قمَّة على الماء


رجع لبنان كما كان في سالف الأزمان، متأبطاً محنته المأسويَّة من هذه العاصمة الى اختها، له في كل عرس عربي قرص، وفي كل هزة في المنطقة له حصة، وفي كل قمة عربية له هامش من الخلوات واللقاءات والمصالحات.

أمس رجع الى الخرطوم ثانية لا ليغني للقمة العربية رجعت ليالي زمان رجعوا أهالينا، انما رجع شاكياً لأهله بعض أهالينا، وظلم بعض ذوي القربى أشد مضاضة...

قصة هذا البلد وصراعه الدائم مع ذوي القربى، أو مَنْ يدعونها، يشبه قصة "نملة تيمورلنك" التي حملت حبَّة الحنطة ومشت بها صعوداً، في محاولة مرهقة استمرَّت طويلاً، فازت النملة على أثرها وأدركت برَّ الأمان.

كلّما قيل انه تماثل للشفاء وها هو يستردُّ عافيته، يفاجئه فخ "أخويّ" من زاوية لم تكن في الحسبان. فيعود الى "صراع النملة" من أول وجديد.

من زمان، من نيّف وثلث قرن، من عروس المصايف وعاصمة الثقافة والحرية والانفتاح، الى عريس الأزمات والحروب الهمجيَّة والقمم العربيَّة.

منذ قمة الخرطوم الأولى على اثر هزيمة السادس من حزيران، تلك التي اختير لها توصيف "النكسة" لحفظ ما تبقى من ماء الوجه العربي، وتجاوباً مع رغبة الرئيس جمال عبد الناصر بطل تلك الهزيمة التي قصمت ظهر قضية فلسطين والعرب الى أبد الآبدين.

حتى في تلك القمة، وتلك الظروف المكفهرة، كان للبنان قرص كبير وهامش خاص يحمل عنواناً لا يزال ينوء تحته الى اليوم: المقاومة الفلسطينيّة، وسلاحها، وميادين حروبها.

كان ياسر عرفات قد رسخ جغرافيا "فتح لاند" في العرقوب، ووسع انتشارها وصولاً الى ضواحي بيروت، ومنها الى قلب "عاصمة العرب أو "جنة" العرب. والمقصود هنا شارع الحمراء الذي يغالب نكسته منذ حوَّلوه ساحة لحروبهم وحروب الآخرين.

وكان ما كان من قمم عربية في هذه العاصمة أو تلك. تارة بدعوة من أبي عمار، وطوراً استجابة لاستغاثة من بيروت.

وكانت قرارات طنَّانة رنّانة.

وكانت وعود بصناديق دعم واعادة بناء.

وكان ذلك كله لا يختلف عن الكتابة على الماء.

ها هي الأيام تدور، وتدور معها أحداث المنطقة وفي المقدمة دائماً لبنان. فاذا بالقمة العربية تعود الى الخرطوم بنصف قمة وبنصف قادتها... وبلبنان نصفين: نصف برئيس جمهوريّة لا تعترف به الأكثرية النيابيّة، والنصف الآخر يمثله رئيس مجلس الوزراء، وموّاله اللقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد لغايات شتىّ.

"زيّان" - النهار


:rolleyes: