رواية العار أو لاجا لتسليمة نصرين ( كاملة )
اليــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوم التاســـــــــــــــــــــــــع
اعتدوا على منزل جوبال المجاور لبيتهم و نهبوه . وجاءت أخت جوبال الصغيرة التي تبلغ حوالي الثانية عشرة لزيارتهم . حكت لهم عن تفاصيل الأضرار التي لحقت ببتهم ز
سورنجان , الذي كان لا يزال راقدا على الأرض , راقبها وهي تتنقل هنا و هناك مثل قطة صغيرة . بالرغم من عمرها كان هول الكارثة مسجلا على وجهها . جاءت إلى غرفة سورنجان و وقفت عند الباب وحدقت بعيون مفتوحة إلى الحطام في الداخل . نظر سورنجان إلى الشرفة المفروشة بالشمس و أدرك أن الوقت متأخر استدعى الطفلة و سألها عن اسمها ك
مادول
إلى أي مدرسة تذهبين ؟
شير بانجلا باليكا بيديا لالا
اسم المدرسة كان قبل ذلك مانديرا ناري شيكشا وقد اسستها ليلا ناج ز ولكن أين اسم ليلا ناج اليوم ؟ كانت رائدة في مجال التعليم في وقت لم يكن يسمح فيه للبنات بالتعليم . وكانت تذهب من بيت لآخر لتشجيع النساء على الدراسة في مدينة دكا قاتلت من أحل إنشاء مدرسة للنساء . المدرسة لا تزال موجودة ولكن اسمها تغير , لأنه كيف يمكن لاسم ليلا ناج بالوجود ظ اسم مانديرا ناري شيكشا أصبح أيضا علامة على شيء ديني لا يشجعه الوقت الحاضر . ولذلك تغير الاسم كما حدث لكلية ب م . و كلية م ش . باختصار السبب هو التأكد أن الهندوس ليس لديهم أي مكان تحت الشمس في بلد مسلم ز في عام 1971 ساد اتجاه بتغيير أسماء الطرق في دكا . قام الباكستانيون بأسلمة أسماء أكثر من 240 طريقا ز سألت الطفلة الصغيرة :
لماذا تجلس على الأرض ؟
لأنني أحب ذلك .
أنا أيضا , كان لدينا فناء في منزلنا , سوف نتقل الآن إلى منزل جديد ليس له فناء .
إذن لن تستطيعي أن تلعبي
جاءت البنت و جلست بجواره و استندت بمرفقها على السرير . كانت تستمتع بالمحادثة معه وهو بدوره تخيل أنها طفلة اسمها مايا , أخته التي ضاعت منذ وقت طويل , و التي كان يقضي معها الساعات يتحدثان عن المدرسة و لعب الكرة , و أشياء أخرى عديدة .. آه كم مر من زمن منذ أن كان يجلس و يثرثر مع مايا 1 في طفولتهما كانا يصنعان أكواخا من الطين على ضفاف النهر , و في الليل كان الموج يأتي و يغسل أكواخهما .. ذكريات أخرى انسابت . تذكر كيف كانا يحبان الحلوى التي تلون لسانيهما باللون الأحمر .. أو عندما هربا من البيت ليلعبا بين حقول القصب . مد يده ليلمس يد الفتاة .. يداها ناعمتين مثل يدي مايا .. من الذين يمسكون بيدي مايا الآن ؟ لا بد أنها أيدي خشنة ووقحة وقاسية . هل يئست مايا من الهرب ؟ ولكن ربما تحاول ولا تستطيع التخلص من قبضتهم . ارتجف جسد ه بالألم من التفكير في هذا ز لم يترك يد مادول .. إنها تشبه يد مايا كثيرا . إذا تركها قد يأتي أحدهم و يخطفها أيضا . وربما يقيدونها بالحبال القوية ,, فجأة قالت مادول :
لماذا ترتعش يداك ؟
حقا ؟ الحقيقة أنني حزين جدا لأنك سترحلين ز
ولكننا لسنا ذاهبين إلى الهند .. إننا ذاهبون إلى ميربور فحسب . سوبول و أسرتها راحلون إلى الهند ز
ماذا فعلت عندما اقتحموا منزلكم ؟
وقفت بالشرفة أبكي .. كنت خائفة و اخذوا التلفزيون و كل المجوهرات , و أموال أبي أيضا ز
هل قالوا أي شيء لك ؟
قبل أن يرحلا صفعوني بقوة على خدي و قالو لي : اخرسي و كفي عن البكاء
أهذا كل شيء ! ألم يحاولوا أخذك معهم ؟
لا .. لابد أنهم ضربوا مايا-دا أيضا أليس كذلك ؟
لقد ضربوا أخي على رأسه و نزف كثيرا .
فكر سورنجان ك لو أن مايا كانت في عمر مادول لتركوها . ولما أخذوها معهم . كم عدد الذين اغتصبوها يا ترى ؟ خمسة؟ سبعة ؟ لأم أكثر ؟ هل نزفت كثيرا ؟
ماما طلبت مني أن ~أزور ماشيما لأنها تبكي كثيرا
هل تخرجين معي في نزهة يا مادول ؟
ماما سوف تقلق علي
سوف أخبر ماما قبل أن نذهب .
كانت مايا تقول له :"دادا , هل تأخذني إلى سوق كوكس ؟ يمكننا أن نذهب إلى غابة مادهوبور . أو ما رايك في الذهاب إلى ساندرا بانس ؟ أحب أن أذهب إلى هناك أيضا " و تذكر عندما كانت تقرا أشعار جيباناندا فترغب في الذهاب إلى ناتور . كان سورنجان يصدها و يتهكم عليها دائما :" اذهبي إلى عشش تيججا لتري كيف يعيش الناس هناك . سيكون لهذا قيمة أكبر من تأمل الأشجار و النباتات ".
وكان حماس مايا يفتر على الفور . اليوم يتساءل عن الذي جنياه من النظر إلى " الحياة " ما فائدة أن يتمنى المرء الخير لكل الناس ؟ حركات العمال و الفلاحين , ثورة البروليتاريا , تقدم الاشتراكية .. كل هذه الأفكار التي تبناها منذ طفولته .. ولكن ما فائدتها أصلا ؟ لقد سقطت الاشتراكية وهوى تمثال لينين إلى الأرض . أليس منتهى السخرية أن يساء إلى روح الإنسان في وطن أكبر زعمائها ؟
قامت مادول ببطء . سحبت يديها الناعمتين اللتين تشبهان يدي مايا من قبضة سورنجان . حيدر لم يأتي اليوم أيضا . لا بد أنه غير مهتم بالرغم من أن لديه عذره في عدمن الرغبة في التورط . الآن بدأ سورنجان يدرك أيضا أنه ليس هناك من فائدة من البحث عن مايا . حتى لو عادت , هل ستعود مثل مايا ذات الستة أعوام , التي عادت منذ سنوات بعيدة ؟ شعر سورنجان بالفقدان والأسى . عندما ذهبت مايا للبقاء عند بارول كان المنزل صامتا و هادئا لكن ليس مثل هذا الصمت . لم يكن بهذا البرود و الموت . عرف ثلاثتهم أن مايا لن تعود . تحول الصمت الآن إلى صمت القبور . كأن شخصا قد مات حقا . نظر إلى زجاجات الويسكي المبعثرة و الأكواب الفارغة الملقاة هنا و هناك . امتلأ قلبه الموحش بالدموع . هذه الدموع التي يجب أن تكون في عينيه , كانت تملأ قلبه .
هذه المرة لم يكلف كمال و رايبول نفسيهما بالسؤال عنه. استغرق في التفكير في مواقف أصدقائه المسلمين .. وجد عل مائدته قطعتي بسكويت و موزة . لا بد أن والدته تركتها له . بدلا من الطعام شعر برغبة في شرب ما تبقى من زجاجة الويسكي . الليلة الماضية كانت باردة .. أثناء رقاده زارته مايا لتشعره بمزيد من الخسة والذنب . عندما يفتح عينيه يراها تبتسم و عندما يغلقهما كان كل ما يراه هو مجموعة من الكلاب المفترسة .
واضح أن حيدر لم يواصل البحث لأنه عرف أن الإرهابيين في المنطقة يعرفون أن سورنجان طلب مساعدته . لو لم يكن قد فعل هذا لاستطاع سورنجان ان يذهب للبحث بنفسه . ردد لنفسه بسخرية أن هذا زاد الأمر سوءا حتى أن المجرمين لم يعودوا مضطرين غلى التستر على نشاطاتهم . ولم يعودوا مضطرين إلى البحث عن أزقة يغتصبون فيها نساء الهندوس . ربما يغتصبون النساء علنا الآن , كما يسرقون و يحرقون . وهذا بفضل الدعم غير المباشر من الحكومة . إنها ليست حكومة علمانية في النهاية . الحقيقة أنهم يناصرون مصالح الأصوليين . الشيخة حسيبنة قالت أنه لابد من الحفاظ على الوئام الطائفي من أجل حماية 140 ملبون مسلم في الهند . لماذا تفكر الشيخة حسينة في مسلمي الهند ؟ كمواطنين في هذا البلد أليس من حق الهندوس أن يعيشوا في وئام طائفي ؟ لماذا يبدون مزيدا من التعاطف تجاه حياة وممتلكات مسلمي الهند أكثر مما يبدونها تجاه مواطنيهم ؟ ألا يؤكد هذا أن أن حزب " رابطة عوامي " يطعم الشعب نفس الطعام الذي تطعمه لهم الجماعات – بكلمات أخرى – ألم يطعمهم العداء للهند و الولاء للإسلام ؟
فكر سورنجان : الحكومة مخطئة تماما . مصالح المسلمين في الهند ليست هي المهمة , ولكن السبب الأساسي و المنطقي لحفظ السلام و الوئام هنا هو حماية الحقوق التي يكفلها الدستور . هندوس هذا البلد لديهم الحق , كمواطنين أحرار , فعلى حفظ و حماية حياتهم و ممتلكاتهم و كذلك أفكارهم و معتقداتهم . ليس بدافع التعاطف مع دين شخص آخر , أو حزب شخص آخر , أو بدافع الشفقة الشخصية يجب أن يسمح للهندوس بالعيش في هذا البلد . ولكن لأن قوانين إدارة هذه الأمة تعطيهم الحق في العيش مثل أي مواطنين اخرين . لماذا يبحث إذا عن التعاطف أو الحماية لدى كمال أو بلال أو حيدر ؟
في ميرساري بولاية شيتاجونج أحرق منزل رئيس اتحاد الطلبة كمال بهوميك و ماتت عمته من جراء ذلك , في منطقة يعيش بها الهندوس في كوتا بيدا مات ثلاثة أطفال عندما أشعل المجرمون النار في المكان . في شاتكا نينا تبارا مات سورجو موهون متأثرا بحروقه , عندما سئل باشوديب احد سكان ميرساري عن الذين قاموا بالاعتداءات قال :
الذين يقتلون في الليل هم أنفسهم الذين يأتون في الصباح ليتعاطفوا بشدة مع الكوارث التي حدثت .
عندما سئل جاترا مهو ناث من منطقة خاجوريا نفس السؤال قال :
أفضل أن تقتلني عن أن أتكلم .خلال ستة أيام من الأحداث شكات الأحزاب غير الطائفية و أحزاب الاندماج القومي و اتحاد لجان الثقافات لجنة مشتركة للوحدة الوطنية . حتى الان نجحت اللجنة في تنظيم مسيرة يلام واحدة و تجمع جماهيري واحد . ساد شعور عام بضرورة حظر أفكار " جماعة شيبر " السياسية ولكن إلى الآن لم يظهر مدى الإصرار الذي تبديه لجنة السلام و الوئام الطائفي على هذا المطلب . على أية حال , عرف سورنجان انه لو فشلت الحكومة في منع أفكار الجماعة و اعترضت اللجنة على هذا فإن المسئولين عن البلد لن يبالوا باعتراضهم . بعض أعضاء اللجنة تحدثوا عن معاقبة الذين نهبوا و أحرقوا بيوت و معابد الهندوس . و لكن واحدا من ضحايا النهب قال :
أعرف الذين ارتكبوا هذه الأعمال .. ولكنني لا أعتقد أن من الحكمة مقاضاتهم , لأن الأحزاب التي فشلت في حمايتنا عندما اعتدي علينا , بالتأكيد لن توفر لنا أي حماية بعد رفع الدعوى .
الواقع أن هذا هو المنتظر أن يفعله كل ضحية إذا واجه احتمال القيام بإجراء قانوني . شعر سورنجان بأن الدعوة إلى المقاضاة حركة سياسية واضحة . الديمقراطية ليست قوية بشكل يكفي لوقف انتشار الطائفية . من ناحية أخرى الجماعات الطائفية لديها الكثير من القوة و تعمل على تحقيق أهدافها بإيمان كبير . أي إحساس بالرضا ستحظى به هذه الأحزاب السياسية الجمهورية من تأسيس لجنة كل الأحزاب هذه ؟ كثير من المثقفين يعتقدون أن أحداث العنف الطائفي في بنجلادش اقل بكثير من مثيلتها في الهند و باكستان . ما لا يدركوه هو أن الأمر في بنجلادش من جانب واحد فقط . في الهند المسلمون يثأرون لأنفسهم , ولكن في بنغلادش لا يستطيع الهندوس ذلك . في هذه البلاد الثلاثة الكبرى في شبه القارة , تؤيد الحكومات شرور الطائفية و الأصولية بشكل غير مباشر من أجل مصالحها السياسية . الأصوليون يحاولون الحصول على السلطة في كل أنحاء العالم . في الهند و باكستان و طاجاكستان و أفغانستان و المغرب و مصر و إيران و صربيا . هدفهم الوحيد هو بتر روح الديمقراطية . في ألمانيا تم حظر اثنين من الأحزاب الفاشية لأنهم أحرقوا ثلاث نساء تركيات . في الهند حظر نشاط الأصوليين أيضا , ولكن السؤال الذي لا يزال قائما هو إلى متى سيستمر حفظ النظام بالقوة ؟ في الجزائر حظرت هذه الجماعات أيضا . الحكومة المصرية وجهت ضربة قوية لها . بينما في طاجاكستان يتحارب الأصوليين و الشيوعيون , ولكن هل فكرت حكومة بنغلادش في قمع الجماعات الأصولية و الفاشية ؟ لا .
فكر سورنجان بأسى شديد , أنه في هذا البلد على الأقل لن تتحرر الساسة أبدا من أغلال الدين .
في اجتماع الحزب الثقافي المشترك رفعوا شعارا يقول :"بنجلادش ستوقف أحداث العنف الطائفي " كم هم عميقو التفكير هؤلاء البنجلادشيون ! فكر سورنجان وهو يدخن سيجارة :" أوغاد ملاعين خنازير ملاعين هذه هي بنجلادش بالنسبة لي " أعاد الجملة مرارا و تكرارا شاعرا بسعادة بالغة في ترديدها . عندئذ ضحك بصوت عال ضحكات خشنة مليئة بالمرارة .
وقفت مادول أمام كيرونموي و قالت :
ماشيما , سوف نرحل إلى ميربور . هؤلاء الوحوش لن يستطيعوا الوصول إلى هناك .
ولم لا ؟
لأن ميربور بعيدة جدا
بالنسبة لهذه الطفلة المجرمون موجودون هنا في تيكاتولي فقط . بما أن ميربور بعيدة عن تيكاتولي فسوف تكون آمنة من عدوانهم . ولكن كيرونموي تساءلت : هل الأمر بهذه البساطة ؟ لو أن هؤلاء الذين ينهبون و يحرقون لما توقفوا ليميزوا بين الهندوس و المسلمين , أليس كذلك ؟ ‘نهم يختارون عن وعي أن يعتدوا باسم الدين , ولذلك فإن كلمات وحوش و مجرمين و بلطجية عمومية أكثر من اللازم
كان سودهاموي راقدا لم يكن هناك ما يستطيع عمله سوى الرقاد . ما فائدة أن يعيش هذه الحياة المشلولة ؟ إنه مجرد شيء مزعج لا ضرورة له لزوجته . قدرتها على الصبر و الاحتمال لا تصدق . لم يبد عليها التعب أبدا . طوال الليل تبكي بحرقة وبمجرد طلوع النهار تذهب للعمل في المطبخ سواء رغبت في ذلك أم لا . إن احتياجات المعدة تنتصر دائما على ما سواها . حياتهم تزداد سوءا . سورنجان لا يأكل تقريبا و لا يستحم وأمه نفس الشيء وإن كان بدرجة أقل . الوالد لا يرغب في الأكل أيضا و الأسوأ أن مايا لم تعد حتى الآن , هل ذهبت إلى الأبد ؟ لو يستطيع أن يضحي بحياته و تعود مايا فحسب ! لنفترض أنه وقف في الطريق العام و صاح :" يجب أن تعود مايا , من حقي أن امر بعودتها , صح ؟" الكلمة ليس لها معنى الان تذكر عام 1964 كان شابا و بعد أن أكل الحاوى في أحد المحلات طلب من البائع قليلا من الماء . استخدم كلمة " باني " التي يطلقها المسلمون على الماء , وليس كلمة "جال " التي كان يستخدمها عادة , لأنه في ذلك الوقت كان العداء بين الهندوس و المسلمين شديدا .
فهم البريطانيون جيدا أنهم لو أرادوا إطالة بقائهم في شبه القارة , فلا بد أن يذكوا نيران المشاعر السيئة بين الهندوس و المسلمين , من هذا التفكير الماكر ولدت سياسة " فرق تسد " تابع سودهاموي في عقله استمرار هذه المشاعر السيئة بعد جلاء الانجليز ثم بعد تقسيم الهند ثم بعد انفصال بنجلادش . العلمانية التي نص عليها الدستور بعد استقلال 1972 تم سحبها خلال السنوات التالية .
المادة 12 من الدستور تغيرت تماما عام 1978 , هذه المادة كانت تقول تحت عنوان " العلمانية و حرية العقيدة ":
12) مبدأ العلمانية يجب تحقيقه عن طريق التخلص من :
أ- الطائفية بكل أشكالها
ب- الانحياز التشريعي لأي دين من الأديان
ج- استغلال الدين لأغراض سياسية
د- أي تمييز أو اضطهاد ضد أشخاص يمارسون دينا معينا من الأديان
كلمة " علمانية " ألغيت و تقول المادة 25 فقرة (2) الآن :
" تعمل الدولة على تضامن و حماية و تقوية العلاقات الأخوية بين الدول الإسلامية بناء على التضامن الإسلامي "
في دستور 1972 تقول المادة 6 :
ط مواطنة بنجلادش يحددها و ينظمها القانون , و يعرف مواطني بنغلادش باسم البنغال "
ضياء الرحمن غير هذا إلى :
" و يعرف مواطني بنغلادش باسم البنغلادشيين "
رأى سودهاموي ظلاما حوله . الوقت لا يزال عصرا فلماذا تظلم الآن ؟ هل تخونه عيناه ؟ أم عدسات النظارة التي لم تتغير منذ سنوات طوال ؟ ربما يكون السبب استفحال مرض الكاتاراكت . أم بسبب الدموع التي تلمع في عينيه .؟
حتى سورنجان تغير . لم يأت للجلوس بجواره مرة واحدة, منذ أن أخذوا مايا لم يخط داخل هذه الغرفة . كان بإمكانه أن يسمع ما يدور في غرفة ابنه . المناقشات العالية التي يصحبها شرب الخمر , هل فقد الولد أخلاقه ؟ لم يشرب في هذا البيت إطلاقا من قبل . ربما لم يعد يبالي بأحد . هل نسي مايا في يومين ؟ لم يستطع أن يصدق ذلك . تغير ابنه أضاف عبئا ثقيلا فوق العبء الذي يحمله أصلا . هل انحدر سورنجان إلى الحضيض ؟
نوى سورنجان عدم مغادرة البيت . أدرك أنه من غير المجدي أن يبحث عن مايا . الأفضل أن يبقى في البيت و يتجنب مقابلة الناس في الشوارع الذين قد يشتمونه بشتائم فاحشة مثل :" هاهو واحد من الأوغاد المسئولين عن هدم مسجد بابري . يجب طرد هؤلاء اللوطيين إلى الهند " كان مريضا و متعبا من سماع هذه المسبات , لم بعد لديه أي ثقة بالحزب الاشتراكي أو أي زعيم شيوعي . لقد سمع الكثير من قادة اليسار يشتمون عندما يأتي ذكر الهندوس قائلين :" هؤلاء الخنازير الملاعين " حتى هندوس الحزب الشيوعي كانوا ينحنون للمناخ الحالي . كريشنا بيرود روي أصبح اسمه كبير بهاي و بارين دوتا غير اسمه إلى عبد السلام . إذا حدث هذا في الحزب الشيوعي , ففي من يثق المرء ؟ أم يجب أن ينضم إلى حزب الجماعة الإسلامية ؟ يذهب إلى نظيم مباشرة و يقول " السلام عليكم " و في اليوم التالي تصرخ الجرائد بمانشيتات تقول : " هندوسي ينضم إلى الجماعة الإسلامية " حتى في قاعة جاجاناث التي كانت مفرا مقصورا على الأولاد الهندوس يمكن أن تجد صوتا للجماعة الإسلامية . والسبب هو المال . إذا أعطي المرء خمسة آلاف تاكا شهريا فلماذا لا يعطي صوته للجماعة الهندوسية ؟ تمنى لو يثأر من الجماعات اليسارية التي سرقت آماله بدلا من أن تحققها . في الحقيقة أعضاء هذه الأحزاب استقالوا الواحد تلو الآخر و انضموا إلى الأحزاب الأخرى . إنهم يقولون شيئا اليوم و يعزفون لحنا مختلفا اليوم التالي .
واصل سورنجان تأملاته في مواقف الأحزاب اليسارية المهزوزة في الوقت الذي انتشرت فيه المدارس الدينية في كل أنحاء البلد و أصبحت وزارة الشؤون الدينية تنفق ملايينها على المساجد و المعاهد الدينية الإسلامية بينما لا تخصص للديانات الأخرى سوى القروش . فكر سورنجان : ألا نبالي أبدا بمستوى معيشة الناس ؟ بديوننا الخارجية ؟ كيف تنفق هذه الملايين على الشؤون الإسلامية بينما الاقتصاد معاق تماما ؟ هذا التوزيع غير العادل للميزانية هو السبب في أن الوحدة الوطنية لن تكون لها فرصة غلى الإطلاق . هل يفكر أي أحد في هذا ؟ كان سورنجان يتساءل عندما فتح الباب و دخا كاجال ديبناث .
ما الأمر يا سورنجان ؟ لماذا لا تنام في مثل هذه الساعة ؟
ليس لدي ساعات محددة لأي شيء
تحرك ليخلي مكانا بجواره لكاجال
هل عادت مايا ؟
أجاب سورنجان بتنهيدة طويلة :
لا
ماذا تقترح أن نفعل ؟أعتقد أنه يجب أن نفعل شيئا
ماذا نفعل ؟
تعدى كاجال سن الأربعين و كان له شعر رمادي , جبهته متغضنة بالعبوس وهو يخرج علبة سجائره و يقدم واحدة ل سورنجان . مد سورنجان يده و أخ سيجارة . مر وقت طويل لم يشتر فيه سجائر . لم يكن معه نقود ولم يجرؤ على أن يطاب من أمه . كان خجلا حتى من الذهاب إلى غرفتهما , كما لو أن خطف مايا يقع عليه بالكامل , ربما كان ذلك صحيحا , لأنه قبل أي شيء هو أكثر من أي أحد أراد أن يعتقد الجميع أن هذا البلد غير طائفي . , بالطبع كان خجله أكثر من أي شخص آخر . لم يستطع أن يذهب و يظهر وجهه لأبيه الشريف المثالي . دخن سيجارته على معدة خاوية , لو رأته مايا لاعترضت قائلة :" دادا , أنت تؤذي نفسك ! إذا دخنت على معدة خاوية سوف تموت بالسرطان , ألا تعرف ذلك ؟" لو أنه يمرض بالسرطان , لن يكون الأمر سيئا يستطيع عندئذ أن يرقد في انتظار الموت , على الأقل لن يضطر إلى انتظار تحقيق أية آمال . لم يعرف كاجال ماذا يفعل ولهذا قال :
اليوم أخذوا أختك , غدا سوف يأخذون ابنتي , سيفعلون ذلك بالتأكيد , اليوم ضربوا جوتام على رأسه , غدا قد يكون أنت أو أنا.. هل أتوا إلى هذه الغرفة أيضا .
نعم
ماذا كانت تفعل مايا في ذلك الوقت ؟
يقولون أنها كانت تطبخ الأرز لإطعام أبي
ألم يستطيعوا ضرب هؤلاء الأوغاد ؟
كيف يمكنهم ذلك ؟ كانوا يحملون قضبانا حديدية . في كل الأحوال ليس من حق الهندوس أن يلمسوا المسلمين , أليس كذلك ؟ في الهند الأقلية المسلمة لهل حق الثأر . عندما تصطدم مجموعتان متعارضتان هنا فقط يمكن أن تسمي ذلك أحداث عنف . ما يحدث هنا ليس أقل من إرهاب طائفي , أو حتى تعذيب و قمع و اضطهاد جماعة تعتدي عشوائيا على جماعة أخرى
ألا تعتقد أن مايا ستعود ؟
لا أعلم ضياء
في كل مرة يتحدث فيها عن مايا يشعر أن صوته يختنق و بخواء في قلبه . قال ليغير مجرى الحديث :
كاجال-دا ما الذي يمكن أن يحدث في البلد أكثر من هذا ؟
نظر كاجال إلى السقف و قال :
28 ألف منزل , 2700 محل تجاري , 3600 معبد , وموت 12 شخصا , تقدر الأضرار بملياري تاكا , دمرت القرى واحدة وراء الأخرى , 43 منطقة تضررت , 2600 امرأة اعتدي عليهن .. من المعابد التي لا أمل في إصلاحها جورانجامهابرابهو الذي يبلغ عمره 500 سنة في جنوب سياهبت دمر معبد عتيق عمره مئات السنين .
سأل سورنجان :
هل عرضت الحكومة أي مساعدة ؟
لا , و الأكثر من هذا أنها لم تسمح للمنظمات الإنسانية بالمساعدة , الآلاف والآلاف مشردون يعيشون في العراء بدون طعام أو ملابس , البنات اللواتي تعرضن للاغتصاب إما أصبن بصدمة فقدن معها القدرة على الكلام و إما لا يوجد لهن أثر . رجال الأعمال فقدوا كل شيء . إجمالي الخسائر مليار و700 ألف تاكا , وإذا أضفت المحلات التجارية يزيد المبلغ إلى 220 مليون تاكا أخرى .
أوه لا يمكنني تحمل المزيد
هل تعرف , أسوأ شيء أن الخروج الجماعي من البلد قد بدأ يبدو أنه لا وسيلة لإيقافه . تردد الحكومة دائما أن الهندوس لا يغادرون البلد . ولكن هذا غير صحيح . ربما قرأت عن ذلك في مجلة " ديش " التي تصدر في كالكتا . على الأقل 150 ألف بنجلادشي عبروا الحدود الهندية , و معظمهم لم يعد . في العقدين الأخيرين أكثر من نصف مليون شخص من الأقليات أجبروا على مغادرة البلد .
استمر الحديث عن هجرة الهندوس , خرج كاجال إلى الشرفة ليهدىء مشاعره المستثارة ثم عاد إلى الحجرة و قال:
أرغب في كوب من الشاي . هيا لنذهب , إلى أحد محلات الشاي
كانت ملابس سورنجان متسخة لأنه لم يغيرها ولم يستحم منذ أيام . كما أنه لم يتناول وجبى جيدة منذ وقت طويل ., ولذلك قفز عندما سمع اقتراح كاجال و قال :
هيا لنذهب , الجسم يصدأ من الرقاد هكذا .
واصلا الحديث في الطريق عن هجرة الهندوس و موقف الحكومة من قانون " ملكية الأعداء " في عهد حكومة مجيب , ثم موقف حكومة ضياء الرحمن الذي ألغى مبدأ العلمانية من الدستور , ثم حكومة أرشاد الذي أعلن أن الإسلام و مبادىء القران هي القواعد التي يصاغ الدستور على أساسها . توقفا عند محل للشاي , جلسا في مواجهة بعضيهما . سأل كاجال :
هل تأكل شيئا مع الشاي ؟
هز سورنجان رأسه بالموافقة . بعد أن انتهيا من الأكل طلب كاجال بعض الماء من الصبي الذي يخدمهما :
هل يمكن أن تحضر لنا بعض ال " باني " ؟
فوجىء سورنجان باستخدام كاجال كلمة " باني "
في البيت كان يستخدم دائما كلمة " جال " و لكنه قال اليوم ط باني " هل يستخدم هذه الكلمة في العلن دائما ؟ أم أنه خائف ؟
كان على وشك السؤال لكنه منع نفسه . انتابه شعور بأن عددا من العيون تراقبهم . أسرع باحتساء جرعة من الشاي , هل هو خائف أيضا ؟ ما الذي يخيفه هكذا ؟ حتى أنه " لسع " لسانه بالشاي الساخن . الشاب الصغير الذي يبدو أنه يراقبه من المائدة المجاورة له لحية طويلة و يرتدي طاقية . ‘نه في حوالي الواحدة و العشرين من العنر . شعر سورنجان بأنه لا أحد الذين اختطفوا مايا , وإلا لماذا ينظر إليه هكذا ؟ اعتقد أيضا أن الشاب يبتسم لهما بسخرية . هل يبتسم لأنه يبعث له بريالة :"ما شعورك ؟ " لقد قضينا و قتا رائعا مع أختك " فجأة لم يعد يتحمل المزيد . نهض بسرعة و قال :
هيا يا كاجال-دا فلنذهب , لا أحب هذا المكان
نذهب ! بسرعة هكذا ؟
نعم , لا أستطيع تحمل هذا المكان
|