أعود وأذكر أن لا أحد ينكر تميز محمد، لكنه بالنهاية ابن بيئة اجتماعية محددة، وبالتالي، فتصرفاته جميعها خرجت ملائمة وموائمة لتلك البيئة، وغير شاذة عنها .. وهنا بالتالي – وبعيدا عن التنظير - لا أرى من ضرورة لتفرقة وفق سياق أي منهج أو تفسير، فما قدمته آنفا أتى على سبيل التمثيل لا الحصر، وبالتالي فلم يلغ ما لمحمد من دور، لكن بالمقابل لم يعطه وجه الاعجاز – ان صح التعبير-، بل يمكن حصر ما جرى معه بوجوه عدة قد يكون أبرزها: بعد النظر والقدرة على الاستشراف أخذا بالمعطيات الموجودة، مخاطبة الوعي السائد بما يتناسب مع العمل وفق مقتضيات ذلك الوعي وما هو حاضر من مفاهيم قيمية واجتماعية وما الى هنالك.. فلو أخذنا على سبيل المثال تجربة محمد في المدينة المنورة، لا يمكن ان نأخذها مقتطعة عن زمانها ومكانها، فيثرب أولا كانت تمثل مركزا له أهميته على طريق القوافل، ثم كانت تضم الاوس والخزرج واليهود.. لا يمكن ان نصف علاقة الاوس بالخرزج حينها بالودية، كما ولا يمكن أن نصف علاقة اليهود مع القبيلتين بتلك الصفة أيضا، فقد لعب اليهود على ما ينقل لنا التاريخ على التناقضات ما بين القبيلتين في سبيل التصدر والزعامة على يثرب، من هنا وأخذا بان اليهود بالنسبة للعرب "أغيار"، فمن الواضح ان اهل يثرب من الاوس والخزرج ما كانوا ليطمئنوا على ذلك التفوق اليهودي، من هنا، فقد يفهم ان واحدة من اسباب هجرة محمد إلى يثرب تمثلت بتلاقي المصالح بينه وبين من سمي بعد ذلك بـ"الانصار".. والا فما هو التفسير "الموضوعي" لاسلام مدينة بكاملها بتلك الفترة القياسية.. ومن وثم فهناك امر آخر.. هل كانت علاقة محمد أو أصحاب محمد باليهود علاقة ودية منذ اليوم الاول لدخوله يثرب؟؟ صحيح ان محمد قد عقد معهم عقود ومواثيق .. لكن كم عدد الآيات القرآنية التي تنزلت لنصرة المسلمين على اليهود في تلك الفترة .. من مثل (غلت أيديهم) وغيرها؟؟

بالنسبة لمكة، فقد وضحت في مداخلتي السابقة انه بسبب موقعها ومكانتها كان لها نوع من القيادة "غير المباشرة" دون ان تكون مركز القيادة الفعلية للعرب، وهو أمر مفروغ منه ومعروف .. ومع هذا، فلا يمكن لأحد الانكار أن الأنفة التي تميز بها العربي وبعدها ما يمكن وسمه بحس المصلحة لديه كانت معيارا وبوصلة لمواقفة، وما معركة الاحزاب التي اجتمع بها العرب لنصرة قريش – بمقابل عام الوفود ان اردنا قياسا – الا تعبير عن هذا الحس.. وهنا لا يمكن أيضا أن أهضم الاسلام حقه لما فيه من شرائع اصلاحية لذلك المجتمع، فكل هذه الاسباب، مضاف اليها قوة ذلك الدين المتصاعدة لعبت دور باشهار الوفود اسلامها وغير ذلك ..

الحديث قد يطول عزيزي .. والشواهد كثيرة جدا.. طبعا اعود وأكرر انها لا تلغي اهمية محمد وعظمته، ولكن بالمقابل لا يمكنني أن اسأل، انطلاقا من زمان الرجل ومكانه "من هو أعظم منه؟"

تحياتي
(f)

يتبع مع الزميل علي نور الله