اقتباس: الموجة الثالثة كتب/كتبت
تحياتي للجميع
يمكن تلخيص مسير الفلسفة الغربية في هذه العبارة ( مجاوزة الميتافيزيقا) ، ولكن هل أفلح الغرب في هذا المسعى ؟ ام ان الميتافيزيقا تأبى على المجاوزة ؟ بل هي تطل برأسها في عمق الغرب وتقدمه العلمي ، ليغدو العلم الحديث مليئا بالميتافيزيقا التي تند عن الفحص الإمبريقي . يقال بأن سبب تقدم الفكر الغربي هو في تجاوزه لمقولة الميتافيزيقا بينما لا يزال الفكر الإسلامي قابعا فيها ، فهل هذا الأمر صحيح ؟
يتحدث اوغست كونت عن 3 مراحل مر بها الفكر البشري:
1) المرحلة اللاهوتية أين كان الانسان لا يقيم أي حدود بين الطبيعة والألهة
2) المرحلة الميتافيزيقية أين تم تعويض الاله بقوى مجردة
3) المرحلة الوضعية أو العلمية حيث أصحبت الطبيعة تفسر إنطلاقا من المادة وليس من أي قوى مجردة
أما في العالم العربي فيعتبر الدكتور زكي نجيب محمود من أشهر وأفضل من كتب محاولا اخراج العقل العربي من الميتافيزيقا وكتب "موقف من الميتافيزيقا" و"قصة عقل" و"مجتمع جديد أو الكارثة" وغيرها.
العقل الغربي تحرر تماما من الميتافيزيقا.
طبعا يجب أن نفهم العقل الغربي على أساس العقل السياسي والاقتصادي والعلمي والفلسفي، الخ. وليس توجه الشعوب الغربية العام أو الخاص. فصحيح أن الكنيسة لا تزال قائمة هناك ولا زال الناس يحجون كل يوم أحد لكنيسة القرية أو المدينة... لكن المقصود بالعقل عادة هو الآلية العامة التي تسيّر حياة الشعوب (كان نيتشه مثلا يتحدث عن (العقل الاوروبي)). وحياة الشعوب الغربية تسيرها آليات علمية وضعية مادية ونرى ذلك كما قلت واضحا من خلال مؤسساتها العلمية والسياسية والاقتصادية والفكرية عامة فلا أحد يحكم سياسيا باسم الله كما كان الملك في القرون الوسطى ولا يقوم الاقتصاد على أي مقولة دينية والعلم طبعا بعيد كل البعد هناك على ما هو غيبي. أي ما يسير العقل العام الغربي هو فكر وضعي.
أما في العالم العربي الاسلامي فأعتقد أننا ما زلنا بعيدين جدا عن المرحلة الوضعية ولولا التأثير المفروض من الحضارة الغربية في مجال الاقتصاد مثلا لكنا نعيش في المرحلة اللاهوتية حقا. مادام العقل مرتبطا بالدين فلن يتحرر ليصنع فكرا انسانيا لان هناك تعارض كامل بين الفكر الالهي السماوي والفكر الانساني الارضي. لا أتذكر بالضبط من (نيتشه أو فرويد) قال بما معناه أنه كلما فقد الانسان جزء من ذاته أضيف ذلك الجزء للاله وكلما فقد الاله ذلك الجزء كلما اضيف للانسان.
تعجبني أيضا قولة ماركس الشهير في كتابه نقد فلسفة الحق عند هيغل "ان نقد الدين هو أساس كل نقد". أي يجد علينا أن نبدأ في نقد الدين قبل أن ننقد السياسية اوالاقتصاد اوالفكر عامة.
وبالتالي فأعتقد أن العقل الغربي قد تجاوز حقا المرحلة الميتافيزيقية. بينما في العالم العربي والاسلامي فللأسف نحن في قلب الميتافيزقا بل اللاهوت في بعض المجالات.
أما بخصوص أن "الميتافيزيقا تأبى على المجاوزة" وأنها "تطل برأسها في عمق الغرب وتقدمه العلمي" فأعتقد أن هذا غير صحيح أو على الاقل لم أقرأ شخصيا لما يشير إلى هذا. خذ مثلا محاولة البعض في الغرب تدريس "نظرية الخلق الذكي" عوض أو جنبا إلى جنب مع "نظرية النشوء الارتقاء" لداروين. رغم أنه كانت هناك حملات كاملة منظمة من الكنيسة وبرعاية الأولياء وحتى الطلبة إلا أن كل ذلك فشل لأن العقل الغربي تشبع مؤسساتيا وبنيويا بالفكر العلمي بحيث أن أي مشروع مضاد سيلقى فشله. قد تأخذ أيضا اليمينية المسيحية المتطرفة في الولايات المتحدة وتقدم جورج بوش على أن العقل الديني سيطر على العقل السياسي الوضعي. لكن هذا مظهر خارجي فقط لأن المسيطر على السياسية الأمريكية ليس التيار المسيحي أو أي تيار ديني آخر بل هو مجموعة الاخطبوطات المالية العملاقة أي الشركات وأصحاب المصالح الاقتصادية. فهم الذين يسيطرون فعلا على بوش وغيره ويسيرون القرارات والأوامر السياسية والاقتصادية. وطبعا هؤلاء آخر ما يحركهم هو الوازع الديني مهما كان. بل بالعكس هم أنفسهم يخضعون لمنطق السوق البارد. وفي كل الاحوال فلا مجال هنا للحديث عن أي عقل لاهوتي أو ميتافيزيقي.