ذكرى مولد الإنسان الأعظم والجهود البائسة واليائسة

حافظ الشيخ صالح

الاحتفاء بذكرى مولد الرسول صلى اللّه عليه وسلم هو الاحتفاء والفرح والسرور بالإنسان الأعظم، على امتداد تواريخ البشريّة جمعاء، وإنه لجفاء لذلكم الإنسان الأعظم أنْ نقدّس ونجلّ في المواسم وفي غير المواسم أناساً من الناس، ومن كبراء الناس، ومن الحكّام والسلاطين، ممنْ لا يساوون عند اللّه، وعند الناس، تربة لاصقة بقاع نعاله، عليه صلاة اللّه وسلامه، ثمّ نتجاهله هُو، ولا نستعيد في حياتنا العامّة وفي إعلامنا وصحافتنا، ذكراه وذكرياته الباقية حيّة في الحياة والكون البشري، إلى قيام الساعة.

على رسالة الإنسان الأعظم، عبد اللّه ورسوله، تشتدّ في هذه السنين المؤامرات من كلّ صَوب، وتتخذ أشكالاً شرسة، من طرف الإمبرياليّة الأمريكيّة الحاضرة، ومن طرف الإمبرياليّة الصهيونيّة المدعومة من دول الفرنجة، ومن طرف الصليبيين الجُدد، ومن طرف قوى الوثنيّة القديمة والجديدة (كالحال في الهند والصين)، وأيضاً من طرف أنظمة الأمر الراهن الآيلة للأفول والزوال في العالَم الإسلاميّ، ثمّ من طرف العملاء المحليين والعملاء وأجناد الطوابير الخامسة، على مدى العالَم الإسلاميّ والمعمورة، هؤلاء الذين تربوا في ظلال الغارات والغزوات على ديار الإسلام، في ظلال سيوف الـمُغيرين علينا والغازين.

مع ذلك هذه شدّة وتزول، فلا تخيفنا مؤامرات كلّ هؤلاء، ولا ترهبنا ولا تسترهبنا، وهُم جميعاً يُراهنون في تعب ونصب على اختراق جدران رسالة الإنسان العظيم من خلال الأجيال الشابّة الجديدة، ومن خلال المرأة (و«تمكينها«)، ومع ذلك ها نحن نبصرهم اليوم بأمهات عيوننا، على مدار دار الإسلام وديار الاغتراب، يبوؤون بالفشل النهائي الفاجع لأفئدتهم، ويرجعون بالخسران يتجرعون كؤوسه يوميا، حتى وإنْ تساقطتْ منها وتهافتتْ نفايات تجد طريقها فوراً إلى مجاري النجاسة والنفاية. الانبعاث الإسلاميّ الجديد، انبعاث رسالة الإنسان الأعظم صلى اللّه عليه وسلّم، هُو اليوم حقيقة كونيّة واسعة، وبعيدة الآفاق، ليس ينبغي التهوين من العقبات التي في طريق هذا الانبعاث، والتحدّيات الجسام التي تواجهه ويواجهها، فالرعيل الأول، في عهد الرسول عليه صلاة اللّه وسلامه، حفر في الصخر لهذه الرسالة بأظافير يده العارية، وجابَهَ من البلاء والمحنة والعناء واللأواء ما يبلغ مبلغ الأسطورة، فالثمن في رسالة التوحيد هو بطبيعته باهظ جدا، و«ألا إنّ سلعة اللّه غالية، ألا إنّ سلعة اللّه الجنة«. ولكنّ البشائر كثيرة جدا، أينما ارتمى البصر، والمواعيد الربانيّة لنْ تتخلّف، والرسالة ماضيَة مُندفعة، والجمهور الملياري المسلم الغزير يعود في سرعة إلى نفسه، التي هي نفس الإنسان الأعظم، ويجاهر اليوم بكُفره باللوثات التي أصابتهُ في قرون التخلف الخمسة أو الستة.

أما حِيَل أعداء هذا الدين لتوقيف مسيرته المحتومة، فهي على كثرتها وتشعبها وشراستها، فإنها يائسة شديدة اليأس، بائسة شديدة البؤس، ففي نهايات التحليل هي بأجمعها ليستْ لها من طاقة على تكرار الردّة الحضاريّة والروحيّة، ولا إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وهذا على الأرجح آخر الزمان، ونحن في الكلِم النبويّ الكريم موعودون، وعد اليقين الذي لا يكذب، بعودة الإسلام.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/ArticlesFO...=160377&Sn=shkh