[SIZE=5]الخلود في الجنة و النار


منذ نعومة أظفارنا و نحن نسمع "خالدين فيها" ، مرة للجنة و مرة للنار ، و لا أعتقد أن هناك مِن المسلمين شيوخاً أو أطفالاً من لا يتفقوا على أن الكفار خالدون في جهنم و المسلمين خالدون في الجنة ، حتى أن المسألة تبدو مما يُسمى المعلوم من الدين بالضرورة و إنكاره قد يخرج من الملّة .

و الآيات في ذلك كثيرة و أكثر مما يُمكن إحصاؤه في خاطرة كهذه .

و لكن

ما بال القرآن لا يكف عن صدمتنا بتصريحات عجيبة تبدو بلا معنى و مناقضة لكل ما يرسّخه من مفاهيم ؟؟!!

تعالوا لنقرأ معاً هذه الآيات من سورة هود :

فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ 106

خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ 107

وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ 108

:confused2:

الآيات السابقة تسبب سلسلة من الانشطارات النووية في عقل كل من اعتاد على قراءة القرآن ، لأنها تختلف عن كل القرآن .

فهي تقر بحقائق فريدة لا نجدها في أي مكان آخر :

1- خلود الكفار في جهنم مرتبط بدوام السماوات و الأرض .
2- هناك استثناء لبعض الكفار من هذا الربط حسب مشيئة الله ، أي أن وجودهم في جهنم ليس له علاقة بديمومة السماوات و الأرض من عدمها (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) .
3- خلود المسلمين في الجنة مربط أيضاً بدوام السماوات و الأرض .
4- هناك استثناء لبعض المسلمين من هذا الربط حسب مشيئة الله ، أي أن وجودهم في الجنة ليس له علاقة بديمومة السماوات و الأرض من عدمها (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) .

:confused2:

المحيّر في الأمر ، هو أن السماوات و الأرض غير دائمات ، لأن السماوات تُطوى كطي السجل ، و تُبدّل هي و الأرض غير التي نعرفها ، فأي ديمومة هذه التي يتحدث عنها القرآن هنا ؟؟؟؟

"يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ" ابراهيم 84

فأي ديمومة هذه التي للسماوات و الأرض و القرآن يصرّح بتبدّل الأرض بغيرها و السماوات بغيرها !!

بل يقول في آية أخرى :

"كُلّ شَيْء هَالِك إِلَّا وَجْهه " الْقَصَص 88

فأي أرض و أي سماوات تلك التي تدوم و يخلد بدوامها الناس في الجنة أو النار !!!!

إن كان هناك خلود في الجنة و النار ، و أن خلودهما مرتبط بديمومة السماوات و الأرض ، فهذا يعني أن السماوات و الأرض خالدات أيضاً !!!

أما أغرب شيء في هذه الآيات ، فهو قوله عن أهل الجنة أن خلودهما فيها ما دامت السماوات و الأرض (إلا ما شاء ربك ) ، فهل هناك من سيُحرمون هذا الخلود في الجنة حسب هذا الاستثناء الإلهي يخرج ما بعده مما قبله ؟؟؟

فهل هناك من يدخل الجنة و يخرج منها !!!

طبعاً سيأتي من يطلب منّا أن نكمل الآية و يفسر الآية بخاتمتها "عطاءا غير مجذوذ" معتقداً أنه بذلك قد حل التناقض ، و أن الآية تصرح بأن أهل الجنة لا ينقطع عطاؤهم و هذا دليل خلودهم .

و الرد على هذا من وجهين :
1- إن كانت خاتمة هذه الآية تصرح بخلودهم فكيف بالكلمات التي قبلها و التي تربط هذا الخلود بخلود السماوات و الأرض اللتي نعرف أنها غير خالدة ؟؟!!
2- قد يكون العطاء غير المجذوذ صفة لعطاء الجنة ، أي أن من يدخل الجنة يحصل على عطاء غير مجذوذ أو مقطوع كما ورد في آية أخرى "و فواكه كثيرة لا مقطوعة و لا ممنوعة" في سورة الواقعة ، فعطاء غير مجذوذ لا تعني الخلود ، لأن العطاء لا يكون إلا في داخل الجنة ، فإن أُخرِجوا من الجنة (كما يقول الاستثناء الرباني) فعندها لا يمكن استمرار العطاء لهم .


الخلاصة :
هذه الآيات تناقض بعضها بعضاً ، فآية تقول بأن خلود أهل النار في النار و الجنة في الجنة مرتبط بدوام السماوات و الأرض مع استثناء لبعض من شاء لهم الله عدم الخلود لا هنا و لا هناك ، و آيات أخرى تتحدث عن هلاك كل شيء إلا وجه الله ، بما فيها السماوات و الأرض ، و آيات كثيرة جداً تتحدث عن خلود أهل النار في النار في النار و الجنة في الجنة .

هناك آية أخرى "لابثين فيها أحقابا" قالوا أنها تعلق بخروج بعض العصاة من جهنم إلى الجنة ، و لكن ماذا عن الذي استثنى الله خلودهم في الجنة ، هل سيُخرجون إلى النار ؟؟؟!
أم إلى أين ؟؟