الإطار الثالث: التدخل الأجنبي المباشر و هذا على طريقة اليابان - و أمامنا تجربة في مرحلة الإختبار (العراق) و إن كان الوقت مبكرا لإستطلاع النتائج. و هذا السيناريو لا يحتاج لشروح.

قبل الخوض في تفاصيل هذا الإطار - أضع جانبا كل رفضي و كرهي الشخصي له بوصفه أسوأ الطرق المتاحة - و مع ذلك فهو سيناريو ممكن الحدوث. و بدون الدخول بتفاصيل أخلاقية مثل "هل الغرب سيتدخل لنشر الليبرالية و التنوير أم لمصالحه الشخصية و البترول أولها؟" - فأعتقد أن التنوير و نشر الفكر الليبرالي سيكون على قمة أجندة التدخل الأجنبي حال حدوثه بغض النظر عن الأهداف من ذلك و هل هي أخلاقية من عدمه.
فلقد أوضحت التجربة الغربية مع الدول الإسلامية أن مصالحها الشخصية و الإقتصادية بل و أمنها القومي و الإجتماعي يتوازى مع التنمية و التحديث بالدول الإسلامية و يتناقض مع المد الإسلامي الأصولي و هذا على المستوى الإستراتيجي بعيد المدى بغض النظر عن المستوى التكتيكي و ما قد نراه أحيانا متناقض في السياسات الغربية.
أي أنه ببساطة و إختصار سوف يكون التحول الليبرالي للمجتمعات العربية من النص و السلفية للحداثة و الليبرالية من أولويات التدخل الغربي. و لكن ما هي فرص الغرب للنجاح في دفع هذا التحول و دعمه للوصول بهذه المجتمعات للتبني الفعلي للحداثة؟؟
بالرغم من وجود تجربة في بدايتها بالعراق مازال الوقت مازال مبكرا لمعاينة نتائجها - إلا أنني و بنسبة كبيرة مع الرأي القائل بفشل هذه المحاولات على المستوى الزمني القريب. و هذا لتضافر عدة أسباب و شواهد:

- كون التدخل الأجنبي هو أولا و أخبرا قوات غازية سوف يزيد من حالة التقوقع و الكمون داخل الشرنقة النصية - تلك الحالة التي توجد فعلا و بدون غزو - ناهيك عما سيمارس من سفالات و انتهاكات طبيعية في وجود أي جيش دخيل - مما سيزيد مقدار الرفض و الكره لكل ما يمكن أن يقدمه الغرب في هذه الحالة. بل و أزد على ذلك أن المتوقع هو الردة للخلف و ليس التقدم و الحداثة نظرا للخلط المتوقع و العمدي بين المقاومة للإحتلال المفترض و بين مقاومة الحداثة و الفكر الليبرالي - بل و أزعم بأن هذا الوضع المعقد شديد الإرتباك سيكون أكبر فرصة لقوى السلفية و الجناح الأشد ظلاما منها "مثل الزرقاوي في الوضع العراقي الحالي" - و هذا لتمارس دمويتها و تصفياتها الجسدية و فرض أسلوبها العنيف - بدون مقاومة فكرية و مع تأييد متزايد من المشاعر المتضررة من الغزو لجميع طبقات المجتمع.
- القصور الغربي حتى هذه اللحظة بالفهم الكامل لأبعاد أزمة المجتمعات العربية و تفاصيل المشكلة و هذا واضح في حالات التخبط الغربي في قراراته و إتجاهاته نحو المجتمعات العربية و الإسلامية حتى اللأقليات المسلمة و العربية التي تعيش داخل الغرب متجنسة بجنسياته. و أشد الأمثلة على قصر نظر هذه الأنظمة لأبعاد المشكلة هو محاولتها فرض الديموقراطية كنظام سياسي و إجتماعي على المجتمعات العربية فرضا - على مجتمعات قبلية بدوية ذات خلفيات معرفية دينية نصية بل و متناحرة مما يكاد يكون مزحة مما يطلق أوائل إبريل.
- العوامل الخاصة بالغرب نفسه و مجتمعاته التي سترفض مع الوقت الإحتلال تحت أسباب مختلفة (إقتصادية - أخلاقية - إجتماعية و سياسية).

و لما الإنتظار - فالتجارب القريبة تبوح بنتائجها: فشل التحديث في كل الدول و المجتمعات العربية التي وقعت تحت الإحتلال حتى لمدد تربو على النصف قرن من الزمان - في مصر و الشام و ليبيا و المغرب العربي كاملا ...إلخ. فشلا ذريعا.

ففي هذه التجارب السابقة - إعتمدت هذه المجتمعات بعض المظاهر السطحية للحداثة تحت تأثير الإحتلال المادي و المعنوي - و هذا هو كل ما حدث. و نظرا لعدم إعتماد هذه المجتمعات لأي تحديث حقيقي فقد فشلت تجاربها وواجهت الإنهيارات الإقتصادية و الإجتماعية و بدأت الإرتداد العكسي بإعتماد و تمثل المرجعية السلفية و القيم البدوية حتى بأكثرها تمدنا.

فهل يوجد ما يبرر الإعتقاد بعكس هذه النتيجة؟؟ لا أكون مبالغا إذا إعتقدت أنه لن يكون توجه مؤقت لمظاهر حداثية هذه المرة بل إصطدام عنيف منذ اللحظات الأولى - لعل العراق الآن خير دليل.