أهلين روزا

1) لا أعتقد مطلقاً بأن "وفاء سلطان" تستطيع أن تكون في عمق "د. نصر حامد أبو زيد" ولا في سعة "د. عزيز العظمة"، ولا أعتقد بأنها – هي نفسها – تريد أن تنزل في مثل هذه المنزلة. "فالدكتورة وفاء سلطان" هي طبيبة في الدرجة الأولى ولها بعض الآراء "المستنيرة" التي تعرب عنها بقوة وحدة. ومع هذا فخطابها مطلوب كما كان مطلوباً يوماً ما خطاب "الدكتور فرج فوده"، لأننا بحاجة لتبني نوعيات مختلفة من الخطاب "التنويري" في معركتنا مع "الفاشية الدينية"، يقف على رأسها ثلاثة أنواع من الخطابات: اولهم خطاب عميق نكله إلى أمثال "نصر حامد أبو زيد" و"غالي شكري" ومن لف لفهما، وثانيهم خطاب متوسط العمق عميق الأثر تصدى له بجدارة "الدكتور فرج فوده" و"الدكتور سيد القمني" وثالث هذه الخطابات هي خطابات "شعاراتية هجومية حادة" أرى في خطاب "وفاء سلطان" ما يفي بغرضها.

"وفاء سلطان"، في هجومها على تجار الظلام والإظلام، تقف على نفس الأرضية التي يقف عليها "الدكتور عزيز العظمة" والدكتور "أحمد البغدادي" ولكنها تعبر عن ذلك بطريقة مختلفة. والتجربة الانسانية تقول لنا بأن الناس مختلفون، وأن تجاوبهم مع خطاب وآخر متنوع متباين. هناك من يؤثر فيه الخطاب العميق وآخر المتوسط وثالث الخطاب "الشعاراتي الساذج". هنا، يكفي "وفاء سلطان" أن تؤثر – ولو سلباً – في المتلقين، فهي ليست زعيمة سياسية ولا يهمها حصد النتائج على الأرض الآن، ولكنها مثقفة تزرع بذور ثقافتها في "أراض صخرية" بحاجة "للمعاول" و"الديناميت" أحياناً. فالفقر والدين والجهل والأمية تركوا في هذا الشرق المتخلف بلادة في الطباع وتحجراً في العقول وغلظاً في القلوب وخدراً في المفاصل يعالج – للاسف – الأغلبية الغالبة من شعوبنا.

"وفاء سلطان" وحدها لن تستطيع أن تفعل شيئاً، ولو استعملنا خطابها "وحده" لما استطعنا أن نغير "جلدة حنفية" في رؤوس الناس. ولكن تضافر خطابها مع الخطابات الأخرى الأكثر عمقاً والبعيدة الغور يستطيع أن يفعل الكثير. لذلك فأنا مع هذا الخطاب "الحاد" ،بعد بعض "التعديل" فيه، خصوصاً ذلك الذي يتعلق منه بالمواقف السياسية تجاه أمريكا وإسرائيل.

2) أنا لا أرى أي علاقة لحديث "وفاء سلطان" مع الحملة الإمبريالية الأمريكية، فهجوم هذه الدكتورة على النظام السوري هو هجوم يحق لكل مواطن سوري أن يتبناه، ولكن هذا الهجوم من هذه الدكتورة هو غير مباشر. "فقضية وفاء سلطان الأساسية" كما يبدو هي التصدي للخطاب الرجعي الإسلاموي وليس معارضة النظام السوري (حتى لو هاجمت بشار الأسد وحزب البعث).

بعدين، هل كلما خرج واحد من قومنا ينتقد الأوضاع السائدة عندنا، فإن علينا أن نتساءل: لماذا الآن؟

يا روزا يا صديقتي، إن سؤال "لماذا الآن" هو الوجه الآخر لنفس العملة التي تعب الإعلام العربي من ترديدها سابقاً، والتي دائماً تقول:"في هذه الظروف العصيبة" و"المرحلة الدقيقة" و ... و ... إلخ.

مع هذا فإن الجواب على سؤال "لماذا الآن" تجدين إجابته في خطاب "خفافيش الظلام" وفي هذه "الردة الحضارية" التي يعيشها مجتمعنا والتي تتمثل أكثر ما تتمثل في الخطاب الغيبي التجهيلي الذي يمارسه "الراجعون إلى الخلف"، والذي يركض ثلاثة أرباع شعبنا وراءه.

هذا "الخطاب الغيبي" و"الخدر الديني" الذي يلفه هو أس مشاكلنا. "فتغييب العقل واستلابه" هو أزمة ثقافية علينا الخروج منها قبل أي أزمة أخرى على "الصعيد المادي" (الذي تتحدثين عنه). هذا بالإضافة إلى أن خطاب "وفاء سلطان" لا يسيء إلى أي عملية "تنويرية" لإحداث تغييرات مادية في مجتمعاتنا.

3) خطاب "وفاء سلطان" لا يستبعد أحداً من أي عملية تغيير جذرية. خطابها إن هو إلا صرخة في أذن هذه الجماهير النائمة في "مية البطيخ والبتنجان الاسود". هذه "الجماهير" المشغولة بالزوجات الأربع ويوم القيامة "وتعيش لتستجدي السماء" وتستعطف قبور الأولياء.

جماهيرنا يا صديقتي أجّرت عقولها لأمثال "عمرو خالد" و"زغلول النجار"، لذلك فهي مصابة "بالكساح الثوري". فلا مستقبل لمن يمشي ملتفتاً إلى الخلف إلا هوة يقع فيها من جديد.
"جماهيرنا" "نائمة في المشمش" (لاسباب كثيرة) ومُستلبة العقول، ولا نهوض لها دون منازلة قوى الظلام الغيبية وسحر ودجل رجال الدين، فالإحباط والفشل الذي تعرضت له شعوبنا ومجتمعاتنا قضى على دور العقل والمنطق، والمعركة الأولى اليوم هي معركة "تحرير العقل" من هذه القوى المكبلة له والمتمثلة في الخطاب الفاشي "الإسلاموي" الذي يجري علكه واجتراره كل يوم في جميع المحافل.

معركتنا اليوم يا روزا ليست معركة "كارل ماركس" ولا "فلاديمير إيليتش"، ولكنها – للأسف – معركة "جيوردانو برونو" و"جاليليو جاليلي" و"فولتير". إنها معركة "استعادة الوعي" والتحرر مرة واحدة وللأبد من عقال "غيبيات القرون الوسطى". ومع هذا فهي ليست معركة ضد "الدين"، ولكنها ضد "فاشية رجال الدين" والعقول المتكلسة المتحجرة التي ما زالت تؤمن بأن إسماع الدجاج القرآن يقي من مرض أنفلونزا الطيور.
في هذا الإطار يا "روزا"، خطاب "وفاء سلطان" هو خطاب مهم جداً. وهو لا يمنع الآخرين المستنيرين – ساسة وثوريين – من العمل والتنظير والتطبيق. بل هو يصب في مصلحتهم بشكل أو بآخر.

4) هل علينا أن نقف مع "الإسلامويين" لأن أمريكا تحاربهم؟
بصراحة "لا" ... و"لا كبيرة جداً". فهم كانوا أمس أصدقاء أمريكا واليوم أعداءها وغداً سوف يضحون أصدقاءها من جديد. فما يفصلهم عن الولايات المتحدة وامبرياليتها ليس كبيراً، بل لربما أتوا غداً إلى السلطة في بلداننا - كي يزيدوها تخلفاً على تخلف - على ظهر دبابة أمريكية.

أعتقد إذاً، بأن موقفنا من "الإسلامويين" يجب أن تحدده مصلحة أوطاننا وشعوبنا و"أيديولوجية" هولاء وتصرفاتهم وليس مدى قربهم أو ابتعادهم عن أمريكا.

الإسلامويون - للأسف - "فاشيون" بامتياز حتى الآن. إنهم الوجه الآخر لموسوليني وهتلر (ولعله الأكثر بشاعة). أما المشكلة الأكبر فهي أن تناميهم خطر محدق بأوطاننا وشعوبنا نحن وليس بأمريكا ولا بإمبرياليتها.

وجود الإسلاميين في السلطة معناه موت العقل وانتحارالوطن وتغييب المستقبل إلى سنوات طويلة أخرى نقوم فيها نحن بإعادة اكتشاف الدولاب من جديد بينما يرسل الآخرون مركباتهم إلى مجرات أخرى. والنتيجة هي إحباط أكثر وتخلف أكثر واستلاب عقول ودماء مراقة وجهل ومرض وفقر يفتك بنا وبأولادنا وبأحفادنا.

أخيراً، أظن بأن العمل في الساحة العربية يجب أن يرتكز على ثلاثة "دواليب" تسير مع بعضها البعض:
1) محاربة الفكر الغيبي ومروّجيه والمناجزة والاستبسال في سبيل استعادة الوعي وبعث العقل (وهذه أهم المعارك في الوقت الحالي للأسف – ومن هنا أهمية خطاب "وفاء سلطان" وغيرها-).
2) محاولة تطوير نظريات مناسبة من أجل السير بالشعب والبلد إلى الأمام – اقتصاديا وسياسياً-.
3) العمل اليومي الدؤوب في هذين المجالين عن طريق الجمعيات والهيئات المؤسسة على منظومات اجتماعية وخلقية حضارية حديثة مناسبة.


واسلمي لي
العلماني