عزيزي جرامشي

أعتراضي عليك ليس لاهوتيا ، بقدر ما هو اعتراض منهجي ، يتناول الحدث التاريخي .

دعني أصيغ الإشكال بهذا السؤال : من يصنع الحدث التاريخي ؟

هناك عدة اجابات ، أنت - بحسب كلامك - تريد أن توضح أن ما قام به محمد ليس أمرا خارقا أو معجزا ، وهذا أمر لا نختلف فيه ، فطالما أن ما قام به محمد يعتبر "حدثا تاريخيا " ، فكونه حدث يعني بالضرورة أنه لا يحمل قيمة تختلف عن باقي الأحداث التاريخية ، وأنه يخضع لنفس آليات التفسير التي تفسر بها باقي الأحداث .

لكنك في معرض توضيحك هذا ، قمت بإرجاع الحدث بكامله إلى " الظروف " و" البيئة " .. إلى " مكانة مكة " و " النظام القبلي " و " مشاكل يثرب " .... مما يجعلك تخرج بخلاصة ، تراها جد طبيعية ، مفادها : " في تلك الظروف ، أي شخص يملك أبجديات الصفات القيادية يستطيع القيام بما قام به محمد " . أنت بهذا التفسير ، تلغي "شخصية " محمد ، كصانع للحدث ، تهمشه تماما .. كما - وعلى العكس منك - يرجع على نور لمحمد كل صناعة الحدث ، مؤكدا على أن البيئة - بعد أن وصفها - لا يمكن أن تنتج دعوة كدعوة محمد ، لكنه هو " المتفرد " قد جعل من تلك الدعوة : ممكنا ، وبالتالي يصبح متسقا مع نفسه عندما لا يستطيع أن يصف هذه الظاهرة إلا بكونها " معجزة " ، تدخل في صنعها الله نفسه .

هنا تصبح " الظروف " و"الشخصية " قطبان يتجاذبان صناعة الحدث ، تقترب أنت من أحدهما بينما يقترب الزميل على نور من القطب الآخر ، ويبقى " الحدث" وحده ضائعا بينكما . وهذا هو بالضبط ، ما عنيته عندما أكدت على أنكما تنتهيان للتاريخ ، لا تبدآن منه .

أنا لا أقول أنك أنت - أو على نور - على خطأ ، بل كل ما أحاول توضيحه هو أنكما تتبنيان منهجا قاصرا على الإحاطة بالحدث ، يختزله في بعد واحد .

منهجك أنت يلغي دور الإنسان في صناعة التاريخ ، وبالتالي يفتح مجالا كبيرا للامسئولية ، بل يمكن أن نذهب إلى أبعد من ذلك ونتلمس في هذه الرؤية جذورا أشعرية ، مع النقل " الفاعل " من الله إلى " الظروف المحيطة .

بالمقابل ، منهج علي نور يلغي التاريخ نفسه ، محولا إياه إلى مسرح يديره الله ، دون أي التفات للخصوصيات والظروف ..إلخ .


شكرا