مؤرخ يهودي شجاع يندد
بتوظيف اضطهاد اليهود لتبرير العدوان
صدر هذه الايام بباريس كتاب احدث دويا لافتا في اوساط الاعلام ومعابر السلطة ولكنه بدأ يتحول الى (قضية) لعلها تصبح مع الايام ملفا قضائيا، كما وقع لكتاب الفيلسوف الفرنسي المسلم روجيه غارودي (الاساطير المؤسسة لسياسية اسرائيل).
هذا الكتاب ـ الحدث مترجم عن الانكليزية للغة الفرنسية بعنوان (صناعة الهولوكوست : تأملات في استغلال عذاب اليهود). ومؤلفه مثقف يهودي اميركي هو نورمان ج فينكلشتاين NORMAN 6. Fiukelstein خريج جامعة برنستون الشهيرة واستاذ العلوم السياسية في جامعة سيتي بنيويورك. وهو ليس متطفلا او دخيلا على اروقة اليهود الاميركان، فقد نشأ في اسرة يهودية تحمل بعض افرادها اضطهاد النازية الالمانية في معتقلات اليهود اثناء الحرب العالمية الثانية، وقدم رسالته للدكتوراة في جامعة برنستون حول نظرية الصهيونية وكتب كتابا متميزا ومنصفا حول الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي سنة 1999 بعنوان (الخيال والحقيقة في النزاع الاسرائيلي الفلسطيني).
اما في هذا الكتاب الجديد فهو يواجه بشجاعة ما يسميه: توظيف مأساة الهولوكست ـ او المحرقة ـ لتبرير العدوان الاجرامي الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني باعانة الولايات المتحدة الاميركية وهذه العبارات مأخوذة حرفيا من مقدمة المؤلف (صفحة 12 سطر 11) حتى نفهم سر الدوي الكبير الذي مازال يحدثه الكتاب في اوساط الاروقة الصهيونية في كل من اميركا واوروبا.
ولكن قيمة الكتاب لا تنحصر في هذه الجرأة من قبل مثقف واستاذ جامعي يهودي اختار ان يدرس السياسة الاجرامية العدوانية لاسرائيل، بل وكذلك في عرض مواقف عدد كبير من المثقفين اليهود الاحرار الذين اختاروا ايضا الانحياز للحقيقة ضد التشويه الاعلامي والتزوير السياسي امثال بيتر نوفيك PETER NOVICK صاحب كتاب المحرقة في الحياة الاميركية وكذلك راث بيتينا بيرف RUTH BETTINA BIRN صاحبة كتاب : شعب تحت المحك وكذلك الفريد كازين ALFRED KAZIN للؤلف العديد من المقالات والكتب التي تندد بتوظيف عذاب اليهود لجمع التبرعات لاسرائيل.
وكتاب نورمان ج. فينكلشتاين هذا
يستعرض انشطة الجمعيات الصهيونية لتوظيف عذاب اليهود لأغراض تبرير عذاب الشعب الفلسطيني لان المضطهدين (بفتح الهاء) بالامس تحولوا الى مضطهدين (بكسر الهاء) اليوم ودائما تحت راية تاريخ المحرقة (الهولوكوست) مما يفند في نظر المؤلف كل الروايات التي اوردها وجمعها المؤرخ اليهودي غولد اجن GOLDHAGEN في كتابه الذي صدر عام 1999 بعنوان (الجلادون المتطوعون مع هتلر) HITLER WILLING EXECUTIONNERS والذي ترجمته المنظمات الصهيونية الى اثنتي عشرة لغة وطبعة منه مليوني نسخة.
ولا يطلق مؤلف الكتاب اتهاماته جزافا بل يحدد المتلاعبين بالمحرقة والموظفين لمأساة اليهود توظيفا سياسيا ويوجه نقده اللاذع للحائز اليهودى على جائزة نوبل (للسلام) ايلي فيزيل وينعته بالمتطرف وبمستثمر الهولوكوست خاصة حين يقوم فيزيل بوصم مفتي بيت المقدس المرحوم الشيخ امين الحسيني بأنه صديق المجرم النازي هنريش هيملر وانه كان نازيا ويستهدف ابادة اليهود ويرد مؤلف الكتاب على هذه الاكذوبة قائلا ثم ان علاقات الحكومات الاوروبية كلها كانت وثيقة بالزعيم النازي ادولف هتلر حتى عام 1939 وحتى بعد ذلك التاريخ امثال ونستون تشرشل رئيس الحكومة البريطانية الذي امتدح هتلر عام 1938 واثنى على (عبقريته وبعد نظره..!).
ويقول فينكلشتاين: ان ايلي فيريل يضع التاريخ اي الهولوكوست فوق التاريخ او خارج التاريخ لا يجوز فيها الخوض او النقاش او النقد تحت طائلة الاتهام بمعاداة السامية،ويظل ايلي فيزيل في نظر مؤلف الكتاب احد كبار (المرتزقة) المتعيشين من المتاجرة بالذاكرة اليهودية على حساب الحقيقة والحق اما الحقيقة فهي ان اضطهاد اليهود المسمى بالهولوكوست اي المغلف برداء الدين ليس هو الاول في تاريخ الانسانية، والمؤلف يذكر العالم بالقنابل النووية الملقاة على مدينتي هيروشيما وناغازاكي وبابادة الهنود الحمر والجرائم ضد شعب فيتنام والمجاعة السياسية للقارة الافريقية وغيرها من (الهولوكستات) الشرسة والمنافية للانسانية.
ويتهم الكتاب كذلك الكاتب جرزي كوسنسكي JERZY KOSINSKI صاحب كتاب (العصفور الجريح) بأنه تخيل كل الاحداث الواقعة في روايته التاريخية وانتحل مأساة لم يعشها، وكذلك مؤلف كتاب (مقتطفات) بنجامين ويلكوميرسكي BINJAMIN WILKONIRSKI الذي اراد جلب التعاطف مع اليهود ومع اسرائيل متخيلا احداثا غريبة تضع المساكين اليهود في ايدي جلادين المان لا يرحمون وبدون اي استشناء.
ويصف المؤلف كل هذه العمليات بالابتزاز وبنزع الجانب الاخلاقي عن مأساة اليهود بتأكيد خرافة (شعب الله المختار) التي تبرر اضطهاد شعب فلسطين كما يتوجه بالتقدير للمؤرخين اليهود الجدد الذين بدأوا يكتبون تاريخ شعبهم بنظرة مختلفة ومحايدة واكثر اقرارا بالحقيقة.. ونحن كعرب نعيش في الغرب نتمنى ان يترجم هذا الكتاب للغة العربية حتى نعلم على الاقل ان هناك اصواتا قليلة وشجاعة من الجانب الآخر تصدع بالحق.. ولعل محاكمة ما.. تنتظر الكتاب والكاتب لان المنظمات اليهود هنا بالمرصاد!.
د. احمد القديدي
* عضو هيئة التدريس بجامعة قطر
http://www.alwatan.com/graphics/2002/02feb.../heads/ot11.htm