رواية العار أو لاجا لتسليمة نصرين ( كاملة )
اليـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوم الســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــادس
التقط سورنجان الجرائد مع كوب شاي الصباح . شعر باسترخاء اليوم بعد أن قضى ليلة من النوم الهادىء. بعد تصفح الجرائد نادى أخته قائلا :
مابك يا مايا ؟ لماذا تبدين كئيبة طوال الوقت ؟
لا شيء ... أنت الذي تتصرف بغرابة . إنك حتى لم تجلس بجوار أبينا ولو مرة
لا أستطيع مواجهة هذا الموقف . لا أستطيع أن أرى رجلا اعتاد أن يكون وافر القوة و العافية راقدا هكذا مثل خشبة ! والأسوأ أن أراكما هناك جالستان تبكيان , بالمناسبة , لماذا أعادت أمنا النقود التي أعطيتها لها ؟ هل لديها الكثير من المال ؟
د لقد باعت أساورها الذهبية
حسنا هذا شيء جيد فأنا لا أحب الحلي إطلاقا
لا تحبها ؟ إذن لماذا اهديت بارفين خاتما من اللؤلؤ ؟
كنت ساذجا وغير ناضجا وقتها , ولا أتمتع بالكثير من الذكاء إذا أرت الحق
سألته مايا بابتسامة :
هل نضجت الآن ؟
أسعدت الابتسامة سورنجان , فقد مر وقت طويل لم ير فيه ابتسامة اخته . وحتى يطيل من ابتسامتها فرد أمامها الصفحة الأولى من الجريدة و قال :
انظري إننا نعيش في بلد يحيا فيه الناس من مختلف الطوائف في وئام , كفوا عن الطائفية و عاقبوا الذين ارتكبوا أعمال الشغب الجماعية من قتل و نهب و سرقة ..
هذه هي الرسالة العاجلة " لوفد سلام كل الأحزاب " في الهند هدأت أعمال العنف . أعلنت المحكمة العليا عدم قانونية احتلال أراضي مسجد بابري بالقوة . و أعلن نارشمها راو أن هدم المسجد هو بالكلمل من عمل الحكومة المحلية لولاية أتار ياريشار و جوجارات و ماهارا شترا لا تزال تحت حماية الجيش . قوى اليسار أعلنت الحرب الشاملة ضد الطائفية . اليوم يعقد اجتماع في بالتان دعا إليه الحزب المركزي البنغالي .. حزب " رابطة عوامي " أعلن عن تشكيل فريق سلام للحفلظ على الوئام الطائفي . لجنة التنسيق بين المدن طالبت بالقبض على المسئولين عن إثارة حوادث الشغب . لجنة محو الطائفية دعت لاجتماع اخر . مسيرة سلام كل الأحزاب تعقد في تونجي . كتلة الثقافات المتعددة رفعت شعار " بنجلادش ستنتصر على الطائفية بالتأكيد " اعلنت خمسون شخصية بارزة أن كل المواطنين يتحكلون مسئولية الحفاظ على الوحدة الوطنية . الكولونيل أكبر أعلنه لا بد من اجتثاث جذور الجماعات الفاشية . في باريسال تشكلت لجنة من مختلف الطوائف . اتحاد مدرسي جامعة داكا أعلن أن انهيار الوئام الطائفي من شأنه أن يدنس حرمة " شهر النصر " القادم . بض على 28 شخصا في دهاموي بتهمة نهب المعابد . حاكم غرب البنغال أعلن أنه يشعر بحزن عميق لأن الهند فقدت احترامها في نظر العالم .
انت تقرأ الأخبار الجيدة فقط
عارضته مايا وهي تجلس على الفراش تضع ساقا فوق الأخرى وأخذت منه الصحيفة و قالت :
ماذا عن بقية الأخبار . عشرة الاف أسرة تعرضت للتشريد في بهولا , حرق 700 منزل في شيتاجونج . تدمي المعابد في كيشور حوني . حرق 700 منزل في مير ساري
قال سورنجان بحزم :
لن أستمع إلى أية أخبار سيئة اليوم , لأنني في مزاج رائق
لماذا ؟ لأن بارفين ستطلق ؟ لقد جاءت بالأمس , قالت أن زوجها كان يضربها كل ليلة
ثم ماذا ؟ لقد كانوا مقتنعين تماما بأنها لن تكون سعيدة إلا نع زوج مسلم . مزاجي لا علاقة له ببارفين . هذه المرة ليس فيها مسلمون .. حتى لا نطالب حين نقرر الزواج بتغيير ديننا
ضحكت مايا من قلبها . مر وقت طويل لم يسمع فيه هذه الضحكة الجميلة ! فجأة قال سورنجان بجدية :
كيف حال بابا الان ؟ ألن ينهض قريبا ؟
إنه أحسن نسبيا . يمكنه الكلام جيدا الان . ويمكنه الذهاب إلى الحمام مع المساعدة . كما بدأ في تناول الطعام المهروس . بالمناسبة بلال بهاي أتى ليلة أمس ليسأل عنك والتقى أبي , و قال أنه لا يجب أن تخرج من البيت هذه الأيام لأن هناك خطورة كبيرة في هذه
ق5فز سورنجان فجأة .. اعتقدت مايا أنها تعرف سبب تعجله و قالت :
هل ستذهب إلى مكان ما ؟
وهل أنا من النوع الذي يبقى في البيت ؟!
ماما ستقلق جدا إذا خرجت . دادا , أرجوك لا تخرج أنا أيضا قلقة و خائفة
لابد أن أعيد المال إ لى بولوك .هل معك بعض النقود ؟ أ،ت تعملين فأعطني بعض النقود من أجل السجائر
لا لن أعطيك نقودا من أجل السجائر , لا أريد لك أن تموت صغيرا
وهي تقول ذلك ذهبت مايا وأحضرت مائة تاكا . نظر سورنجان بإعجاب إلى أخته و تذكر حادثة قديمة جرت منذ سنوات طويلة . كانت مايا صغيرة جدا حينئذ . كانت قد انهارت عندما أغاظتها بعض فتيات المدرسة قائلات: " يا هندوسية يا هندوسية .. الهندوس يأكلون رأس البقرة " وعندما عادت سألته :
هل أنا هندوسية يا دادا ؟
نعم
لا أريد أن أكون هندوسية بعد اليوم . إنهم يضايقونني بسبب ذلك
سودهاموي الذي سمع حوارهما قال :
من قال إنك هندوسية ؟ أنت انسانة . ليس هناك أرقى منت هذا
في هذه اللحظة دق قلب سورنجان احتراما لأبيه . لقد تعامل مع رجال كثيرين ولكن لا أحد منهم كان في نبل و صبر وتفهم و تسامح أبيه .
في 1964 تدخل سودهاموي لإيقاف فتنة لم تنتشر لحسن الحظ بسبب تدخل الشيخ مجيب . كانت من تدبير حكومة أيوب خان لكي تعطيها مبررا لمنع ازدهار الحركات المعارضة لها . ادعت الحكومة أن أحداث العنف كانت ضدها و قاضت الطلبة و الزعماء السياسيين ومنهم سودهاموي . لم يكن سودهاموي من النوع الذي يغرق في النوستالوجيا . ولكن بدون إرادة منه تقريبا كان الماضي يعود إليه متقطعا ويؤدي إلى الحزن . تكريس حياته لخدمة البلد و رفاهيته و مستقبله .. إلى أين أدى كل هذا ؟ منذ 1975 و العناصر الأصولية التي تتولى إدارة البلد بازدياد . الناس يدركون هذا ولكن لا أحد يريد أن يقوم بأي رد فعل . أليس لهذا الجيل إحساس بالقيم ؟ أين ذهبت روح الماضي ؟ الروح التي ألهبت الشباب 1952 للخروج غي مظاهرات جماعية من أجل جعل البنغالية اللغة قومية ؟ و تعرض الشباب لمذبحة جماعية بسبب قضيتهم . أين أمثال هؤلاء الشباب الذين ضحوا بحياتهم في انتفاضة 1969 ؟ أين الثلاثة ملايين وطني الذين خرجوا عام 1971 ؟ من ورث شجاعتهم و إحساسهم بالرسالة ؟ أين هذا الحماس و الإثارة التي زجت بسودهاموي داخل الحركة الشعبية ؟ لماذا يبدو جلد شباب اليوم باردا مثل جاد الثعبان ؟ ولماذا تنتشر الطائفية هكذا في بلد علماني ؟ كأن لا أحد يدرك أية مرحلو خطيرة تهدد البلد ؟ استولت عليه هذه الأفكار . حاول أن ينهض من فراشه و لكنه فشل . الألم والفشل اللذان يعاني منهما انطبعا على وجهه المتعب
وزير الحقوق في حكومة حزب رابطة عوامي حرك في البرلمان " قانون ملكية العدو " الذي وضعه أيوب خان و حظي بكراهية شديدة تحت اسم مختلف هو " قانون الملكية المكتسبة " تحت نظام الحكم القديم كانت ممتلكات الهندوس الذين يغادرون البلد يتم إلانها " ملكية عد " ويستولي عليها بكلمات أخرى , هل أعمام سودهاموي أعداء للوطن ؟ كان لديهم الكثير من الممتلكات و الأراضي الشاسعة . اليوم يعيش في منزل مظلم رطب في تيكاتولي و على بعد منه منزل ضخم كان ملك أحد أعمامه ذات يوم ولكن الحكومة استولت عليه وفقا لقانون " الملكية المكتسية " الذي خلف قانون " ملكية العدو " لو أن هذا القانون صدر لصالح أقرب الورثة الأحياء لمن يهاجرون لخفت معاناة الهندوس الباقين بشكل كبير . وقد اقترح هذا على عدد من أصحاب المناصب الرفيعة و الهامة بدون جدوى . وكانت هذه خيبة أخرى من خيبات حياته . اليوم وهو محكوم عليه أن يعيش نصف مشلول , لم يجد سييا للاستمرار في الحياة وفكر لو أنه مات في سريره لما تأثر أحد بكل تأكيد , على العكس , ستستريح زوجته من سهر الليالي و المعاناة المتواصلة . ومرة أخرى لم يستطع منع نفسه من التفكير في فشل الحكومة في حماية المواطنين الهندوس . دستور البلد يكفل نفس الحماية و يضمن نفس الحقوق لكل مواطنيه ولكن قانون " ملكية العدو " يعد انتهاكا واضحا للدستور , وعلامة على عدم احترام الشخصية المستقلة للبلد و استقلاله . فكر سودهاموي في نياز حسين و أنور أحمد و فازلزل علام وكثيرين غيرهم رحلوا إلى الولايات المتحدة أو بريطانيا مع عائلاتهم و تركوا ورائهم أقارب بعيدين أو مستأجرين لأراضيهم ولم تعتبر ممتلكاتهم " ملكية أعداء " وهو يفكر في هذا الظلم حاول القيام من سريره . تفصد جسده بالعرق لا أحد في البيت أين ذهبت مايا و كيرونموي و سورنجان .
تمشى سورنجان في شوارع داكا القديمة . لا يزال يتذكر ميمسنج جيدا بالرغم من أنه يعيش في داكا منذ سنوات طويلة لقد ولد فيها وقضى طفولته و سبابه , عندما وضع قدميه في مياه نهر بمرينجانجا في داكا سرحت أفكاره مع نهر براهما بوترا في ميمنسج , إذا أراد المرء أن ينكر حقيقة ميلاده , يمكنه فقط أن ينكر مكان ميلاده أو النهر الذي يجري في مكان ميلاده ة. عائلة جوتام ستترك البلد و ترحل بدأوا يشعرون أن البلد لم يعد مكانا آمنا يمكن العيش فيه . إذا كان هذا هو شعورهم فلماذا يبكون كثيرا قبل رحيلهم ؟ منذ خمس سنوات جاء خال سورنجان الذي يعيش في كالكتا لزيارتهم انهار و بكى مثل طفل و سألت كيرونموي سورنجان ما إذا كان يريد الذهاب مع خاله إلى كالكتل لكنه رفض لبفكرة تماما . منذ حوالي خمس أو ست سنوات ذهب سورنجان إلى ميمنسج لحضور حفل عمل . جلي بجوار نافذة القطار وتطلع إلى حقول الأرز الخضراء الزاهية و صفوف الأشجار والأكواخ الطينية و أكوام القش و الأطفال الذين يلهون شبه عرايا في البرك الصغيرة و يحاولون اصطياد الأسماك بشبكاتهم البدائية و الفلاحين الأبرياء الذين يلتفتون في كل مرة يمر فيها القطار بجوارهم . سيطرت المشاهد على سورنجان وشعر أنه دخل قلب هذا البلد الشاعر جيربا ناندا داس تأثر بهذا الجمال لدرجة أنه رفض لأن يذهب لمشاهدة أجمل الأماكن الطبيعية في أي مكان آخر بالعالم . لكن حماسه خفت عندما لاحظ أن محطة راملا كشمانبور تغير اسمها إلى أحمد باري , وكان اسم محطة كالي بازار قد تغير إلى فاطيمة ناجار وكريشنا ناجار تحولت إلى عليان ناجار , لقد تمت أسلمة كل البلد والآن لا يمكنهم حتى إنقاذ محطات السكة الحديد الصغيرة في ميمنسنج !
وأدرك السبب الذي جعل اسم كلية بارسال بروجو موهون يختصر إلى اسم كلية ب م . وجعل اسم كلية موراي شاند يختصر إلى كلية م.ش ذلك أن الناس تحت أي ظرف لا يريدون أن ينطقوا اسما هندوسيا .
في داكا القديمة لا حظ سورنجان أن محلات الهندوس لا تزال مغلقة . كيف يفتحوا محلاتهم ؟ ومن يؤكد لهم أنه ليس هناك من داع للخوف ؟ لقد أعادوا فتحا بعد أحداث 1990 و تكررت الأحداث 1992 , ربما لأن جلد الهندوس سميك كما يبدو لهذا تمكنوا من إعادة بناء محلاتهم و بيوتهم المحطمة , على الأقل يمكن بناء البيوت والمحلات بالرمل و الاسمنت , ولكن ماذا يستخدمون لجبر قلوبهم المحطمة .
عاد عقله إلى أحداث 1990 الفظيعة عشرات من دور العبادة وبيوت و محلات الهندوسية نهبت و أحرقت و دمرت , شاهد بعضها بعينيه و سمع ببعضها الآخر . ظل سائرا بدون هدف لبعض الوقت دون أن يعرف أين يذهب .
أعطته مايا مائة تاكا لا يريد إنفاقها . فكر في عدد المرات التي اشترى فيها سجائر " بانجلا فايف " ولكن السجائر لا تدوم , ما الفائدة ؟ ليس لديه ضعف تجاه المال , كان والده يعطيه النقود لتفصيل قمصان و بنطلونات كان ينفقها على الأصدقاء . إذا أراد أحدهم أن يهرب و يتزوج فإن سورنجان يمده بالمال . ذات مرة أنفق المال المخصص لرسوم امتحاناته على ولد اسمه رحمات . أم الولد كانت في المستشفى وليس من هناك من يدفع ثمن علاجها .
فكر في الذهاب إلى راتنا , ثم واصل المشي بلا هدف عندما ترك المنزل شعر بأنه هناك أشياء عديدة سيفعلها . تمتلىء المدينة من حوله بأناس يمشون كل إلى طريقه نحو هدفه , هو وحده الذي لا يشغله شيء وليس لديه ما يفعله
في مدينة الرعب و الفزع هذه . أراد أن يجلس في مكان ما و يتحدث إلى شخص ما . هل يذهب إلى دولال أم إلى ماهديف-دا ؟ ربما يذهب إلى كاجال ديبناث . لماذا يفكر في الهندوس فقط ؟ بالأمس أتى بلال لزيارته , ويمكنه أن يرد الزيارة بالتأكيد ؟ أول أمس زاره حيدر , ولن تكون فكرة سيئة أن يزوره أيضا . ولكن هناك عائق أساسي يمنعه من زيارتهم وهو احتمام مناقشة قضية مسجد بابري و ما يحدث في الهند و عدد الموتى , وما يقوله زعماء حزب بهرتيا جاناتا والمدن التي نزل فيها الجيش بقواته , والذين قبض عليهم و ألأحزاب التي حظرت . سورنجان كان متعبا من كا هذا بهارتيا جاناتا في الهند هو الجماعة الإسلامية في بنغلادش . الهدف واحد وهو تأسيس ما يسمى بالأصولية . لو أنه هنالك فقط مجال لحذف الدين من جدول الأعمال الأساسي في كلا البلدين !
الدين يفرض نفسه بقوة على المناخ الاجتماعي . ومن الصعب جدا على شعوب العالم الثالث الفقيرة و الضعيفة و المعذبة أن تهرب من قبضته الحديدية . تذكر أحد أقوال كارل ماركس المفضلة لديه :" إن المشاكل التي تتعلق بالدين هي في الحقيقة تجل لأوجه النقص العملية و اعتراض عليها أيضا ., الدين هو تنهيدة المعذب و المضطهد , قلب هذا العالم الذي لا قلب له , وروح المجتمع الذي لا روح فيه , الدين هو أفيون الشعوب "
ردد هذه الكلمات لنفسه وه ويتجول في شوارع المدينة المزدحمة . تمشى حتى ما بعد الظهر وفي النهاية وصل إلى منزل كلجال . مثل كل الهندوس هذه الأيام كان في بيته . وكان هناك آخرون :
ما الحكاية؟ إنه اجتماع هندوسي كما أرى .
- ما الأمر ة؟ لماذا يعبس الجميع هكذا ؟ ألأن الهندوس يضربون ؟
قاطعه سوبهاس:
هل هناك شيء يدعو للسعادة ؟
كاجال ديبنات كان عضوا في جمعية الهندوس و البوذيين والمسيحيين . لم يؤيد سورنجان الجمعية لأنها بدت له ذات نكهة طائفية . لو وقف بجانب أي هذه الجماعات , فلن يكون هناك معنى لمناداته بتحرير السياسة من الدين . كانت وجهة نظر كاجال أنه بعد 40 سنة من الآمال و التطلعات , تأسست الجمعية كخندق حماية أخير للحفاظ على احترامهم لأنفسهم و استقلالهم ز
هل اعترفت خالة أبدا بأن الطائفية تغزو البلد ؟
عندما أثار أحد الحاضرين هذا السؤال أجابه شخص آخر:
وما الذي فعله " رابطة عامي " بهذا الخصوص ؟ إنهم يعطون أعذارا ويحاولون تفسير الموقف . لكن هذا ما تفعله الجماعة الإسلامية أيضا ... عندما فازت رابطة عوامي بالحكومة في الانتخابات الأخيرة أثاروا وعدا زائفا بأن كلمة " بسم الله " سوف تحذف من الدستور . الآن بعد أن فقدوا السلطة رأوا أنهم بمعارضتهم التعديل الثامن سوف يخسرون شعبيتهم أم أنهم يريدون أن يكونا أصحاب مبادىء ؟ لو أن المبادىء تعني لهمك شيئا , فلماذا لا يقولون شيئا ضد التعديل الثامن ؟
قال سيد الرحمن مدافعا عن " رابطة عوامي " :
ربما يعتقدون أن من العملي أن يسعوا إلى السلطة أولا , ثم يقومون بالإصلاح بعد ذلك .
قال كاجال :
لا يمكن أن تثق بأحد . أي شخص سيصل إلى السلطة سوف يمتدح الإسلام وفي الوقت نفسه ينتقد الهند بقدر الإمكان . الناس هنا مغرمون بشيئين : انتقاد الهند ومعارضتها و امتداح الإسلام
وكن يا كاجال-دا , ألا تعتقد أنه من الأفضل أن تشكل جماعة غير طائفية أفضل من هذه الجمعية ؟ ولماذا لا يكون سيد الرحمن عضوا فيها ؟
غياب سيد الرحمن ليس بسببنا , ولكن بسبب هؤلاء الذين اخترعوا فكرة الدين القومي . من قبل لم يكن لدينا سبب لتشكيل هذه الجمعية , لماذا شكلناها الآن ؟ ببساطة لأن بنجلادش لم توجد من تلقاء نفسها . ولكن بفضل الجهود المشتركة للهندوس والمسلمين و البوذيين و المسيحيين . أن نعلن أن ديتا بعينه هوا لدين القومي هو نوع من التمييز الطائفي ضد أصحاب الديانات الأخرى . حب المرء لبلده لا يختلف من شخص لآخر أو من طائفة لأخرى . إنه شعور عالمي , ولكن عندما تجد مجموعة من الناس أن دينها يعتبر من الدرجة الثانية أو الثالثة لأنهم لا ينتمون إلى الدين القومي , وعندما يكونون مصنفين أيضا كمواطنين من الدرجة الثانية , فإن كرامتهم ستجرح بشدة . فهل يمكن أن تلومهم بعد ذلك إذا تحولت قوميتهم إلى طائفية ؟
بما أن السؤال كان موجها إلى سورنجان فقد اضطر إلى الإجابة بصوت خفيض :
ولكن في دولة حديثة كيف يمكن أن تبرر وجود هذه الجمعية الطائفية ؟
أجاب جاتين شاكر فارتي بسرعة ك
من المسئول عن الإحساس بهذه الطائفية بين الأقليات ؟
استمر الحديث عن الأصول العلمانية و مضاهر التمييو بين الهندوس و المسلمين في مختلف المجالات في بنجلادش . تمدد سورنجان على السجادة بجانب كاجال و قد أنهكه الجوع و التعب . سمع سوبهاس يتحدث عن الاقتراحات التي تقدم بها إلى الحكومة لتعويض الهندوس عن ديارهم و معابدهم , فقاطعه قائلا :
هذه الحكزمة لن تقبل اقتراحا واحدا من اقتراحاتك
و اكد كبير شودهري على كلامه :
أتفق معك أن وزير الاسكان غير جدير بمنصبه و خائن
قال سيد الرحمن :
من المرعب أن يكون هؤلاء الخونة في الحكم الآن . لقد غفر لهم الشيخ مجيب ومنحهم ضياء الرحمن السلطة واستثمرهم إرشاد في سلطات أوسع , ووصلت خالد إلى السلطة بدعم منهم
نابال باس الذي كان ينتظر دوره في الكلام صابرا انتهز الفرصة ليندفع في سرد قائمة طويلة من حوادث العنف الجديدة ضد معابد وبيوت و مدارس الهندوس
وعندكما بدا أنه لا نهاية لقائمته قاطعه سورنجان :
أرجوك بحق الله توقف , بدلا من ذلك لماذا لا تغني لنا أغنية ؟
أصيب الجميع بصدمة بالغة , حاول تلاباس بال أن يتكلم مجددا موضحا له خطورة ما يحدث , إلا أنه قاطعه مرة أخرى مغيرا الموضوع :
كاجال-دا أنا جوعان جدا , هل يمكن أن تقدم لي بعض الأرز ؟
أرز في هذه الساعة ! ماذا أصاب سورنجان ؟
استمر يتبادل أخبار العنف .. سورنجان شبه النائم كان يستمع إلى شذرات متفرقة عن الممتلكات التي يستولى عليها و النساء اللواتي يغتصبن . فجأة نادى أحدهم قائلا :
اصح يا سورنجان اصح وصل الأكل
لا بد أن كاجال-دا هو الذي ناداه و هكذا كانت تناديه مكايا دائما : " دادا تعال الأرو جاهز , هيا " فكر سورنجان بشكل ضبابي : لا بد أن يشتري بعض الحبوب المنومة الليلة بالنقود التي أعطتها له مايا . شعر أنه لم ينم منذ وقت طويل . بق الفراش يبدأ في القرص بمجرد هبوط الظلام . سريره كان يمتلىء ببق االفراش . تذكر كيف كانت أمه تنظف له الفراش دائما في طفولته . عندما يعود سوف يطاب من مايا تنظيف الفراش . البق يعضه طوال الليل , حتى في رأسه , مجرد تذكر ذلك يجعل رأسه يتألم , شعر بالإعياء . عندئذ سمع أحدهم يقول ( ربما كان تاباس ) إن ثلاثين معبدا تعرضت للاعتداء بجوار مسكنه و كذلك كل البيوت المحيطة بها . و سرعان ما التقط الخيط شخصا آخر ليسرد ما يحدث في منطقته ... لو يغلق أذنيه بالقطن ! كل شيء حوله يتحور حول مسجد بابري و حكايات الحرق و التدمير , لو أنه ينعم ببعض السلام و الهدوء . ما أروع أن يستطيع الهروب إلى ميمنسنج حيث الأضرار أقل بكثير لو يستطيع أن يستحم في مياه براهما بوترا لعل الشعور باحتراق ظهره يخف بعض الشيء , وقف على قدميه وكان معظم الموجودين قد رحلوا و كان على وشك الرحيل أيضا عندما قال كاجال-دا :
الطعام على المائدة ألن تأكل ؟ كيف تنام في هذه الساعة؟ هل أنت بخير ؟
تمطى سورنجان و قال :
لا يا كاجال-دا لا أريد أن آكل . أنت على حق , أشعر أنني لست بخير
ماذا تعني ؟
لا أعني شيئا , ولكن أخبرني , ماذا افعل ؟ أحيانا أشعر بأني جوعان جدا , وقبل أن آكل يتلاشى إحساسي بالجوع . لابد أنها الحموضة , أشهر بالنعاس و لا أستطيع أن أنام
وضع جاتين شاكرا فارتي يده على كتفي سورنجان و قال :
أنت تنهار تمالك نفسك . لن ندع ذلك يحدث لأي منا , في النهاية لابد لأن نستمر
كان سورنجان واقفا منكس الرأس , كلمات جاتين دا تبدو مثل نصائح والده لقد مر وقت طويل لم يجلس فيه بجانب أبيه المريض , قرر أن يعود للبيت حالا . هذا ما يحدث دائما عندما يزور كاجال-دا يكون هناك عدد كبير من الناس و مناقشات حامية في السياسة و القضايا الأخرى حتى وقت متأخر من الليل رحل دون أن يأكل . لا بد أن وقتا طويلا قد مر على آخر مرة أكل فيها في البيت .فكر أن يفعل ذلك اليوم بصحبة أخته ووالديه . الحواجز تفصل بينه و بين بقية أسرته . وهو السبب , قرر أن يكسر الحواجز اليوم , أن يضحك ويتحدث مع الجميع و يشعر بالرضا و السعادة كما كان يشعر بالصباح . لن يذهب إلى شخص آخر . لا إلى بولوك و راتنا . سوف يذهب مباشرة إلى تيكاتولي , يأكل أي شيء متوفر ويسهر معهم ثم ينام بسلام . رافقه كاجال-دا حتى البوابة , و قال له بقلق :
لا يجب أن تتنقل كثيرا . نحن لا نغامر بالخروج إلى أبعد من المنطقة المجاورة وها أنت تجوب البلدة كلها لوحدك .
لم يكن لدى سورنجان ما يقوله . بدأ السير بخطوات واسعة . معه ما يكفي لاستئجار عربة ريكشا , ولكن قلبه لم يطاوعه على إنفاق نقود مايا , إنه لم يدخن طوال اليوم ولكن الآن في نهاية اليوم بالرغم من حرصه على النقود اشتاق غلى التدخين . توقف عند إحدى المجلات و اشترى سيجارة " بانجلا فايف " و أشعلها , جعلته يشعر بأنه ملك . واصل إلى تقاطع كاكريل و استأجر عربة ريكشا . هذه الأيام , قال لنفسه , تنام المدينة مبكرا مثل رجل مريض , ماهي علة المدينة ؟
وهو يفكر في هذا , تذكر صديقا كان له " دمل " في ظهره , وكان يصرخ طوال اليوم , ولكنه لم يعالجه أبدا بسبب خوفه الشديد من العلاج , وخصوصا الحقن . هل المدينة مصابة بدمل في ظهرها ؟
فكر سورنجان في ذلك , وهو يجلي في الركشا المنطلقة باتجاه البيت
سال سودهاموي :
مايا , ما حكاية سورنجان ؟ هل تعلمين أين يمكن أين يكون في هذه الساعة ؟
قال أنه سيذهب إلى بولوك-دا . لابد أنه هناك
هل هناك سبب يدعوه للبقاء خارج المنزل حتى حلول الظلام ؟
لا أعلم .. ولا افهم المفروض أن يكون قد عاد
ألا يدرك أننا قد نقلق عليه وأنه يجب أن يعود إلى البيت في وقت معقول ..
حاولت مايا أن تهدىء سودهاموي :
لا تزعج نفسك . لا ينبغي أن تتكلم كثيرا , استرح فحسب , وبعد تناول الطعام سوف أقرأ لك إذا أردت وفي العاشرة يجب أن تنام بعد أن تتناول أقراصك . عند ذلك اليوم سيكون قد عاد بالتأكيد , لا تقلق
أنت تمرضينني و تعيدين لي صحتي قبل الأوان يا مايا . كنت أستطيع البقاء في الفراش أياما أخرى . هناك عيوب في أن يكون المرء بصحته أيضا .
قالت مايا , وهي تجلس بجواره و تسحق الأرز الخاص به :
مثل ماذا ؟
أنت تطعمينني , ,أمك تدلك لي جسدي , و تضغط لي صدغي .. هل كنت سأحظى بهذا الحب و العناية لو كنت بصحتي ؟ عندئذ كنت سأنشغل بمرضاي , و الذهاب إلى السوق , وربما الشجار معك ..
ضحك سودهاموي عاليا , وتأملته ابنته بدهشة . هذه أول مرة يضحك فيها منذ مرضه , بعد ذلك بقليل , طلب من زوجته فتح نوافذ البيت :
ليدخل بعض الهواء المنعش . لا أشعر بهواء الشتاء إطلاقا . هل تعتقدين أننا لا نحب الهواء النقي سوى في الربيع . عندما كنتع صغيرا , كنت أجوب في الشوارع ألصق الملصقات على الحوائط في برد الشتاء القارص , وأنا لا أرتدي سوى قميص خفيف جدا على ظهري . في كل المناطق الجبلية في سوشونج دور مع موني سينج . هل قلت لك شيئا عن حركة تونك الشعبية و عصيان هاجونج في تلك الفترة يا كيرونموي ظ
كان ذهن كيرونموي أكثر استرخاء , قالت لزوجها :
قلت لي الكثير عن هذا بعد زواجنا إذا كنت أتذكر , فأنت قضيت ليلة مع موني سينج في بيت غريب في نيتراكونا .
قال سودهاموي فجأة :
كيرونموي .. هل ارتدى سورنجان ملابس ثقيلة ظ
كشرت مايا بتهكم و قالت :
بالطبع لا .. بل إنه يرتدي قميصا خفيفا كما كنت تفعل . أنه ثوري " مودرن " في النهاية 1 لا يتأثر برياح الطبيعة أنه مشغول برياح التغيير !
قالت كيرونموي بغضب:
السماء اعلم أين يحوم طول اليوم حتى الآن .. ماذا يأكل .. ما الذي يأكله بالمرة .. إن إهماله يزداد كل يوم .
عندئذ سمعوا طرقة واحدة على الباب . هل عاد سورنجان ظ نهضت كيرونموي و ذهبت لفتح الباب .. هذه هي الطريقة التي يقرع بها سورنجان الباب , ولكنه عادة يذهب إلى غرفته مباشرة عن طريق الباب الخاص به إذا كان الوقت متأخرا . بما أن الوقت غير متأخر جدا فلا بد أنه هو . كانت مايا تخلط الدال بالأرز لإطعام سودهاموي . فكرت أنه إذا صنعت من الخليط كرات مستديرو ناعمة سيكون من السهل عليه ابتلاعها . منذ أن سقط مريضا وهو يعيش على السوائل , وأخيرا سمح له بتناول الطعام المهروس . أعدوا له سمكا خفيفا بالكاري مع الدال والأرز
بينما كانت مايا تخلط السمك بالأرز , سمعت الطرقة على الباب . اتجهت الوالدة إلى الباب و سألت من الطارق , أرهف زوجها أذنيه ليسمع , كان هناك رد غير واضح . فتحت الباب . وفي ومضة عين اندفع سبعة رجال إلى الداخل , أزاحوا كيرونموي عن طريقهم , كان أربعة منهم مسلحين بالقضبان , ولكن كل شيء حدث في سرعة كبيرة لدرجة أنه كان من الصعب معرفة بقية ما يحملونه . كلهم في حوالي الحادية و العشرين من العمر , اثنان منهما يرتديان الطاقية و البيجاما و الباقون يرتدون القمصان و البنطلونات , لم يضيعوا وقتا , على الفور بدأوا في تحطيم كل شيء في الغرفة بطريقة مرتبة , و ببرود . لم ينطق أحدهم بكلمة واحدة . كانت الأصوات الوحيدة التي تسمع هي تحطم الموائد و المقاعد و جهاز التلفزيون و المرايا. الزجاجية و أرفف الكتب و المراوح .. و قماش الملابس التي تتمزق غلى قطع صغيرة . حاول سودهاموي المرعوب أن يجلس مستقيما , دون جدوى و صرخت ابنته " بابا .." كيرونموي المذهولة ظلت واقفة بمكانها عند الباب المفتوح . وعندما اقتربوا من نهاية مهمتهم , سحب أحدهم ساطورا و قال مهددا :
يا أولاد الحرام ! هل تعتقدون أنكم ستفلتون بتدمير مسجد بابري ؟
بجنون ووحشية واصل الشبان تدمير ممتلكات آل دوتا . أفراد الأسرة العاجزة و الصامتة راقبوا بيتهم وهو يتحول إلى خراب .. ثم انفك سحر الصمت عنهم عندما أمسك أحد المعتدين بمايا . صرخت أمها برعب و تأوه سودهاموي المريض . في محاولة يائسة للنجاة أمسكت مايا بيد السرير . جرت أمها و ألقت نفسها فوق ابنتها , و خلصوا قبضة مايا من السرير ورحلوا بنفس السرعة التي جاءوا بها , حاملين معهم الجائزة التي فازوا بها . استعادت كيرونموي نفسها و جرت وراءهم تصرخ و تتوسل :
أرجوكم اتركوها, أرجوكم اتركوا ابنتي
كانت عربتا ريكشا في انتظارهم بالخارج , يدا مايا لا تزالان ملطختان بالكاري و الأرز , ملابسها مفتوحة مثل عيناها الجاحظتين بالهلع ,. وهي تصرخ نحو أمها :
أمي .. أرجوك أمي ..
صارعت آسروها وهو يجرونها بعيدا , وهي تنظر خلفها بألم و رعب , تأمل ضد الألم أن تستطيع أمها إنقاذها . حاولت أمها بأقصى ما تستطيع , دون أي مبالاة بسلامتها الشخصية , ألقت بنفسها عليهم و تفادت الساطور اللامع الذي وجهوه إليها , و حاولت أن تمسك بمايا , ولكن الرجلين الممسكين بابنتها تفاديا هجومها وزجوا بمايا داخل إحدى العربتين , وبينما العربة تسرع , جرت كيرونموي خلفهم تصرخ و تنوح :
إنهم يخطفون ابنتي .. الحقوني
عند ناصية الشارع نفذت قوتها فتوقفت . شعرها و ملابسها في حالة مزرية . رأت موتى مايا أحد معارفها و ترجته :
دادا , خطفوا مايا , ساعدني أرجوك
نظر الرجل إليها مشدوها , كما فعل الجميع من حولها , كأنها شحاذة مجنونة تتسول الفضلات . استجمعت ما بقي لديها من قوة , وجرت في ظلام الليل بدون جدوى , تطارد ابنتها التي اختطفت ..
فوجىء سورنجان بأن الباب الأمامي مفتوح على مصراعيه . وهو يخطو إلى الداخل , صعق من الدمار الذي ملأ عينيه . المناضد مقلوبة , الكتب مبعثرة في كل مكان . المراتب و الملاءات ممزقة فوق السرائر , دولاب الملابس محطم و الملابس مكومة , لهث سورنجان وهو يتنقل بين غرفة و أخرى . الزجاج يتكسر تحت قدميه . وجد أباه على الأرض يتأوه من الألم , ما يا و كيرونموي ليستا هناك , خاف أن يسأل أبيه عما حدث في غيابه . وهو يحاول صياغة الأسئلة وجد أن صوته يرتعش من الصدمة . قال أبوه بصوت بالغ الضعف :
خطفوا مايا
الصدمة تحولت إلى غضب و خوف
ماذا تعني ؟ خطفوها ؟ من ؟ أين ؟ متى ؟
لم يستطع أبوه الرد و سرعان ما انهارت قواه . رفعه سورنجان و أرقده على السرير برقة. أنفاسه قصيرة و لاهثة و جسده يتفصد بالعرق . همس سورنجان :
أين مايا ؟
كان وجه سودهاموي بالغ الشحوب . وبدا واضحا انه في سبيله للموت إذا لم ينقذه أحد . حيرة سورنجان كانت مرعبة . هل يبقى مع أبيه أم يذهب للبحث عن أخته ؟ ارتعد من الخوف و الياس . طفت برأسه رؤية للبحر الثقيل الذي يهدد بابتلاعه . و تبعتها رؤية الكلاب الضالة التي تتحلق حول قطة ضعيفة عاجزة . اتخذ قراره و توجه إلى الباب . قبل أن يرحل , ربت يد أبيه الفاقدة لاإحساس وقال :
سوف أعيد مايا مهما حدث يا أبي
توجه إلى منزل حيدر . طرق الباب بقوة أحدثت جلبة شديدة حتى أن حيدر نفسه جاء بنفسه مسرعا و فتح الباب . اندهش من رؤية سورنجان
ماذا هناك يا سورنجان ؟ ماذا حدث ؟
لم يستطع سورنجان أن يجيبه . كان الألم و الياس اللذين يشعر بهما انتزعا منه القدرة على الكلام . اخيرا نجح في أن يقول بصوت متكسر بالمشاعر :
لقد خطفوا مايا
متى حدث هذا ؟
لم يجب سورنجان . تجهم وجه حيدر , كان عائدا للتو من اجتماع للحزب , وعلى وشك تغيير ملابسه عندما أتى سورنجان , صدمه مشهد سورنجان , الذي بدا كإنسان ضاع منه كل شيء في إعصار . كان يمسك بالباب ولكن يديه بدأتا في الارتعاش حتى أنه كورهما في قبضتين . وضع حيدر يده على كتفه وقال في محاولة لتهدئة صديقه :
اهدأ. فلندخل و نعرف كيف نتصرف
عندما لمس يد سورنجان انهار و ارتمى بذراعيه على حيدر باكيا ك
اعد مايا إلى البيت يا حيدر .. أرجوك أعد مايا
بدا عذابه واضحا في هذه الشهقات الهائلة التي تهز جسده . وأخيرا سقط عند قدمي حيدر الذي نظر إليه برعب . لم يتصور أبدا أن صديقه القوي الصلب قد وصل إليه هذه الحالة . أوقف سورنجان على قدميه و بالرغم من جوعه قرر تأجيل الأكل , و قال :
هيا , لنذهب ونرى ما يمكن أن نفعله
فوق دراجة حيدر البخارية انطلقا خلال حواري و شوارع تيكاتولي و مر حيدر ببيوت صغيرة فقيرة و أخرى فاخرة , تحث إلى عابر مثير للشبهات وتباحث مع شاب حسن الطلعة . دخل مناطق قريبة لم يكن أصلا يعرف أنها موجودة , وفي النهاية لم يخرج بشيء , تركا تيكاتولي باتجاه " الطريق الإنجليزي " و اخترقا شوارع كثيرة و أماكن عديدة , وكل جزء في المدينة اعتقد حيدر أنه يصلح كمكان للاختباء ولكن لم يعثرا على أثر لمايا . طرق حيدر أبواب بيوت كثيرة , تحدث و تحدث مع أناس لم يرهم سورنجان في حياته ... ولاشيء
في كل مرة كان يتوقف فيها حيدر , كان الأمل يعاود سورنجان .. أنه في هذه المرة سوف يجدان مايا ! لابد أنها مقيدة و ربما يضربونها , ولكنه سيعثر عليها . ولكن ماذا لو لم يكتفوا بضربها و كانوا يفعلون شيا آخر ؟ أرهف أذنيه عله يسمع بكاء مايا لو كانت قريبة . فجأة أثناء عبورهما سوق لاكشي كلب سورنجان من حيدر التوقف , اعتقد أنه سمع بكاء مايا , تتبعا الصوت حتى مصدره فوجدا أنه صوت بكاء طفل في احد البيوت . تأخر الوقت لكنهما واصلا البحث . لم يطيلا البقاء في أي مكان , لأن مجال البحث كان كبيرا . في كل زقاق يقف مجموعة من الشباب ينظرون إليهم بعيون حمراء و نظرات دموية . وعندما ينظر إليهم سورنجان يراوده اليقين بأن هؤلاء هم المسئولون عما حدث لمايا .
حيدر أين مايا ؟ لماذا لا تستطيع أن تجدها ؟ لا بد أن أجدها الليلة ,لابد ؤ..
لقد فحصت كل خرم في المدينة . ماذا أفعل غير هذا ؟
سورنجان كان يدخن سيجارة نلو الأخرى . مزقته فكرة أنه اشتراها بنقود مايا
فلنذهب و نأكل شيئا في محل " سوبر ستار " إنني جوعان جدا .
طلب حيدر طبقين من الفطير و اللحم . حاول سورنجان أن يأكل , قطع الفطيرة إلى قطع , ولكن لم يستطع تحمل رفعها إلى فمه . بينما الدقائق تمر , بدا أن الخواء يكبر في قلبه أكل حيدر بنهم , وبعد أن انتهى أشعل سيجارة . حثه سورنجان على مواصلة البحث ك
هيا لنتحرك , لازلنا لم نعثر عليها .
أين يمكن أن نبحث أيضا ؟ قل لي لقد رأيت بنفسك كيف بحثنا في كل مكان !
داكا مدينة صغيرة , كيف نفشل في تحديد مكانها ؟ هيا لنذهب إلى مخفر الشرطة
عندما حكى سورنجان الواقعة كلها في المخفر , استمع إليه رجال الشرطة بنظرات جوفاء لا مبالية . في النهاية نجح في تحرير بلاغ مكتوب . في الخارج قال حيدر :
لا أعتقد أنهم سيفعلون شيئا
ربما يفعلون
فلنذهب إلى وارى , هل تعرف أحدا هناك ظ
لقد كلفت زملاء الحزب بالمهمة و سوف يبحثون أيضا فلا تقلق كثيرا
كان واضحا أن حيدر بذل أقصى ما يستطيع , ولكن سورنجان لم يكتف كان القلق يقوده . واصلا التجول طوال الليل على الدراجة البخارية في المدينة القديمة . ذهبا إلى كل " غرزة " ووكر في المدينة إلى أن حان وقت صلاة الفجر لحيدر . دائما ماكان يحب سورنجان صوت الأذان ولكن اليوم لم يستطع احتماله . صوت الأذان كان يعني مجيء الفجر و مايا لم يعثر عليها لعد . توقف حيدر في تيكاتواي , وقال بأرق ما يستطيع :
لا تيأس يا سورنجان . فلنفكر فيما يجب أن نفعله
في البيت جلست الأم وسط الحطام تتطلع بشغف ويأس نحو الباب حتى الوالد المشلول الذي ازداد ضعفا بفعل الإثارة وعدم النوم كان يأمل ضد الأمل أن يعود سورنجان بمايا . ولكن عندما شاهدا ابنهما المتعب الحزين يعود خالي الوفاض تلاشت كل الآمال . هل هذا يعني أنهما لن يريا مايا مرة أخرى , كانا مصدومين بالخوف و الحزن . جو الشؤم ملأ البيت الذي يفوح برائحة مقبضة بسبب نقص الهواء النقي . كل الأبواب و النوافذ كانت مسدودة و مغلقة . لم يرغب سورنجان في التحدث مع والديه اللذين جلسا صامتين ومهمومين ومرعوبين , تمتلىء عيونهما بالأسئلة جلس على الأرض بضجر ومدد ساقيه . شعر برغبة في التقيؤ فكر , الآن, لابد أ، العصابة اغتصبتها . لو أنها تعود وحسب , كما فعلت بعد يومين من الاختفاء و هي طفلة في السادسة من عمرها . الباب مفتوح وكل شيء سيكون على ما يرام إذا دخلت الان , حزينة ومرهقة , ربما, ولكن حية و عائدة إلى أسرتها الممزقة . ياليتها تعود إلى هذا المنزل الصغير المنهار المدمر كلية . وعده حيدر بمواصلة البحث في اليوم التالي . طالما أنه وعد فإن سورنجان يستطيع أن يحلم بعودتها ؟ ولكن لماذا خطفوها ؟ لأنها هندوسية ؟ كم سيتحمل الهندوس من اغتصاب و حمام دم و ضياع ممتلكات كثمن لبقائهم في هذا البلد ؟ يخفون رؤوسهم مثل السلاحف .. ولكن إلى متى ؟ لو أنه ينتظر إجابات عن هذه الأسئلة فلن يحصل عليها.
جلست كيرونموي و ظهرها إلى الحائط تقول بصوت بالكاد يسمع دون أن توجه حديثها إلى أحد : لقد قالوا:" جئنا لنطمئن عليك يا ما شيما , نحن من الجيران , افتحي الباب " . كم كان عمرهم ؟ لا يزيد عن واحد أو اثنين و عشرين عاما . ماذا كنت أستطيع أمام قوتهم ؟ ذهبت إلى كل بيوت المنطقة أرجو المساعدة .. لكنهم اكتفوا بالاستماع , متعاطفين معي , ربما , ولكن أحد منهم لم يساعدني . واحد منهم اسمه رفيق , سمعت واحد منهم كان يرتدي طاقية يناديه بهذا الاسم ... بقد كانت في بيت بارول . كانت ستنجو لو بقيت هناك . هل ستعود مايا إلى البيت ؟ لماذا لم يحرقوا البيت و يتركوها ؟ لأنه ملك رجل مسلم على ما أعتقد ! لماذا لم يقتلوني و يتركوها ؟ إنها طفلة بريئة . حياتي انتهت تقريبا و لكن حياتها على وشك أن تبدأ .
امتلأ رأس سورنجان بالدوار و الألم الفظيع , اندفع نحو الحمام و تقيأ بلا تحكم .
|