اقتباس: تشي غيفارا كتب/كتبت
::
1
لفتت انتباهي قصة : "الجحشنة المصرية" التي يتقول البعض بها هنا. وكأن قضية الإنحدار نحو الدين اخترعها الفراعنة, وبذا, صار حق إرث الجحشنة والتخلف بيد المصري وحده دونا عن البشر
هذا وجه آخر لذات العملة, وجه أكثر لطفا, تجل خافت للأزمة ذاتها, وأعني: أصل الأزمة : أزمة الهوية: قضية تأصيل الذات عبر استئصال المحيط من الوعي.
نوغل النظر في "العمق" فنرى المسألة أكثر جذرية من الدين, إنها شرعة البشر منذ رفع قايين صخرته وأطلقها في عمق التاريخ, كتعبير عن نفي الآخر.
صدقا, مسألة نفي الآخر لا يمكن حصرها لا بالجغرافيا (المجازر السنية ضد شيعة العراق مثلا) ولا بالتاريخ (ليس بدءا من اضطهاد اليهود في أوروبا , وليس انتهاء بما يحصل الآن في الاسكندرية)
ذهنية التذوت, إقصاء الآخر بهدف تأكيد الذات (جمعية كانت أم فردية), هي ميزة "بشرية" بامتياز.
يتخذ تعريف الذات هذا, سبيلا وحيدا, في ظل انعدام وسائل التعبير الديمقراطي التي "تهذب" عوارض إيفوريا التذوت. ولذا, يصير هذا الإيغال في ترسيم حدود هوية الأنا : تصفية جسدية للآخر.
::
2
متعاطفا مع ضحايا الجريمة الخسيسة, أفكر: لماذا تثور القضية الآن؟ مع أن تجلياتها تضرب الأصول في عمق التاريخ وعلى امتداد الأرض..
مستنكرا ذلك الشعور الوهمي بالانتماء للأمة الإسلامية, أتساءل: وذبح المسلمين في الشيشان مثلا, ألا يستحق هذه الغضبة؟
الجرح الأرمني المفتوح بسكين الباشا العثماني منذ عشرات السنين, ألم يستحق هذه الإلتفاتة من عيون العالم (الزرقاء جدا بالمناسبة) ؟
الدم المسفوح بسيف مسلمي مصر (ولن أقول سيف الإسلامويين لقناعتي أن القضية أكبر من "إجتهاد تيار تكفيري") أغشى أبصارنا يا سادة, لا لأن سفك الدم حرام, بل لأننا أيضا صرنا نرى بعيون زرقاء.
::
3
أعود لاحقا
لا أعتقد أن الإنسان يولد بنزعته لنفي الأخر. هذه الفكرة تدخل بنا في دهاليز فلسفية عن الطبيعة الإنسانية غالباً ما تنتهي بفصل الظواهر الإجتماعية عن مسبباتها الحقيقية وبالتالي طريقتنا في التعامل معها. ومع ذلك فأنا لا أختلف معك في توصيفك لنزعة نفي الآخر وإقصاؤه. لكني أعتقد أن هذه النزعة تظهرعندما يظن الفرد أن وجود الآخر يهدده بشكل أو بآخر. ولا ينبع هذا "الظن" من فراغ على ما أعتقد.
إذا مانظرنا لما يحدث الأن في مصر.. فأزمة المجتمع المصري قد تعدت كونها أزمة سياسية لتصبح أزمة ثقافية وإقتصادية عميقة دعمها النظام الحالي بسياسات الإفقار وبالقوانين المصادرة للحريات الجماهيرية (كما أشرت أنت). لينجح بذلك في خلق حالة من الإستلاب الجماهيري والإستسلام لدعاية النظام المنحطة بكل ماتحمل من عنصرية ومحدودية وعنف نحو الجماهير أنفسهم. يحدث كل هذا في ظل إتساع الفجوة مابين هذه الجماهير وبين النخبة المثقفة التي إنحطت هي الأخرى بكل ماتحمله الكلمة من معاني. وها هي النتيجة: تدهور قيم التضامن الطبقي والتعاون الإجتماعي مابين الفقراء, تصاعد ظواهر إجتماعية سلبية مثل الميل الديني في شكله "البدائي" – المشكلات الطائفية أحد مظاهره- والجشع والسباق على المكانة الإقتصادية والإجتماعية..الخ. لنصل لحالة من التحلل العام للبناء الإقتصادي والإجتماعي والسياسي غير مسبوقة.
نفس الجماهير التائهة بصراع الأنا والآخر الأن, في لحظة سياسية مختلفة سيخرج منهم شيء آخر تماماً. وإستغراقنا في المشكلات الفلسفية أثناء محاولتنا لفهم أسباب إنحطاطهم لن يقودنا الا للمزيد من "التوهان" عن المشكلات الحقيقية.
"قد" يجيب ماذكرته أعلاه عن جزء من سؤالك
" لماذا تثور القضية الآن؟ مع أن تجلياتها تضرب الأصول في عمق التاريخ وعلى امتداد الأرض" لكن هناك بالتأكيد جوانب أخرى من الصورة علينا ألا نتجاهلها, وهي ان النظام المصري الذي يعمل بخطوات سريعة من أجل تهيئة الجو العام لتوريث الحكم لجمال مبارك, يعلم جيداً أن هذا التوريث لن يمر على الشارع المصري الذي إكتسب بعض الشجاعة في الفترة السابقة مرور الكرام, خصوصاً وأنه يسعى لأن ييظهر هذا التوريث بشكل طبيعي وديمقراطي وهو أمر متعارض تماماً مع حالة العسكرة والقمع التي سيمارسها وقتها. فحالة التمرد التي إمتدت من المعارضة المعزولة والمهمشة للشارع المصري الذي شهدنا فيه الشهور السابقة العديد من المظاهرات الجماهيرية النوعية –كمظاهرات أصحاب محلات بيع الطيور وأهالي ضحايا العبارة, إعتصام مدرسي الأقاليم وتمردات الفلاحين الدموية والإضرابات العمالية القوية, إمتداد المعارضة لتشمل أجزاء كاملة من النظام كحركة القضاة التي تتصاعد بحدة في الشهور الأخيرة, إعتصامات وإضرابات الصحفيين الذين تصاعدت نبرة الحدة في مقالاتهم وكتاباتهم الصحفية بشكل فعلاً غير مسبوق..الخ, تجعل من محاولة تهيئة هذا الشارع الذي بدأ في الإنفلات من سطوته السياسية لخطوة التوريث وضمان السيطرة عليه واجباً منطقياً جداً.. لذلك فمن المنطقي أن يمهد بكل الطرق الممكنة لحالة عامة من إستنفار القمع العسكري –كانزول الجيش للشارع مثلاً- وبالطبع إستمرار العمل بحالة الطوارئ بأقسى أشكالها. لذلك.. "ربما".. يكون تصاعد مثل هذه الأحداث الأن له علاقة بهذه الحالة الخبيثة جداً وهو أمر غير مستبعد بالمرة على نظام مثل النظام المصري.
أضف لكل هذا, "رعب" النظام من الإخوان المسلمين كبديل سياسي مطروح بقوة على الشارع المصري. وأن مثل هذه الاحداث تؤدي بقوة لضرب مصداقية هذا التيار وتقديمه كبديل دموي وعنيف..الخ, في وقت يظهر هذا التيار فيه بشكل مختلف تماماً عن صورة الإسلاميين الكلاسيكية التي صدرها كل من التيارات الإسلامية الراديكالية والدعاية الإعلامية الحكومية.
أعتقد النظام المصري يحاول ضرب 20 عصفور بحجر واحد.. أتمنى ألا ينجح..
في إنتظار عودتك
(f)
العزيزة نسمة عطرة.. (f)
لي عودة