هكذا هم الدينيون دائماً ..

يبنون فكرهم على أسس غير منطقية وغير قابلة للتصور وحينما نطالبهم بتوضيحها أو بتقديم أدلة عليها يقولون لنا إن طلباتنا تعجيزية!!

المشكلة مشكلتكم أيها المؤمنون وليست مشكلة اللادينيين ، فأنتم تقدمون قضايا تعجيزية لا يمكن تصورها

على المؤمنين أن يؤسسوا طرحهم بشكل منطقي يمكن لنا تصوره

ثم إن أصحاب الأديان هم المطالبون بإثبات أديانهم ف"البينة على من ادعى" ، ونحن لم ندّعِ أن الله موجود أو غير موجود ، بل أنتم من ادعيتم وجوده وقدمتم عليه أدلة فقمنا نحن بدورنا بتفنيد هذه الأدلة وعليكم أن تبحثوا عن أدلة غيرها أو تقتنعوا بأن الأطروحة الدينية غير قابلة للإثبات بدلاً من اتهامنا نحن بأن طلباتنا تعجيزية

بالمناسبة: ماهو تعريف التعجيز؟؟ وما هو تعريف الطلب؟؟ وما هو تعريف الدين؟؟ وما هو تعريف المنطق؟؟ وما هو تعريف الله؟؟

أنا لا أستطيع أن أتناقش معك حول أي أمر من هذه الأمور ما لم تقدم لي تعريفاً جامعاً مانعاً لكل واحد منها

هذا سيحيلنا إلى موضوع "التعريف" هل هو مدخل ضروري للنقاش أم لا؟؟

أنت طلبت مني أن أعرّف أو أحدد لك معنى كلمة "العدم" من الناحية العقلية والمنطقية كمدخل ضروري لإجابة سؤالي عن طريقة خلق الله للإنسان (هل خَلَقَهُ من عدم أم من جزء من الذات الإلهية؟؟) ، وهذا الاسلوب في المحاججة غير سليم أبداً من الناحية المنطقية، فهو ينبني على أحد المبادئ القديمة والمتجاوزة للمنطق الصوري (النظري) وقد قلت لك إن ابن تيمية له ردود قوية على هذا الأسلوب فقد ألف كتبا عديدة في "نقض المنطق" الصوري و"الرد على المنطقيين" الأرسطيين ، وسأبين لك جانباً من ذلك نقلاً من مقال رد سابق لي على أحد الزملاء..

الإدراك في أبسط صورة (طبقاً لعلم المنطق) هو عبارة عن أمرين : التصور

أ- التصور: هو حصول صورة الشيء في الذهن

ب- التصديق: هو الحكم على هذه الصورة بحكم معين

مثال: عندما تقول ان "القمر جميل" فانت هنا قمت بـ
-التصور: أي نقلت صورة القمر إلى ذهنك عن طريق حاسة البصر(تصورت القمر)
-التصديق: أي حكمت على صورة القمر تلك والتي حصلت في ذهنك بأنها "جميلة"

ولكي يكون التصديق سليما يجب أن يكون التصور سليما ، ومن هنا جاءت القاعدة التي تقول "الحكم على الشيء فرع عن تصوره" ، ولهذا كان مبحث "التصور" لدى أهل المنطق من أهم المباحث لأنه ينبني عليه كل شيء تقريبا ، ومن هنا صار المناطقة يبحثون في الطرق المثلى التي تجعل من التصور دقيقاً بأعلى مستوى ممكن من الدقة ، ومن خلال مباحث كثيرة توصلوا إلى المبدأ الشهير وهو أن "الحد" (أي التعريف ، تعريف الامر المراد تصوره) هو الطريق الأمثل للوصول الى أدق تصور ممكن ، بل إنهم حكموا حكماً جازماً وقالوا بأن
"التصور لا ينال إلا بالحد"
أي لا يمكن حصول تصور دقيق بدون "حد" (أي: بدون تعريف)

ولابن تيمية ردود رائعة على هذا المبدأ ، نختار منها ردين بسيطين:

الرد الأول: أن الناس لم تزل تتصور الأشياء تصوراً سليما منذ بدء الحياة إلى اليوم ولم تسمع الغالبية العظمى منهم بالمبدأ القائل بأن "التصور لا ينال الا بالحد" ولم يسمعوا بأرسطو ولم يقدح ذلك في صحة تصوراتهم ، تماما كما ينطق العربي في صحراء الجزيرة بالعربية بفصاحة قبل أن يسمع بالكسائي او بسيبويه ، فكما ان العربي "ناطق أصلي" باللغة فالإنسان أيضا بطبيعته كائن "ناطق" ، أي عاقل ومفكر ولا يحتاج الى دراسة هذه القواعد حتى يبدأ بالتفكير أو بالتصور السليم

الرد الثاني: أننا إذا سلمنا جدلاً بأن التصور لا ينال إلا بالتعريف فهذا سيوقعنا في اشكاليات كبيرة

مثلا: إذا أردنا الحكم على القمر بأنه جميل أو قبيح أو بأي صفة أخرى فلا بد أولاً لكي نتصور القمر تصوراً دقيقا (طبقاً لمبدأ المناطقة) من أن نضع تعريفاً لهذا القمر
وتعريفنا لهذا القمر لا يخلو من امرين :
1- إما أن يكون قد وضعه لنا شخص فنقلناه عنه
2- أو أن نكون نحن الذين وضعنا تعريفه بانفسنا

في الحالة الاولى سنسأل: هل هذا الشخص الذي نقلنا نحن عنه التعريف تصوّر القمر بنفسه أم أنه نقل تعريفه عن شخص آخر؟؟
إذا كان قد نقل التعريف عن شخص آخر فهذا سيؤدي بنا إلى التسلسل (سلسلة لا متناهية) وهو ممتنع عقلا
أما إذا كان قد وضعه بنفسه فسيكون مثلنا ، وسننتقل هنا إلى
الحالة الثانية: وهي أن نكون نحن الذين وضعنا التعريف بأنفسنا ، وهذا يعني أننا تصورنا القمر أول مرة بدون تعريف سابق (وإلا كان ذلك تسلسلا كما سبق ذكره)، وهذا يبطل المبدأ القائل بأن "التصور لا ينال إلا بالحد" ، لأننا قد وضعنا تعريفاً للقمر بناءً على تصورنا عنه وهو تصور قد حصلنا عليه بدون أن نطلع على أي تعريف سابق له

- - - - - - - - - - - -

والخلاصة من هذا العرض البسيط أن المدخل الذي بدأتَ به الحوار هو مدخل غير سليم ، فنحن لا نحتاج بالضرورة إلى تعريف "العدم" لأنه تحصيل حاصل وهو معروف سلفاً لدى الجميع ، والمشكلة بيني وبينك ليست التعريفات فكل الامور المطروحة للنقاش بيننا هي أمور واضحة لك جيداً من غير حاجة إلى تعريف (الاسلام - الغيبيات - الله - الجبر - الاختيار - الخير - الشر ..إلخ) ، وأنا أرى أن التركيز على موضوع التعريف هو حيلة سوفسطائية ولا داعي لأن تتخذ مذهب السفسطة معي فهو لن يفيدك بشيء ، لأنه بإمكاني أنا أيضاً أن أستخدمه لصالحي وأشترط لبدأ أي نقاش معكم أن تقدموا لي تعريفاً جامعاً مانعاً ل"الله" لكي نستطيع النقاش حوله ، هذا مع العلم أنني حاولت تقديم تعريف أو بالأحرى توضيح لمعنى العدم من وجهة نظري ، فقد قلت لك إن العدم هو "اللاشيء" ، وهو تعريف قد يكون غير دقيق أو غير صحيح ، ولكنك تجاهلته ولم تتطرق إليه لا بقبول أو رفض

تحياتي للجميع