(f)(f)

تحية لجميع الأصدقاء هنا ..
وأخص كاتب المقال .. العزيز ابراهيم وأقول له وحشتنا قوي وشكراً على كل شيء وانتظرنا..

كنت قد أنهيت منذ شهر تقريباً قراءة هذه الرواية الرائعة والتي استطاعت تسريب معلومات غاية في الحساسية والخطورة عبر سياق بوليسي ممتع وأحداث متلاحقة تقطع الأنفاس .

وقد تطرق الأصدقاء إلى القيمة الفكرية والحرية ومبدأ وصاية الكنيسة أو القانون ولن أكرر ما تطرقوا إليه فليس لدي ما أزيده في هذه المجالات ولكني سأتناول الذكاء الحاد لدى الكاتب لتمرير أفكار من شأنها زعزعة الإيمان المسيحي القائم على ألوهية لمسيح وعلى رسالته وبشارته من خلال الأناجيل الأربعة المعروفة .

دان براون مرر أفكاره عبر شخصين من روايته وكان أخطرها ما جاء على لسان لاي تيبينغ وهو إنسان أرستقراطي بريطاني يعيش في فرنسا نذر الجزء الأهم من حياته للبحث في سر الكأس المقدسة موضوع الرواية ..
ما قاله كان كاف ليثير سخط الكنيسة الكاثوليكية، لكن الذكاء يكمن في نظري لعدم مساءلة الكاتب خاصة أن المعلومات التي تسربت عنه تشير إلى أنه يهودي الديانة، وبغض النظر عن مدى صحة هذا المزعم، فإنه استطاع التهرب من المسؤولية بأن جعل من هذا البطل مجرماً خطراً وقاتلاً مرتبطاً ببعض المؤسسات الدينية المتطرفة والتي سحبت عنها الكنيسة الكاثوليكية المظلة عنها .

فلو سئل دان براون عن مسؤوليته في المعلومات الواردة والتي تناقض إيمان أغلب مسيحيي العالم لأجاب ببساطة
لكن القائل بكل هذا هو مجرم وقاتل ولا رادع أخلاقي له للحصول على غايته في معرفة السر، وهو خلف بعمله ضحايا كثر من خيرة المثقفين العالميين أمثال سونيير جد صوفي أحد أقطاب الرواية .

وهو سؤال طرح على الكاتب السعودي الشهير تركي الحمد في يوم قريب :
أستاذ تركي يتهمك الكثيرون أنك قد جدفت بقدرة الله واقتربت من الكفر في أحد رواياتك .
فأجاب :
- هذا ليس برأي بل هو رأي أحد أبطال الرواية .
قصة مشابهة حدثت منذ ثلاث سنوات مع الكاتب السوري حيدر حيدر حين منعت مصر روايته الشهيرة وليمة لأعشاب البحر لأن أحد أبطالها اقترب من الكفر .

أنا مع الحرية المطلقة في الكتابة وأظن أن الكثيرين من الكتاب الأميركيين وسواهم قد ردوا على رواية شيفرة دافنشي وأدلو بمعلومات مناقضة وفتحوا السجال واسعاً للنقاش .
وكما كتبت العزيزة نادين يوماً مقالاً بعنوان (( لا مقدسات في الحوار ))
فالحوار لا يعرف حدوداً وهو قد تطور هنا في أندية الحوار، لذلك فالحقيقة لا يمكنها أن تتبلور وتظهر إلا في جو من الحوار الحر والغير مقيد بأي نوع من القيود .

نقطة أخرى أريد أن أتطرق عليها وهي الشخصيات التاريخية التي نعرفها من خلال الكتب
ففي ظني أن جميع هذه الشخصيات قد طالها الكثير من التطوير والتحسين بحيث أصبحت كما وصلت إلينا اليوم هي أقرب إلى الضمير والقبول الإنساني، وأقصد هنا جميع الأبطال التاريخيين والرسل وأنبياء، فهؤلاء جملوا وحسنوا على مر الأيام حتى دخلوا شغاف القلب، وإن القول بأن هؤلاء كانوا نيئة عن ما نعرفه اليوم من بشر له كلام معسول لا يخلو من المبالغة، فالبشر هم كذلك تعترضهم جميع النوازع والشرور وليس من خير مطلق ولا شر مطلق، الحقيقة أن البشر يخطئون ويكذبون ومن ثم يصدقون ما كذبوا به .
وهنا مصدر الخوف من الحوار في المقدسات، حتى الله الديني ينهي عن نقاشات معينة بحجة أن العقل البشري لن يفلح في معرفة كنهها أو حقيقتها، وهو طلب غير مقبول .

وأنا هنا لا أقصد الطعن بالرسل والمبشرين، فهؤلاء أحببناهم بالصورة التي وصلوا إلينا بها ، لأنهم حملوا مبادئ عجزنا نحن على التحلي بها مجتمعة، لكن يبقى أن هذه المبادئ هي التي جعلت من هؤلاء جميعاً أناساً مميزين، فلو اختفوا أو شوهوا فلا شك أن المثل التي بشروا أو دعوا إليها موجودة وقد حافظت على جماليتها وسحرها ، وهي ستبقى مهما اهتز إيماننا بهؤلاء الأشخاص أنفسهم، لأن البشر في اعتقادي بحاجة إلى رموز وقيم يتمثلون بها ولو اختلفت وسائل إيصالها إلينا أو حتى انتفت مصداقية الأقنعة التي حملتها، والبشر قادرون على التطوير لتغير حاجتهم بتغير الظروف الحياتية والزمانية والمكانية ..

ودمتم
الليبرالي
:what: