عقدة المُلك الضائع
GMT 6:15:00 2006 الثلائاء 7 مارس
النهار اللبنانية



--------------------------------------------------------------------------------


علي حماده

فيما ينعقد مؤتمر الحوار الوطني اللبناني الذي يفاخر رئيس مجلس النواب نبيه بري بأنه "حوار صنع في لبنان"، وفي وقت انهال فيه التحريض المتنوع على كلام للنائب وليد جنبلاط ادلى به في واشنطن في معهد بروكينغز، وهو كما اوضح الرئيس بري تكرار لما كان ادلى به خلال حضوره في اليومين الاولين لمؤتمر الحوار قبل ان يغادر الى الولايات المتحدة وليس استجداء لتدخل اميركي كما حاولوا الايحاء، وفي وقت قامت فيه القيامة على السفير الاميركي بعد شيوع انباء عن زيارته منطقة الوسط التجاري في بيروت، وفي حين اعتبر البعض تحليق الطيران الاسرائيلي في سماء بيروت ساعة انعقاد المؤتمر بمثابة رسالة اسرائيلية يكون الرد عليها بالتوحد والمواجهة في هذا الوقت كان لافتا الصمت المطبق الذي التزمه حلفاء النظام السوري بعد الكلام الذي ادلى به الرئيس بشار الاسد خلال مؤتمر الاحزاب العربية في دمشق في حق لبنانيين، وخوضه في تفاصيل الوضع الداخلي اللبناني السياسي مصنفا هذا بالوطني والقومي، وذاك بالعميل والاداة وفاقد العقل، ومدليا بمواقف نيابة عما وصفه بـ"التيار القومي والمقاوم"، معتبرا انه اما ان تأتي الامور في اتجاه ما يريده نظامه "واما ان يكون هناك انقسام وفشل ان اصرت القوى الاخرى على موقفها، ولا خيار آخر". وخلص الى الاعلان امام مؤتمر الاحزاب العربية عن خيار التدخل في الشؤون اللبنانية قائلا: "سنبقى ندعم التيار الذي ندعمه الآن، بغض النظر عن نتائج الحوار وبغض النظر عما اذا كان البعض يريد ان يذهب بلبنان الى معارك او هدوء".

وكان لافتا إحجام قوى الرابع عشر من آذار عن سؤال حلفاء النظام السوري الذي حضروا الى طاولة الحوار موقفهم مما ساقه الرئيس السوري من اوصاف في حق شركاء لهم في الوطن جلسوا الى طاولة الحوار، ليس اقلها تحقيرهم بالقول انهم "لا شيء". (اذا كانوا "لا شيء" فلماذا يتكلف عناء تناولهم من خطاب الى آخر بدءا من مؤتمر المغتربين في تشرين الاول 2004؟). فاذا كان البعض اسرع في اتجاه النائب سعد الحريري لسؤاله هل يوافق على ما ادلى به حليفه وليد جنبلاط في واشنطن، فان احدا لم يسأل عن موقف "حزب الله" وحركة "امل" من كلام "رئاسي" قيل في حضور ممثلين للحزب والحركة.

لقد شكل مؤتمر الاحزاب العربية الذي انعقد في دمشق تحت عنوان "نصرة سوريا ولبنان" علامة اخرى من علامات التدخل السوري في الشؤون اللبنانية، وتعبيرا صارخا عن رفض عملي لفكرة الخروج من لبنان، ولمبدأ استقلال لبنان. فتحويل مؤتمر لاحزاب عربية منصة لتخوين اللبنانيين، وللانتقاص من استقلالهم بالاعلان جهارا عن دعم رئيس الجمهورية الممددة ولايته والمفتقد مشروعية سياسية، هو دليل صريح آخر على ان التدخل السوري لم يصبح بعد خلفنا، وان من السذاجة الاعتقاد ان النظام السوري اعتاد التعامل مع لبنان كبلد مستقل على النحو الذي دعاه اليه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة اكثر من مرة. لقد دل كلام الرئيس السوري واركانه فكرة ان في لبنان تيارا استقلاليا تحرريا، وان واقعا جديدا نشأ اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانتفاضة الاستقلال.

انه لمن المؤسف حقا، بدلا من عيش هاجس الارث المبدد، ان ينحرف اهتمام مسؤولي النظام السوري عن قضايا بلادهم ومواطنيهم العاجلة مثل المسألة المعيشية الحرجة، وقضية توزيع الثروات الملتبسة، وازمات الفساد الاداري والتعليم الرسمي المتدني المستوى والتأخر المعرفي والرقمي، وتأبيد قانون الطوارئ الى ما لا نهاية. فهذه هي القضايا التي تقتل مستقبل بلد وتمنع الاستقرار عن الشعب، لا عقدة الملك الضائع!