الحقبة الإيرانية والمُتاح الآن
حازم صاغيّة الحياة - 04/03/06//

الذين توهّموا، بعد انهيار الاستبداد العراقي، أن بوّابة الديموقراطية فُتحت في المنطقة على مصراعيها، فاجأتهم إيران. ذك أن الاستبداد الإيراني كان يفتتح، في تلك اللحظة، فصلاً جديداً بانتخاب محمود أحمدي نجاد رئيساً. فالحدث هذا «جدّد» الثورة الخمينيّة بالمعنى الذي «جدّدت» فيه «الثورة الثقافيّة» في الصين ثورة ماو تسي تونغ الأولى التي انتصرت في 1949.

هكذا يجوز القول إن منطقة الشرق الأوسط تعيش في اللحظة الوسيطة بين انهيار غير مكتمل ألمّ بالاستبداد العراقي، تولّى الاحترابُ الأهلي بعده وظيفةَ التعطيل التي كان يؤديّها نظام صدّام، وبداية نشطة للاستبداد الإيراني. ذاك أن الحقبة التي يفتتحها الأخير تملك من المواصفات الخطرة ما لا يملكه غيرها: ففضلاً عن صلة التحالف مع النظام السوري وحركات «حماس» (الحاكمة) و»الجهاد الإسلامي» و»حزب الله» (المعطّل للحكم)، وعن صلات مذهبية واثنية تمتد من أفغانستان الى الخليج، مروراً بالعراق طبعاً، هناك ما بات يوصف بـ «الملف النووي» مصحوباً بعمق التأثير في شرايين الاقتصاد الدولي. وهو ما يعني أن أية ضربة أميركية حمقاء لإيران ستكون ضربة لمصالح دول شبه عظمى، كالصين والهند واليابان، تتزوّد جميعاً بالنفط الإيراني. وإذا صحّ، وهو غير مؤكد، أن زيارة جورج بوش الأخيرة الى الهند قد ترضي نيودلهي بضمّها الى الشرعية النووية، وقد تؤدي، تالياً، الى توسيع المسافة التي تفصلها عن إيران، فهذا ما سيترك أثراً معاكساً تماماً على الصين المتخوّفة من التقارب الأميركي-الهندي بما قد يدفعها الى تعزيز التحامها بطهران.

صحيح أن المحور الذي تتزعّمه إيران لا يملك برنامجاً للمنطقة يطاول حاجاتها الفعلية، اقتصاداً وسياسةً وتعليماً، فيما يقتصر «برنامجه» على امتلاك طاقة التعطيل وإثارة الفوضى. بيد أن ما يضيف قوة الى قوة اندفاعة طهران أن طلب المنطقة للفوضى لا يقلّ، إن لم يزد، على طلبها الانتظام في المعاصرة. ومن هنا بدا الانتقال طبيعياً، بل آلياً، من تفسّخ الحقبة العراقية لما بعد صدّام الى ابتداء الحقبة الإيرانية مرموزاً اليها بنجادي.

وهذا، بدوره، يوجب، بين ما يوجبه، نقد مرحلة التوقعات الأميركية الكبرى بالديموقراطيّة وما انطوت عليه من سذاجة «كونية» بدأت تخلي مكانها لخبث وسينيكيّة «قوميين». ذاك أن بعض الذين أطنبوا في تبشيرنا بديموقراطيّة تعمّ الشرق الأوسط، بدأوا يبشّروننا بحرب أهليّة تنجو الولايات المتحدة من لهبها، مصحوبة بضربات عسكرية توجّه إلى إيران.

والحال أن الأضرار الهائلة والواسعة النطاق التي قد تنجرّ عن «سياسة» جديدة كهذه، تلحّ في طلب الهدنة التي تعكس اللحظة الراهنة، لحظة التوازن بين الحماقة الديموقراطية وقواها وبين الخرابيّة العدمية وقواها.

فقد دللت منطقة الشرق الأوسط، في العراق خصوصاً ولكنْ أيضاً في لبنان وسورية وفلسطين رغم التفاوت في أشكال التعبير، على حدود احتمالها التغيير. وها هي اليوم مدعوّة لمكابدة الحقبة الإيرانية الصاعدة مثلما كابدت حقبة صدّام من قبل. وفي الغضون هذه، لا يستطيع «الغرب» أن يفعل أكثر من الضغط للحفاظ على المكاسب المتحققة حيث توجد، أنظمةً سياسيةً وعلاقاتٍ اقتصاديةً وقيماً ثقافية، فلا تجتاحها البربرية. وفي موقع الصدارة من توجّه كهذا، التعلّم مما حصل في العراق وبذل بعض الجهد الفعلي لإيجاد تسوية ما للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي.

هذا أقصى المتاح الآن.

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	أمنا التي في أوروبا	بهجت	84	19,251	05-21-2012, 12:58 AM آخر رد: Narina
	من أهم المواضيع التي قد تغيربعضا من تفكيرك وخياراتك	مؤمن مصلح	8	1,269	03-02-2012, 02:28 AM آخر رد: مؤمن مصلح
	القوة الغامضة هي التي تصنع مثل هذه الصدفة	مؤمن مصلح	9	1,703	02-28-2012, 02:44 PM آخر رد: مؤمن مصلح
	ما أفضل الدول التي تعطي حق اللجوء؟	AmandaFi	21	17,215	11-08-2010, 05:36 PM آخر رد: أبو خليل
	"فريدم هاوس " فجأة تبكي على الاسلاميين بسوريا ..!!!!	نسمه عطرة	0	815	06-25-2010, 11:15 AM آخر رد: نسمه عطرة