بضبط النفس والشيخة حسينة بعثت رسالة قالت فيها:يجب الحفاظ على الوئام الطائفي مهما حدث . 236 شخصا قتلوا في أحداث العنف في الهند وفرض حظر التجول في 40 مدينة وتم حظر الأحزاب الدينية كما وعد رئيس الوزراء بإعادة بناء مسجد بابري .
كان هاريبادا جالسا الآن ناظرا أمامه في حزن و سأل :
- هل قررت ماذا ستفعل ؟ هل ستبقى في هذا المكان ؟ لا أعتقد أن من الصواب أن تستمر في البقاء .. كنت أفكر في الذهاب إلى بيت أهل زوجتي في مانيكجوني . ولكن زوج أختي جاء هذا المساء وأخبرني أنه في مدينة مانيكجوني تم نهب و إحراق أكثر من مائة منزل و25 معبدا , في قرية بوكجهوري أحرقت كل منازل الهندوس , كما تسللوا إلى منزل ديبني شور في منصف الليل واختطفوا ابنته سارا سواتي و اغتصبوها .
قال سودهاموي بصوت مرتفع يملؤه العجب و الصدمة والخوف :
ماذا تعني ؟ هل ما تقوله صحيح ؟
أين ابنتك ؟
مايا ذهبت إلى منزل إحدى صديقاتها
أتمنى أن يكون منزلا مسلما
نعم
تنهد هاريبادا وهو يقول ك
في هذه الحالة فالأمر على ما يرام
كيرونموي التي أصابها الانزعاج مثل زوجها من الأخبار التي يحملها هاريبادا شعرت بالاطمئنان مجددا عندما سمعت رأي صديقهما فيما فعلته مايا , أزاح سودهاموي نظارته ومسحها و أعاد وضعها على عينيه و قال :
في الحقيقة هذه المنطقة مليئة بالعنف , لم نرى الكثير من حوادث العنف في ميمنسنج . بالمناسبة يا هاريبادا هل سمعت عن أية أحداث في ميمنسنج ؟
نعم , سمعت أنه في قرية باشوادي في نالبور , تم هدم معبدين وحجرة صلاة صغيرة في تريشال , ومعبد لكالي
ولكن في المدينة ؟ بالتأكيد لم يحدث شيء في المدينة في الحقيقة حوادث العنف نادرة في شمال البلاد . ما رأيك يا كيرونموي هل سمعت أبدا أنهم أحرقوا معبدا في ميمنسج ؟
قبل أن تجيب كيرونموي كان هاريبادا يقول :
مكتب بوجا في طريق نورث بروك هول , تمثال كالي في زاميندار والمعبد المجاور أحرقت كلها عن اخرها , اليوم في شانتفاجار نهب محلان للحلويات ثم أحرقا , في كوشيتا هاجمت جماعة شيبر ستة معابد في منتصف الليل فوق هذا , لقد شعرت بالخوف عندما سمعت عما حدث في باقي المدن
سأله سودهاموي:
الخوف من ماذا ؟
من الخروج الجماعي
لا ..لا..لا أعتقد أن حوادث العنف ستتسع في البلاد لا أعتقد أنه ستكون هناك هجرة جماعية
دادا , هل نسيت ماذا حدث في 1990 ؟ أم أنك غير قابل للتأثر على الإطلاق ؟
أوه هذا كله من تدبير حكومة أرشاد
تعال يا دادا لم لا تلقي نظرة على سجلات مكتب إحصاء حكومة بنغلادش ؟خروج هذا العام سيكون هائلا . الناس لا يرحلون بسبب أزمة مصطنعة . في النهاية طين الوطن ليس مثل طين أصيص الزهور الذي يمكن ريه بالماء كل يوم وتغييره بانتظام , لا يادادا أنا أشعر بالخوف و التوتر تماما , أحد أبنائي يدرس في كالكتا , ولكن بناتي البالغات هنا وأنا أقضي الليل مؤرقا من قلقي عليهن , أعتقد أنني سأرحل ..
خلع سودهاموي نظارته فجأة بعنف و صاح في صديقه :
هل جننت يا هاريبادا ! لا تقل هذا الكلام مرة أخرى أبدا
أعلم ما ستقوله ستقول لي أنني على ما يرام في هذا البلد وأنني أكسب مالا وفيرا ولدي بيتي الخاص .. أليس كذلك ؟
لا يا هاريبادا ليس هذا هو السبب لا علاقة للأمر بقدر المال أو الفرص المتاحة حتى لو لم تكن تكسب الكثير فليس من الصواب أن ترحل . أليس هذا بلدك ؟ انظر إلي أنا على المعاش ولم أعد أكسب الكثير . وابني لا يكسب أيضا ولكنني نجحت في مواصلة الحياة بالقليل الذي أجنيه من علاج المرضى , وهم قلائل جدا هذه الأيام ولكن هل يعني ذلك أن أترك البلد و أرحل ؟ الذين يتركون بلادهم ليس لديهم إنسانية , مهما كانت أحوال البلد الحالية , فإن البنغاليين كجنس ليسوا همجا أو غير متحضرين . نعم هناك بعض العنف الآن , ولكن الأكيد أن هذا أمر طارىء . عندما تتجاور بلدان وتندلع النار في إحداها فلا بد أن يطير بعض الشرر إلى الجيران .. ومارأيك يا هاريبادا لقي أن أحداث عنف 1964 لم يبدأها المسلمون البنغال , بل البيهاريس
لف هاريبادا نفسه بعباءته و قال :
هل تعلم لماذا أختفي تحت هذه العباءة يا دادا ؟ ليس لخوفي من البيهاريس , إنهم إخوانك المسلمون الذين أخشاهم

بعد هذا الكلام انسل هاريبادا بهدوء و غادر البيت ودخل في الظلام , تركت كيرونموي الباب مواربا قليلا لترى ما إذا كان هناك أي أثر لسورنجان و تزايد توترها مع كل دقيقة تمر ولكن لا أثر لابنهما كل فترة كانت تمر مسيرة و ترتفع شعارات باسم الله . طلب واحد كان يتكرر و يتكرر هو أنه ينبغي على حكومة الهند أن تعيد بناء مسجد بابري
عاد سورنجان أخيرا كان مرهقا وغير ثابت على قدميه , و أخبر أمه أنه لن يتناول العشاء

أطفأ سورنجان مصابيح غرفته واستلقى دون أن يأتيه النوم . وبينما كان يتقلب في فراشه عاد عقله إلى الماضي , منذ سنوات كان يعمل في مجلة " أكاتا " كمحرر وقد ثبت فيه عمله الصحفي القدرة على تنظيم أفكاره بشكل جيد , كما وفر له الإطلاع على كثير من المعلومات بشأن ما يحدث في البلد..

تأسست دولة بنغلادش على قاعدة من أربع مبادىء رئيسية : القومية , العلمانية , الديمقراطية , والاشتراكية . جاهد البلد طويلا وكثيرا من أجل الاستقلال , بدءا بالحركة من أجل اللغة 1952 وفي النهاية تحقق الاستقلال .

أثناء ذلك انهزم أشرار الطائفية والتعصب الديني , ولكن بعد الاستقلال حصل الرجعيون الذين وقفوا ضد الاستقلال على السلطة وغيروا الدستور وأعادوا شرور الطائفية و الأصولية التي نبذت خلال حرب الاستقلال الدين استخدم كسلاح سياسي وعدد كبير من الناس تم إجبارهم على اتباع تعاليم دين الإسلام وهكذا , بشكل غير قانوني وغير دستوري أصبح الإسلام الدين القومي لبنغلادش , ونتيجة لذلك انفجرت الطائفية و التعصب الديني من عام 1979 إلى التسعينات جرت المئات من حوادث التحرش و الطرد و الاستيلاء على الممتلكات و الاعتداء والاغتصاب و القتل للهندوس في مختلف أنحاء البلد , ولم يتعرض مرتكبوها لأي عقاب من أي نوع . هذه القوائم من الكوارث التي لا حصر لها دارت في عقل سورنجان و حرمته من النوم , تذكر عمله الصحافي على مدار عامي 88-1989 كمراسل لصحيفة " أكاتا " وتذكر كيف كانت تقاريره تمتلىء دائما بمثل هذه القصص من المعاناة و الألم . بعضها نشر في المجلة و البعض الآخر لم ينشر , كان رئيس تحريره يقول :
هل تفهم يا سورنجان, كل هذه الحوادث هي نوع من قمع القوي للضعيف و الغني للفقير . إذا كنت غنيا فلن يهم كثيرا أن تكون هندوسيا أو مسلما , هذه للأسف قاعدة النظام الرأسمالي , إذا ذهبت ونظرت ستجد أن المسلمين الفقراء يتعرضون أيضا للظلم , هذا لأن الأغنياء يستغلون دائما الفقراء , إنهم لا يهتمون إذا ماكان ضحاياهم هندوسا أم مسلمين.

يتبع..
02-16-2006, 01:56 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
رواية العار أو لاجا لتسليمة نصرين ( كاملة ) - بواسطة eyad 65 - 02-16-2006, 01:56 AM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  قصة الحضارة - ول وايرل ديورانت . ( لأول مرة - كاملة ، منسقة ، مفهرسة - 42 جزء -) ali alik 2 2,102 06-22-2012, 05:33 PM
آخر رد: نبع الحياة
  خماسية نور العادلين - هنري ترويا - الأجزاء الخمسة كاملة . ali alik 0 1,403 01-26-2012, 09:38 AM
آخر رد: ali alik
  الكوميديا الألهية - دانتي - ترجمة كاملة 1050 صفحة و ومجلد كتب منوعة جديدة ali alik 3 4,838 07-14-2011, 08:08 PM
آخر رد: الحوت الأبيض
  رواية عالم صوفي/ عرض للدكتور محمد الرميحي بسام الخوري 1 2,574 06-15-2011, 08:50 AM
آخر رد: بسام الخوري
  ايه العقل من رآك (عبدالله القصيمي) نسخة كاملة هدية لفرسان التنوير الوهيم 5 3,956 04-15-2011, 12:53 AM
آخر رد: قارع الأجراس

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS