{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
المقدمة و فصل من رواية " أولاد حارتنا "
eyad 65 غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 689
الانضمام: Sep 2004
مشاركة: #8
المقدمة و فصل من رواية " أولاد حارتنا "
14
ورأيا عن بعد شخصاً يتجه نحوهما لم تتضح معالمه , و مضى القادم يقترب رويداً حتى تبيناه , فانتصبت قامة قدري بحركة تلقائية و شعّ ت عيناه الجميلتان نور ابتهاج . و لحظ همام أخاه باسماً , ثم نظر إلى الأغنام في غير مبالاة و همس بلهجة تنبيه :
الظلام غير بعيد .
فهتف قدري باستهانة :
فليأت الفجر إذا شاء .
و خطا خطوات نحو الأمام ملوحاً بذراعيه في ترحاب للفتاة . وأخذت تدنو من موقفهما , مجهدة من المشي , لطول المسافة من ناحية و لمقاومة الرمال لشبشبها من ناحية أخرى , متطلعة نحوهما ببصر لا مع يعكس مع فتنة العينين الخضراوين جرأة . و بدت ملتفة بملاءتها اللف حتى الكتفين , مطلقة الرأس و العنق عاريين فعبث الهواء بضفيرتها . و ارتفع صوت قدري بسرور ميح عن وجهه إمارات الحدة :
أهلاً بهند .
فأجابت بصوت رقيق :
أهلاً بك ( ثم مخاطبة همام ) مساء الخير ياابن عمي ,
فقال همام باسماً :
مساء الخير يا ابنة العن , كيف حالك ؟
و تناول قدري يدها و سار بها نحو الصخرة الكبيرة القائمة على بعد أمتار من موقفهما , و دارا حول الصخرة حتى ضلعها المواجه للجبل فصارا في منعزل عن الخلاء ومن فيه . و جذبها نحوه فأحاطها بذراعيه , ثم قبل ثغرها قبلة طويلة حتى تماسّت ثناياهما وغابت الفتاة في لحظة استسلام مذهلة . و استطاعت أن تتخلص من ذراعيه , و أن تقف مضطربة الأنفاس فتحكم لف ملاءتها , ة تتلقى نظراته المهاجمة بنظرة باسمة . و لكن الابتسامة اختفت كأنما لخاطرة خطرت , و تقوصت الشفتان في تبرم , ثم قالت :
جئت بعد معركة , أف , هذه الحياة لا تطاق .
فقطب قدري لإدراكه ماتعني و قال بحدة :
لا تبالي بشيء إننا أبناء الحمق , أبي الطيب رجل غبي , و أبوك الشرس لا يقل عنه غباء , إنهما يودان أن يورثانا الكراهية , فيا للغباء ! خبريني كيف تيسر لك المجيء ؟
فنفخت و قالت :
مضى اليوم كالأيام السابقة في نقار متواصل بين أبي و أمي , و صفعها مرة أو مرتين فصرخت تلعنه و صبّت غضبها على قلة فحطمتها , و لكن غضبها اليوم وقف عند هذا الحد , إنها كثيراً ما تمسك بخناقه متحدية لطماته , و تدعو عليه إذا غلبت على أمرها , أما إذا غلبته الخمر فلا سلامة إلا البعد عن وجهه . كثيراً ما أشعر بالرغبة في الهرب , و بكراهية شديدة لهذه الحياة , و لكنّي أروح عن نفسي بالبكاء حتى تؤلمني عيناي . ما علينا , انتظرت حتى ارتدى ثيابه و ذهب , فتناولت الملاءة و لكن أمي تعرضت لي نحاول منعي كالعادة , و لكني تخلصت منها و مضيت إلى الخارج .
فتناول قدري يدها بين يديه وتساءل :
ألا تخمن أين تذهبين ؟
لا أظن , لا يهمني , إنها على أي جال لا تجرؤ على إخبار أبي .
فضحك قدري ضحكة مقتضبة و سألها :
ماذا تظنينه يفعل لو عرف ؟
فرددت ضحكته في حيرة و قالت :
إني لا أخشاه رغم شدته , بل أقول لك غني أحبه , وهو يحبني في سذاجة لا تتفق وحدة طباعه , و لا يبالي أن يقول غنني أغلى شيء في دنياه , و لعل هذا هو أصل متاعبي .
جلس قدري على الأرض أسفل الصخرة و دعاها على الجلوس بأن ربت الموضع جانبه , و جلست وهي تتخفف من حبكة الملاءة , و مال نحوها فلثم خدها , ثم قال :
يبدو أن غزو أبي أيسر من غزو أبيك , ومع ذلك فشدّ ما يبدو فضاً إذا جاء ذكر لبيك , أنه ينكر عليه صفات .
فضحكت قائلة وهي تذكر ما تردد عن ذكره :
بني ادم !...كذلك ينكر أبي عليه .
فحدجها بنظرة استنكار فقالت :
أبوك ينكر على أبي فظاظته , و أبي ينكر على أبيك طيبته , و المهم أنهما لم يتفقا على شيء .
فندت عن رأس قدري حركة كأنما ينطح الهواء و قال بتحد :
لكننا سنفعل مانشاء .
فقالت همد وهي تنظر نحوه بعطف و إشفاق :
أبي يستطيع أن يفعل ما يشاء كذلك !
و أنا قادر على أشياء كثيرة , ماذا يريد لك هذا العم السكير ؟
فضحكت على رغمها , و قالت بلهجة تشي بالاحتجاج و المداعبة معاً :
تكلم عن أبي بأدب
وواصلت الكلام وهي تقرصه في أذنه :
طالما ساءلت نفسي عما يريد لي , فخيل إلي أحياناً أنه يكره أن يزوجني من أحد .
فحملق فيها منكراً فعادت تقول :
رأيته مرة يرمي بيت جدنا بنظرة غاضبة و يقول : " إذا كان قد رضي لأبنائه و أحفاده بالهوان فهل يرضى بها لحفيدته ؟ لا مكان لائق بهند غلا هذا البيت المغلق " . ومرة قال لأمي إن فتوة كفر الزغاري يرغب في الزواج مني ففرحت أمي فصاح بها حانقاً : : " يا وضيعة ... يا خسيسة , من يكون فتوة كفر الزغاري هذا ؟ إ، أحقر خادم في البيت الكبير أشرف منه و أنظف " فسألته أمي في حسرة : " فمن تراه الجدير بها ؟ " فصاح : " علم ذلك عند الطاغية المتواري خلف أسوار بيته , إنها حفيدته , و ليس في الأرض من هو أهل لها ! أريد لها زوجاً مثلي أنا " فقالت أمي على رغمها : " أتريدها أن تكون تعيسة مثل أمها ؟ " فهجم عليها كالوحش و راح يركلها بشدة حتى جرت خارج الكوخ !
هذا هو الجنون بعينه .
إنه يكره جدنا , و يلعنه كلما ذكره , لكنه في أعماقه يتيه ادلالاً بأبوته
فكور قدري قبضته و جعل يضرب بها فخذه و يقول :
لعلنا نكون اسعد حالاً لو لم يكن ذلك الرجل جداً لنا ..
فقالت بمرارة :
لعلنا .
فجذبها إلى صدره بشدة تناسب الحدة في قوله و ضمها إليه بقوة , و استبقاها هكذا بين يديه ريثما تمر فترة الانتقال بين الشواغل المتعبة و بين الهيام الموعود , و قال :
أعطيني فاك
عند ذاك تراجع همام من موقفه عند الصخرة , و اتجه بخفة نحو الأغنام وهو يبتسم بحياء و أسى . خيل إليه أن الهواء يثمل بأنفاس الحب , و إن الحب ينذر بالماسي . لكنه قال لنفسه : " صفا وجهه ورقّ , لا يرى على هذا الحال إلا خلف الصخرة , فمن لنا بقوة هذا الحب السحرية لتزيل متاعبنا ؟ " . هنا و السماء تشحب في استسلام , و أنفاس المغرب تتردد في خمول , و السحرة نزحف كنغمة وداع وانية , وهناك تيس يثب على عنزة . و عاد همام يحدث نفسه : " ستفرح أني يوم تلد هذه العنزة , و لكن ميلاد إنسان قد يجيء بالكوارث , فوق رؤوسنا لعنة من قبل أن نولد , و أعجب عداوة هب التي لا تجد لها من مبرر إلا أنها بين أخوين , إلى متى نعاني من هذه الكراهية , لو نُسي الماضي لابتهج الحاضر , و لكنا سنظل نتطلع إلى هذا البيت الذي لاعزة لنا إلا به و لا تعاسة غلا بسبب منه " . و علقت عيناه بالتيس فابتسم . و مضى يدور حول الغنم وهو يصفر و يلوح بعصاه . و حانت منه التفاتة نحو الصخرة الكبيرة الصامتة فبدت في وقفتها كأنها لا تبالي شيئاَ في الوجود .


15
استيقظت أميمة كعادتها عندما لم يتبق في السماء إلا نجمة واحدة . و نادت أدهم حتى استيقظ متأوهاً . و نهض الرجل فغادر غرفته مثقلاً بالنعاس إلى غرفة خارجية متصلة بها حيث ينام قدري و همام فأيقظهما . و بدا الكوخ في مظهره الجديد نامياً ممتداُ كأنه بيت صغير , وأحاط به سورٌ ضم إليه فراغاً خلفياً لإيواء الأغنام . و انتشرت على السور أفرع اللبلاب فلطفت من جفاء مظهره , و دلت على أن أميمة لم تيأس بعد من تحقيق حلمها القديم بأن تهذب ما استطاعت كوخها على مثال البيت الكبير . و اجتمع الرجال في الفناء حول صفيحة مملوءة بالماء , فغسلوا وجوههم , و ارتدوا جلابيب العمل , و حمل الهواء من داخل الكوخ رائحة احتراق خشب , و بكاء الإخوة الصغار . و أخيراً جلسوا حول الطبلية أمام مدخل الكوخ يأكلون من حلة فول مدمس . و كان جو الخريف رطيبا مائلاً للبرودة في هذه الساعة المبكرة ولكنه لاقى أجسما قوية صمدت حيال نزواته . . وعن بعد بدا كوخ إدريس و قد كبر و امتد كذلك , أما البيت الكبير فقام في صمت منطوياً على ذاته كأنما لا يربطه سبب بهذا العالم الخارجي . و جاءت أميمة تحمل كوز لبن محلوب لتوه فوضعته على الطبلية و جلست . وعند ذاك سألها قدري بسخرية :
لماذا لا تبيعين اللبن إلى بيت جدنا الموقر ؟
فالتفت إليه أدهم برأسه وخط المشيب فوديه و قال :
كل و أنت ساكت , السكوت غاية ما نرجو عندك من خير .
وقالت أميمة وهي تطحن ما في فيها :
آن لنا أن نخلل الليمون و الزيتون و الفلفل الأخضر , كنت يا قدري تبتهج في أيام التخليل و نشترك في حشو الليمون .
فقتال قدري في مرارة :
كنا نبتهج ونحن صغار حتى بلا سبب .
و ماذا يشقيك اليوم يا أبا زيد الهلالي ؟
فضحك قدري و لم يجب . أما همام فقال :
يوم السوق قريب , ينبغي أن نفرز الأغنام .
فهزت الأم رأسها بالإيجاب , على حين وجّه الأب خطابه إلى قدري قائلاً :
يا قدري لا تكن فظاً , لا أقابل شخصاً يعرفك إلا شكاك غلي , أخشى أن تعيد سيرة عمك في هذه الحياة .
أو سيرة جدي !
فاتقدت عينا أدهم استياء و قال :
لا تذكر جدك بسوء , هل سمعتني أفعل ذلك ؟ ثم أنه لم يسيء إليك .
فقال قدري باستنكار :
أساء إلينا ما دام أساء إليك .
اسكت , نقِّطتا بسكوتك .
بسببه كتبت عليما هذه الحياة , و هي أيضاً مصير بنت عمنا
فقال أدهم في عبوس :
مالنا و مالها أبوها علة الكارثة .
فهتف قدري :
أعني أنه ماكان يصح أن تنشأ من دمنا في الخلاء و العراء , ثم خبرني أي رجل ستتزوج هذه الفتاة ؟
ليكن الشيطان نفسه , لا شأن لنا بها , لا شك أنها مفترسة مثل أبيها .
و نظر محو زوجه كأنما ينشد تأييداً فقالت أميمة :
نعم , مثل أبيها .
فبصق ادهم قائلاً :
ملعونة هي و أبوها !
فتساءل همام :
ألا يفسد هذا الحديث علينا طعامنا ؟
فقالت أميمة برقة :
لا تبالغ , إن اسعد الأوقات وقت اجتماعنا
هنا ترامى غليهم صوت إدريس كالهدير وهو يلعن ويسب , فقال أدهم بتقزز :
بدأت صلاة الصبح !
و تناول آخر لقمة ونهض ثم اتجه نحو عربته وراح يدفعها أمامه وهو يقول : " تركتكم بعافية " فردوا عليه : " مع السلامة " و مضى الرجل مبتعداً صوب الجمالية . وقام همام فمضى محو الحظيرة من ممشى جانبي , ومالبث أن تعالى ثغاء الأغنام ووقع أظلافها فملئت الممشى في طريقها على الخارج . و نهض قدري كذلك فتناول عصاه ولوح لأمه مودعاً و لحق بأخيه . وعندما اقتربا من كوخ إدريس تصدى لهما فتساءل ساخراً :
بكم الرأس ياجدع ؟
فحدجه قدري بنظرة حب استطلاع على حين تجنب همام النظر إليه . وعاد إدريس يتساءل في إنكار :
ألا يتفضل أحدكما بالجواب يا ابني بياع الخيار ؟
فقال قدري لحدة :
إذا أردت الشراء فاذهب إلى السوق
فتساءل إدريس مقهقهاً :
و إذا قررت الاستيلاء على أحدها ؟
وجاء صوت هند من الداخل وهي تقول :
أبي , لا نريد فضائح
فأجابها مداعباً :
اهتمي بشأنك أنت , ودعيني لسلالة الجواري !
فقال همام :
نحن لا نتعرض لم فلا تتعرض لنا .
آه , صوت أدهم , كان ينبغي أن تكون بين الأغنام لا وراءها .
فقال همام محتداً :
أمرنا أبي ألا نجيب على تحرشك بنا .
فقهقه إدريس عالياً و قال :
جزاه الله كل خير ,. لولا أنره هذا لكنت في الهالكين ! ( ثم بلهجة خشنة ) .. أنكما تعيشين عزيزين بفضل اسمي , لعنة الله عليكم جميعاً , غورا من وجهي
وواصلا سيرهما وهما يلوحان من حين إلى حين بعصويهما, و لبث همام ممتقع اللون من الانفعال فقال لقدري:
هذا الرجل مقيت ,ما أقذره , حتى في هذه الساعة المبكرة تنفث أنفاسه رائحة الخمر .
فقال قدري وهما يوغلان وراء الأغنام في الخلاء :
إنه يتكلم كثيراً ! و لكنه لم يمد لنا يداً بأذى
فقال همام محتجاً :
بل استولى أكثر من مرة على بعض أغنامنا .
إنه سكير , وهو للأسف عمنا , لا مهرب من الإقرار بذلك ,
وساد الصمت قليلاً وهما يتجهان محو الصخرة الكبيرة , وفي السحب سحب متفرقة , و الشمس ترسل أشعتها فتغمر الرمال المترامية . وضاق همام بكتمان ما يود قوله فقال :
ستخطئ خطأًَ كبيراً إذا و صلت أسبابك بأسبابه
فاشتعلت عينا قدري بنظرة غاضبة و هتف :
لا تحاول نصحي , حسبي أبوك
فقال همام وهو لم يفق بعد من إهانات إدريس :
حياتنا موفورة المتاعب فلا تزدها
فصاح قدري :
فلتسحقكم المتاعب التي يخلقونها بأنفسكم , أما أنا فافعل ما أشاء
وكانا قد بلغا الموضع الذي يسرحان عنده الأغنام فالتفت همام نحو أخيه و تساءل :
أتظن أنك ناجٍ من عواقب أفعالك ؟ !
فقبض قدري على منكبه و صاح :
ما أنمت إلا حسود
فدهش همام . دهمه قول أخيه الذي لم يتوقعه . و لكنه كان متعوداً من ناحية أخرى على مفاجاته ومفرقعاته . ورفع يده عن منكبه وهو يقول :
اللهم احفظنا .
فشبك قدري يديه على صدره وهو يهز رأسه ساخراً فقال همام :
خيرما أفعل أن أتركك لنفسك حتى تندم , لن تقر بخطأ , ولن تقر به إلا بعد فوات الفرصة .
وأولاه ظهره متجهاً نحو جانب الصخرة الظليل . ووقف قدري مكفهر الوجه تحت الأشعة الحامية .

16
جلست أسرة أدهم أمام الكوخ تتناول عشاءها في ضوء النجوم الخافت , وإذا بحدث يقع لم يشهد له الخلاء مثيلاً مذ طرد ادهم . فتح باب البيت الكبير و خرج منه شيخ حاملاً مصباحاً . و تطلعت الأعين إلى المصباح في دهشة انعقدت لها الألسنة , و تابعنه وهو يتحرك في الظلام ككوكب أرضي , و عندما توسط المسافة بين البيت و الكوخ تركزت الأبصار على الشبح لتتبينه على ضوء المصباح المنعكس حتى همس أدهم : " هذا هو عم كريم بواب البيت " . و تضاعفت الدهشة عندما أيقنوا من أنه يقصدهم فوقفوا جميعاً , بعضهم اللقمة في يده و البعض اللقمة في فيه بلا حراك . و بلغ الرجل موقفهم فوقف رافعاً يده وهو يقول :
مساء الخير يا سيدي أدهم
ارتجف أدهم لدى سماعه الصوت الذي انقطع عنه منذ عشرين عاماً , فدعا من أعماق ذاكرته نبرات الأب العميقة وشذا الياسمين و الحناء و حنيناَ و أشجاناً فمادت به الأرض . و قال وهو يقاوم دموعه :
مساء الخير يا عم كريم
فقال الرجل بتأثر غير خاف :
لعلك أنت و أهلك بخير
الحمد للله يا عم كريم
فقال الرجل برقة :
أود أن أعرب لك عما بنفسي و لكنني كلفت فقط بان أبلغك بأن سيدي الكبير يدعو ابنك همام لمقابلته فوراً
و ساد الصمت , فتبادلوا النظرات , وإذا بصوت يتساءل :
همام وحده ؟
و التفتوا ساخطين نحو إدريس الذي بدا عن كثب وهو يصغي , غير أن عم كريم لم يجب , و رفع يده تحية ورجع صوب البيت الكبير تاركاً الجميع في ظلام . و تغيظ إدريس منه فصاح به :
أتتركني بلا جواب يا ابن اللئيمة ؟
و أفاق قدري من ذهوله فتساءل غاضباً :
لماذا همام وحده ؟
فردد إدريس تساؤله :
نعم لماذا همام وحده ؟
فقال له أدهم , ولعله وجد في مخاطبته متنفساً عن أزمته :
عد على كوخك و دعنا في سلام
سلام ؟ إني أقف حيث أشاء
و تطلع همام إلى البيت الكبير صامتاً . و قلبه يخفق بشدة خيل إليه معها أن المقطم يردد صداه . و قال له أبوه بتسليم :
اذهب يا همام على جدك مصحوباً بالسلامة .
فالتفت قدري على أبوه يسأله في حدّة وتحدي :
و أنا ؟ ألست ابنك مثله ؟
لا تتكلم كما يتكلم إدريس يا قدري , إنك ابني مثله بلا أدنى ريب , و لا لوم علّي فلست أنا الداعي
فقال إدريس محتجاً :
ولكن بوسعك أن تمنع تمييز أخ عن أخيه .
هذا شان لا يعنيك ( ثم مخاطباً همام ) يجب أن تذهب , و سيأتي دور قدري , إنني واثق من ذلك
فقال إدريس وهو يهّم بالذهاب :
إنك أب ظالم مثل أبيك , مسكين قدري , لماذا يعاقب دون ذنب ؟ لكن اللعنة تنزل أول ما تنزل في أسرتنا بالممتازين , ألا لعنة الله على هذه الأسرة المجنونة !
و مضى فابتلعته الظلمة . وعند ذاك هتف قدري:
إنك تظلمني يأبي .
لا تُعد أقواله , تعال يا قدري و اذهب ياهمام
فقال همام بحرج :
وددت لو كان معي أخي
سيلحق بك
فصاح قدري بحنق :
أي ظلم هذا ! لماذا آثره عليّ ؟ إنه لم يعرفه كما لم يعرفني فلماذا يختصه بالدعاء ؟
فدفع أدهم همام قائلاً:
اذهب
فسار همام , وهمست أميمة :
تحفظك العناية
و احتضنت قدري باكية و لكنه تخلص من ذراعيها و مضى قي اثر أخيه فصاح به أدهم :
عد يا قدري و لا تقامر بمستقبلك
فقال قدري بغضب :
لن ترجعني قوةَ على الأرض
وعلا صوت أميمة بالبكاء , و بكى الصغير في الداخل . و أوسع قدري خطاه حتى لحق بأخيه , وعلى كثب منه في الظلام رأى شبح إدريس يسير ممسكاً بيد هند . ولما بلغوا باب البيت دفع إدريس قدري إلى يسار همام و هند إلى يمينه و تراجع خطوات وهو يصيح :
افتح يا عم كريم , جاء الأحفاد للقاء جدّهم
و فنح الباب وظهر على عتبته عم كريم و بيده المصباح , وقال بأدب :
فليتفضل سيدي همام بالدخول
فهتف إدريس :
وهذا أخوه قدري , وهذه هند وهي صورة مكررة من أمي التي ماتت باكية .
فقال عم كريم بأدب :
أنت تعلم يا سيدي إدريس أنه لا يدخل هذا البيت إلا من يؤذن له .
و أشار على همام فدخل , وتبعه قدري آخذاً بيد هند و لكن علا صوت من الحديقة عرفه إدريس وهو يقول بصرامة :
اذهبا بعاركما أيها الملوثان
تسمرت أقدامهما . و أغلق الباب . و انقض إدريس عليهما فقبض على منكبيهما بقبضتيه و تساءل بصوت متهدج من الغضب :
أي عار يعني ؟
وصرخت هند ألماً , على حين تحول قدري فجأة نحو إدريس و رفع يديه عنه وعن هند , فأفلتت هند وولت هاربة في الظلام . و تراجع إدريس بخفة إلى الوراء ثم وجه إلى قدري لكمة فتحملها الشاب رغم قوتها ووجه إليه لكمة أشد . و اندفعا يتبادلان الضرب و الركل بقسوة ووحشية تحت سور البيت الكبير . ز صاح إدريس :
سأقتلك يا ابن العاهرة
فصاح قدري :
سأقتلك قبل أن تقتلني
و تبادلا الضربات حتى سال الدم من فم قدري و أنفه . و جاء ادهم جرياً كالمجنون و صاح بأعلى صوته :
اترك ابني يا إدريس
فصاح إدريس بحقد :
سأقتله بجريمته
لن أدعك تقتله , ولن أدعك تعيش إن قتلته
و جاءت أم هند مولولة وهي يصيح :
فرّت هند يا إدريس , أدركها قبل أن تختفي
ورمى أدهم بنفسه بين إدريس و قدري , وصاح بأخيه :
أفق , إنك تقاتل بلا سبب , بنتك طاهرة لم تمس ّ لكنك أرعبتها ففرت , أدركها قبل أن تختفي
وجذب قدري إليه , ورجع به مسرعاً وهو يقول :
أسرع .. تركت أمك في حالة إغماء .
أما إدريس فنطلق في الظلام وهو يصرخ بأعلى صوته : " هند .. هند .."


03-02-2006, 10:29 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
المقدمة و فصل من رواية " أولاد حارتنا " - بواسطة eyad 65 - 03-02-2006, 10:29 PM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  رواية عالم صوفي/ عرض للدكتور محمد الرميحي بسام الخوري 1 2,576 06-15-2011, 08:50 AM
آخر رد: بسام الخوري
  رواية اسمها سورية - 40 كاتب ومؤلف في 1585 صفحة ، ملف واحد بحجم 25 ميجا مع الفهرسة ali alik 10 4,826 04-09-2011, 11:21 PM
آخر رد: kafafes
  إذا كنت قد قرأت كتاباً "دسماً" في الأنثروبولوجي..من فضلك ضعه هنا Narina 10 4,962 12-27-2010, 04:45 PM
آخر رد: Narina
  رواية فنسنت فان جوخ - رائعة ايرفنج ستون في 772 صفحة .. لأول مرة ali alik 2 4,208 12-25-2010, 02:04 PM
آخر رد: kafafes
  مغامرة الكائن الحي _ جويل دو روزناي - و رواية يوم في حياة ايفان - الكسندر سولجينيتسين ali alik 1 1,874 10-26-2010, 04:48 AM
آخر رد: إبراهيم

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS