المجزرة الوفدية وثقافة البلطجة السياسية
خالد الشامي

عندما سمعت لأول مرة انباء المجزرة الوفدية من احد الاصدقاء، تصورت انها كذبة ابريل وعندما اقسم باغلظ الايمان مؤكدا ان معركة بالرصاص الحي تجري في مقر الحزب في قلب القاهرة منذ ساعات (...) هرعت الي القناة المصرية متوقعا نقلا حيا لهذه الفضيحة المكتملة الاركان للنظام السياسي والحياة الحزبية في مصر.
ولكن البرامج عندنا، كما هي العادة، لا تتغير ولا تتبدل الا بالطبع اذا حدثت كارثة من العيار الثقيل والتي تكاثرت مؤخرا علي الناس في مصر.
ولا اعرف ماذا يجب ان يحدث اكثر من معركة بالرصاص في حزب يقع في قلب القاهرة توقع نحو 25 جريحا معظمهم من الصحافيين حتي يرتقي الي مستوي الكارثة السياسية.
واذا كانت الاحزاب المصرية ولدت ميتة في كنف هذا النظام الذي دأب علي الامعان في تمويتها طوال ربع قرن، فقد كان امس الاول هو يوم تشييعها الرسمي الذي سيذكره التاريخ للابد.
ليس ممكنا اعفاء النظام من مسؤولية قتل الحياة الحزبية باسلحة الطواريء والقوانين سيئة السمعة التي اقامت جدارا ضخما من الخوف والعراقيل الامنية والبيروقراطية والسياسية امام نمو الاحزاب طبيعيا بالتواصل مع قاعدة شعبية حقيقية.
وليس ممكنا اعفاء الاحزاب نفسها من مسؤولية الاستسلام (علي افضل الاحوال) لهذه القيود، ناهيك عن دخول بعضها في صفقات سرية مع النظام من اجل حفنة مصالح او سماح باختراق امني يجعلها كالدمي في مسرح العرائس.
واذا كان النظام مارس السياسة التي تضمن بقاءه في الحكم الي اخر لحظة وهو ما نجح فيه طوال ربع قرن، فان مسؤولية الزعامات الوطنية في الاحزاب هي المقاومة السياسية السلمية من اجل الوصول الي الديمقراطية، وليس استئجار البلطجية المسلحين بالمسدسات (وليس بالشوم والمطاوي فقط كما اصبح العرف في عالم البلطجة السياسية) للتشبث بالكرسي.
اي عار ان يشهد الحزب الذي ارتبط تكوينه واسمه ونضاله بارفع قيم الوطنية المصرية والعربية هذه المجزرة الدموية من اجل كرسي الرئاسة؟
واي مصير ينتظر باقي الاحزاب بل والنظام نفسه في ظل غياب آلية قانونية وواقعية للانتقال السلمي للسلطة، خاصة في ظل هذا الغموض والجدل والاحتقان غير المسبوق في تاريخ البلاد؟
ان المجزرة الوفدية ليست سوي جرس انذار ربما يكون الاخير لما قد يحدث ـ لا قدر الله ـ اذا كان الصراع علي كرسي اكبر ورئاسة اهم.
وعندما يذهب المتصارعون علي الكراسي او المتشبثون بها، او من كرسوا ثقافة البلطجة السياسية والتشبث بالكرسي اصلا، سوف يبقي السبت الاول من نيسان (ابريل) عام 2006 يوما للعار السياسي والحزبي في مصر.
فهل يدرك هؤلاء جميعا انه حان الوقت للاسراع باصدار قانون جديد للاحزاب والممارسة السياسية يفتح المجال امام كافة المصريين لانشاء احزاب حقيقية تتحاور بالكلمة وتتنافس بالاراء والبرامج بدلا من البلطجية والمطاوي واخيرا.. الرصاص!؟القضاة والاصلاح علي استحياء قدمت قناة النيل للاخبار تغطية اقيمت في القاهرة حول دور القضاء في الاصلاح السياسي في مصر والعالم العربي.
ولا بد، وكأي مصري، ان اسجل اعتزازي بل وافتخاري بقضاة مصر الذين قرروا الانتصار لضمائرهم حتي لو كلفهم هذا غضب النظام.
ولقد كانت وقفة عز حقا، عندما ارتدوا اوسمتهم كاملة، وخرجوا الي الشارع ليقولوا لا مدوية للاعتداء علي استقلالية القضاء، و لا للمماطلة في الاصلاح القضائي الذي هو الاساس الضروري للاصلاح السياسي والاقتصادي ايضا.
للاسف لم نر ايا من هؤلاء القضاة العظماء في تغطية قناة النيل لدور القضاء في الاصلاح، مع انهم اصبحوا المحرك الاهم والامل الاكبر في تحقيق الاصلاح، ان كان سيتحقق، في مصر.
لم نر رئيس نادي القضاة زكريا عبد العزيز وزملاءه الذين اصبحوا ابطالا حقيقيين، في زمن شح فيه الابطال.
وللمفارقة، فقد استضافت القناة المصرية الناشط الحقوقي السوري اكرم البني الذي كان بين المشاركين في الندوة واذاعت من كلامه عموميات لم تتطرق الي الوضع المأساوي لحقوق الانسان في سورية، والذي كان هو نفسه بين ضحاياه.
وعلي اي حال تبقي القناة مشكورة لتغطيتها اصلا للندوة، وثانيا علي اهتمامها واستضافتها للاصلاحيين في سورية، وان كان الاقربون اولي بالاستضافة ايضا. اهبش.. واجري ونبقي مع كارثة اخري ما زالت مستمرة منذ فجر الثالث من شباط (فبراير) الماضي عندما غرقت العبارة السلام 98 المنكوبة وعلي متنها 1441 شخصا، ولم ينقذ منهم سوي 378 فقط.
والمناسبة اعلان وزير النقل نتائج تحقيق حكومي في الكارثة يبريء صاحب العبارة المنكوبة، ويدين القبطان (فقط) بالمسؤولية عن الكارثة.
وكان هذا خبرا اذيع بشكل يهدف الي اخفائه وليس لنشره كما يفترض في وسائل الاعلام.
ويزعم التحقيق انه بعد فحص الصندوق الاسود للسفينة اتضح ان القبطان لم يصدر اشارة استغاثة الا في لحظة غرق العبارة (...) وهكذا فانه يتحمل المسؤولية.
وليس واضحا حتي الان ـ بعد شهرين ـ مصير ذلك القبطان، حيث تؤكد انباء انه كان اول من قفز في قارب نجاة تاركا الركاب يتـصارعون علي عشرة قوارب كانت تكفي بالكاد لانقاذ ربع عددهم. بينما تشير تقارير اخري الي انه بين الضحايا.
هذا التحقيق يهدف الي تبرئة النظام وليس صاحب الشركة المالكة للعبارة فقط، فهو قد ترك مصر للعلاج في لندن مستغلا تأخر قرار رفع الحصانة البرلمانية (والبيزنسية) عنه، ومنعه من السفر لاسابيع بعد الكارثة.
ان دماء اكثر من الف مصري لن تذهب هدرا بتحميلها لشخص القبطان فقط، الذي يقال انه اتصل هاتفيا بصاحب الشركة المنكوبة ليبلغه باندلاع حريق في مخزن السفينة وخشيته من غرقها، الا انه امره بمواصلة الرحلة حفاظا علي سمعة الشركة !!.
لابد من التحقيق مع الملياردير الهارب والمتهم بالاستفادة من علاقات قوية مع الكبار ، كانت ضمنت تعيينه في مجلس الشوري للاستفادة بخبراته التي اضاف اليها مؤخرا ازهاق اكثر من الف روح، والخروج مثل الشعرة من العجينة ، طبعا بعد امهاله وقتا كافيا ليجمع الكام مليار او الهبشة كما يقول المصريون للتنعم بها في الخارج الي جانب زملائه من سارقي اموال الشعب، الاعضاء في ناد واحد اسمه اهبش.. واجري !

كاتب من اسرة القدس العربي