لن أطيل كثيراً مع أني أرى محض ملابسات في خطابك (كالقول بأن الحرية تتوقف حين تحد من حرية الآخر، وأعتقد أنك تريد التجاوز فالحرية محدودة حكماً في أي مجتمع).
كذلك فلا أرى من معنى للحد من حرية السخرية من المعتقدات بالمطلق، لأن الكاريكاتير الذي تمارسه سيفقد معناه، لأنك بشكل عام تمارس سخرية لمعتقد ما (سياسي، عقائدي، اجتماعي .. الخ)، كما أنه يمكن السخرية من المعتقد النازي أو الصهيوني كما نرى كلنا، كذلك من ذلك القومي أو الشيوعي.
يبقى باختصار أنك تقوم بتأويل معين لهذه العبارة: "الإساءة للمقدسات الإنسانية والدينية".
والمقدس الإنساني والديني هو أبسط من الذهاب لذلك الحد من الحرية.
فالمقدس الإنساني هو بالأساس مثلاً: الحياة، والإساءة لها هو بالتحريض على القتل.
والمقدس الديني هو الممارسة الشعائرية، والإساءة لها يكون بالهزل والسخرية منها (أي الشعائر في نطاق تطبيقها الإنساني) في إطار نقاش موضوعي، وحين نخرج من الإطار لإطار ساخر أو فني، تنتفي نهائياً صفة السخرية لنذهب لجهة التأويل والفن. ولا يعود من الممكن تطبيق هذه العبارة من الوثيقة وإلا فإنها ستصبح إفراغاً لحرية التعبير من مضمونها.
فالنادي علماني التوجه وليبرالي الفكر ووثيقته لا تقصد بالتأكيد أنه يمنع الفن من ممارسة فنه في نقد الدين على طريقته، فلا يمكن لنا أن نمنع مثلاً في قصيدة لشاعر أن يقول:
الله مات، وأنبياؤه سكروا على كلمات العشق
لا يمكن منع تمثل التاريخ وشخوص التاريخ الدينية في الشعر والرواية والغناء والرسم. أنت بهذا تحد من حرية الفن كثيراً لتجعله "جارية" رخيصة في قصر الموضوعية المقفر البارد المحنط الفارغ.
ولا يسعني إلا أن أعيد كلمات الشاعر الفرنسي الكبير "بودلير" في هذا المقام ليحدثنا بكلماته عن هذه الحرية (حرية الفن) في ترجمة قمت بها لمجلة جسور في ملف "الشيطان" :):
"هناك نوعان من الأخلاق. هناك أولاً الأخلاق الإيجابية والعملية والتي يجب على الجميع الخضوع لها.
ولكن هناك أيضاً أخلاق الفن. هذه الأخلاق هي شيء آخر كلياً، ومنذ بدايات العالم فإن الفنون أثبتت ذلك.
هناك أيضاً عدة أنواع من ’الحريات‘. هناك حرية ’العبقرية‘. وهناك أيضاً الحرية المقيدة جداً للعابثين"
[COLOR=Red]شارل بودلير
http://www.josor.net/article_details.php?t...d=1301&catid=65
مع خالص التحيات.
(f)